رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد إبراهيم طه: رواية كورونا كابوسية ودامية ومشاهدها تفوق الخيال

محمد إبراهيم طه
محمد إبراهيم طه

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بــ "الكورونا" وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد الكورونا. وبعيدا عن روايات أو عالم الــ"ديستوبيا" استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه علي الأدب، عليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه علي الكتابة فيما بعد، أو حتي تداعياته والتأثير الذي تركه علي العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها.. في محاولة لاستشراف عالم الغد.

يقول الروائي الدكتور "محمد إبراهيم طه":في اعتقادي أن شكل الكتابة الروائية سيتغير بعد أن رأى الروائيون جسيما صغيرا استطاع أن يهاجم العالم أجمع بلا تفرقة بين كبير وصغير، ولا ذكر وأنثى ولا غفير ووزير، فأجبر مليارات البشر على الانسحاب والاختباء بالبيوت وترك الشوارع أمامه فارغة يمرح فيها، حظر التجول واستدعت الجيوش وتوقفت حركة الطيران والسياحة ونقل البشر لا في دولة واحدة بل في كل الدول، وليس تدريجيا بل مرة واحدة، تغير وجه الكرة الأرضية، فهل تتغير الرواية؟
علينا كروائيين أن نعترف أنه لا حدث رياضي ولا سياسي ولا اقتصادي استحوذ على اهتمام العالم أجمع كما حدث مع فيروس كورونا الذي يهدد البشرية بالفناء، حتى القنبلة النووية حين ضربت اليابان، لم يجلس مليارات البشر هكذا لتتبع أخبارها.

تابع "طه" مضيفا: وعلينا كبشر أن نعترف بضعفنا ونعيد النظر في قوتنا المزعومة وفي ضعف الفيروس وشراسته، ومراجعة كل الثوابت في وجود الإنسان وعلاقته بالطبيعة والكون والوجود، فنحن أمام رواية كابوسية ومثيرة وحافلة، وغريبة، ومن رأى ليس كمن سمع، وعلى كثرة الكوارث والأوبئة لم يحدث أن كتبت رواية كاملة، كان الهدف منها التأريخ لوباء، أو وصف ملابساته أو تقديم تقرير عنه، لا أدري لماذا؟ هل لأن ذلك مهمة التاريخ؟ فقط روايتا "الطاعون" للفرنسي ألبير كامو و"اليوم السادس" للفرنسية من أصول مصرية أندريه شديد هما الروايتان اللتان كتبتا بشكل كامل عن الطاعون والكوليرا، فجاءت "اليوم السادس" كلها عن الجائحة الأخيرة للكوليرا 1947، وكتبت الرواية سنة 1960 لتكون أجواء الجائحة هي موضوع هذه الرواية، وليكون اليوم السادس الذي لو مر على مريض الكوليرا وهو حي ومتوفر له الإسعافات الصحية، فإنه سينجو، ولذلك تتعلق الآمال على اليوم السادس، ويظل الإنسان منتظرا بين اليأس والرجاء مصيره المحتوم.
عدا هاتين الروايتين، لا أذكر أن كاتبا تطرق بمثل هذا التفصيل والرصد للأعراض والإجراءات الوقائية والصحية وسلوك البشر تجاه هذه الجوائح (الكوليرا والطاعون)، الغريب أن الكاتبان فرنسيان، ومن أصول عربية وأفريقية، ومع قراءتي لمعظم الروايات العربية، لم أجد كاتبا عربيا يفرد في روايته مساحة مماثلة لهذه الأوبئة، أو يجعل منها حتى خلفية لعمل روائي، أو لقطة في قصة قصيرة، أو موضوعا فلسفيا للتأمل، أو يقدم قراءة وجودية وتأملية للإنسان في مجابهة الكوارث والأوبئة على غرار ما ورد في الروايتين الفرنسيتين، وما ورد على استحياء من ذكر الكوليرا في "الأيام" لطه حسين، وقصيدة نازك الملائكة الشهيرة، أو كإشارة في الحرافيش لنجيب محفوظ يعد مثيرا للتأمل، ولا أعرف سببا لعزوف الروائيين العرب عن ذلك.

رواية كورونا كابوسية ودامية ومشاهدها تفوق الخيال، وفي ظني مع تطور الرواية العربية واتجاهها المحموم نحو الرواية المعلوماتية، وكثرة عدد الروائيين، فإن الرواية الجديدة فيما بعد انتهاء الجائحة ستكون أكثر قدرة على استيعاب الأوبئة، ورصد الإجراءات الصحية والوقائية المتخذة في مواجهتها، فما رأيناه على شاشات الفضائيات، وما رأيناه بأعيننا من إجراءات العزل المنزلي، والهلع في عيون البشر، والعدد المتسارع يوميا في معدل الإصابات، والأكثر سرعة في الوفيات من جراء كورونا، القاتل السريع، ومع تلك الأحداث اللاهثة في المعامل والمختبرات للبحث عن مصل وعلاج للفيروس ما يجعلنا ككتاب وروائيين وفنانين وموسيقيين نختزن في وعينا وضمائرنا تلك الصور غير القابلة للمحو، والتي ستخرج من ثم في أعمال روائية وقصصية وفنية وموسيقية كثيرة.