رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبطال الظل.. عمال وفنیو وإداریو مستشفیات الحجر الصحى یتحدثون

اطباء
اطباء

فى حرب متعددة المستويات ضد عدو قاسٍ وخفى، وجدت الأطقم الطبية نفسها فى الصفوف الأمامية للمعركة، وسلطت الأضواء على جهودها فى مكافحة انتشار فيروس «كورونا»، لكن خلف هذا «الجيش الأبيض» لعب آخرون أدوارًا شديدة الأهمية وإن قبعوا فى الظل انتظارًا لحسم المعركة.
فبعيدًا عن الصفوف الأمامية لمعركة مواجهة «كورونا»، انشغلت كتائب من الإداريين والفنيين والخدمات المعاونة فى إعداد ساحة المعركة وتجهيزها للأطباء من أجل تسهيل مهمتهم فى التعامل مع كل من يحتاج إلى المساعدة والدعم من أجل النجاة من الفيروس القاتل.
«الدستور» تفتح ملف «أبطال الظل» العاملين على مساعدة الأطباء فى مستشفيات الحجر الصحى من أجل أداء مهمتهم المقدسة، وترصد تفاصيل اقترابهم من بؤر التعامل مع الفيروس، للتعرف على حقيقة الجهد المبذول فى هذه المعركة المصيرية.

طه:حماية نفسى أولى خطوات مواجهة «كورونا».. وأعمل بكامل طاقتى
فى غرفة صغيرة ممسكًا دفترًا لتسجيل أسماء المرضى المترددين على عيادة الطوارئ داخل مستشفى حميات بنها، يجلس طه عبدالبارى، ٤٢ عامًا، لتسجيل بيانات المرضى فى دفتر الدخول، ثم توجيههم للأقسام التى يجب التعامل معها، كما يستقبلهم مجددًا بعد الكشف عليهم لتدوين مختصر التقرير الطبى لكل حالة.
وعلى مدار ٨ سنوات، اعتاد «طه» العمل بالقرب من البيئة الخطرة للفيروسات، فى ظل تعامله مع المرضى، وتدربه فى أحد مراكز علاج الكبد وعمله فى المستشفى اللذين أكسباه خبرات ظهرت فى تعامله مع الأزمة والحالات المشتبه فى إصابتها بـ«كورونا».
وقال «طه»: «مع تخصيص المستشفى للحجر الصحى، خضع العاملون لتدريبات خاصة حول طرق الوقاية والتعامل مع المرضى، ولأن مهنتى حساسة يتوجب علىّ الحذر بشكل دائم من كل من أتعامل معهم».
وأضاف: «ألتزم بكل سبل الوقاية وأرتدى الكمامة والقفازين وأحرص على وجود مسافة آمنة فى التعامل، لأن حمايتى لنفسى هى أولى خطوات مكافحة الفيروس، وأعمل بكامل طاقتى حاليًا، لأنى أدرك أن الوطن فى حاجة إلى ذلك».

حسين: أمى دفعتنى للعمل رغم استشهاد شقيقى
داخل إحدى غرف مستشفى حميات بنها المخصص للحجر الصحى، جلس حسين نجيب الحارثى أمام جهاز الأشعة المقطعية، الذى يمثل خطوة مهمة فى مسار المرضى المصابين بالفيروس، ويسهم فى التأكد من حقيقة إصابتهم. «مهمتى تبدأ بعد كشف الأطباء على المريض مباشرة».. بهذا يلخص «حسين»، البالغ من العمر ٣٨ عامًا، عمله الذى يتلخص فى إخضاع المريض للكشف بالأشعة، حتى يتمكن الأطباء من تشخيص حالته وتحديد نسبة انتشار الفيروس فى الحويصلات الهوائية.
وفى ظل تعامله المباشر مع مرضى يحتمل إصابتهم بالفيروس، تلقى «حسين» تدريبًا كافيًا لوقاية نفسه أثناء العمل، بما يكفل له أكبر قدر من الحماية، خاصة مع ارتداء الكمامة والقفازين الطبيين وواقى الرأس وبذلة الأمان، طيلة فترة العمل.
وقال إن استشهاد شقيقه أثناء مواجهة الإرهاب بعد ثورة ٣٠ يونيو جعل والدته تحفزه على المشاركة فى هذه المعركة المصيرية التى يواجهها الوطن، معتبرة أنه «شهيد تحت الطلب» فى مواجهة «كورونا»، مضيفًا: «أمى كانت هتموت ورا أخويا، ودلوقتى طلبت منى إنى أشتغل أكتر علشان أساعد فى مواجهة الفيروس». وشدد «حسين» على أنه لا يخشى الموت فى هذه المعركة ولا يسمح لنفسه بالخوف، قائلًا: «كلنا فدا لمصر لما تأمر، وكل أملى إن أعداد المصابين ما ترتفعش وإن الكل يلتزم بالحجر المنزل، عشان ما تحصلش أى مشكلة».

محمد:تركت زوجتى فى آخر أشهر الحمل
عمله يبدأ من بوابة المستشفى، عبر استقبال المرضى غير القادرين على الحركة، لنقلهم إلى كرسى متحرك وتولى مسئولية التجول معهم داخل المستشفى بدءًا من شباك التذاكر، مرورًا بغرف الكشف والأشعة والتحاليل، وصولًا إلى عزلهم فى المبنى المخصص، حال ثبوت إصابتهم.
ومع تخصيص مستشفى العجمى للحجر الصحى بالإسكندرية، اضطر محمد السيد، ٣٢ عامًا، إلى مغادرة منزله وترك زوجته فى أيام حملها الأخيرة، ليعمل بكامل طاقته فى المساعدة على التصدى للوباء، بما يحول دون انتشاره بين المواطنين.
وقال «محمد»: «زوجتى بكت كثيرًا عندما أخبرتها بأننى سأبقى فى مستشفى الحجر، وبذلت جهدًا فى تهدئتها، خاصة أنها كانت على وشك وضع ابنتنا روان»، مشيرًا إلى أنه اضطر لتخصيص كامل وقته للعمل فى المستشفى، بما فى ذلك الحصول على قسط من الراحة داخل جدرانها.
وأضاف أن الخوف لم يعرف طريقه إلى قلبه، لأنه مؤمن بأن مقاومة الفيروس تكمن فى الإرادة القوية واتباع سبل الوقاية والوقوف أمامه صفًا واحدًا.
وأعرب عن شعوره بالفخر والشرف لكونه واحدًا من الجنود المشاركين فى هذه المعركة، مشيرًا إلى أنه يتمنى أن تشعر ابنته الرضيعة بالفخر عندما تعلم فى كبرها أن والدها كان واحدًا من أبطال مواجهة هذا العدو القاتل.

مصطفى: أعمل 16 ساعة يوميًا فى تعقيم الأدوات
«أعمل ١٦ ساعة فى اليوم، حتى بعد انتهاء الوردية، لكى أشعر بأننى قدمت كل ما بوسعى لمساعدة مصر فى حربها ضد هذا الوباء».. بهذه الكلمات بدأ مصطفى محمود، المسئول عن تعقيم الأدوات الطبية فى مستشفى العجمى للحجر الصحى بالإسكندرية، حديثه لـ«الدستور»، مشيرًا إلى أن مهمته تفرض عليه التعامل عن قرب مع أدوات قد تكون حاملة الفيروسات، حتى وإن كان لا يتعامل مع المرضى بشكل مباشر.
وقال «مصطفى»، البالغ من العمر ٢٨ عامًا: «مهمتى تتلخص فى تعقيم أدوات الكشف التى يستخدمها الأطباء، مثل سماعة الكشف وغيرها من الأدوات التى يتعامل بها الأطباء، بدءًا من قسم الاستقبال وحتى العناية المركزة».
وأضاف: «طبيعة العمل تفرض التعامل مع أدوات يمكنها نقل الفيروسات، وهذا أمر صعب وخطر للغاية، لأنه يمكن أن يؤدى لإصابتنا، لكن كل شىء يهون فى سبيل القضاء على الفيروس وعدم انتشاره فى مصر».
وأشار إلى أنه يواصل العمل لساعات طويلة، وتوقف تقريبًا عن الزيارات العائلية، فى ظل رغبته فى التعاون مع الفريق الطبى لأطول وقت ممكن من أجل مساعدتهم، وذلك حتى تنتهى الأزمة بالقضاء على «كورونا»، مختتمًا: «لسنا أقل تضحية من الأطباء وأطقم التمريض».

أحمد:أريد أن تشعر بناتى بالفخر بأبيهن
«نفسى ولادى يشوفونى بطل».. هذا الحلم كان المحرك الأساسى لجهود أحمد النوبى محمد، فى عمله بمستشفى إسنا التخصصى المخصص للحجر الصحى بمحافظة الأقصر، أملًا فى أن تشعر بناته بالفخر بسبب أن أباهن كان واحدًا من أبطال هذه المعركة.
يعمل «أحمد»، البالغ من العمر ٣٥ عامًا، فنيًا للصيانة بالمستشفى، الذى تم استدعاؤه للعمل فيه وهو ينتظر أن تنجب زوجته ابنتهما الثانية: «لما عرفت إن ليا دور مهم فى مستشفى الحجر الصحى ما اتأخرتش، عشان مصر محتاجة جهد كل فرد، وكمان كان نفسى ولادى يحسوا إن أبوهم بطل، وقدر يخدم بلده فى معركة كورونا، رغم أن عملى ممكن يتلخص فى إصلاح بعض الأعطال البسيطة لأجهزة التهوية أو الأجهزة البسيطة».
ورغم أن عمله لا يستدعى البقاء بشكل دائم فى المستشفى لكونه يتعلق فقط بالأعطال الطارئة، لكنه يمر يوميًا على غرف الحجر للتأكد من سلامة كل شىء ما يجعله قريبًا من المرضى. وشدد «أحمد» على أنه لا يخشى الإصابة بالفيروس، لأن الأطباء دربوه على طريقة التعامل الآمن مع المصابين، وكيفية الوقاية من المرض، الأمر الذى جعله يتعامل مع الموقف بوعى، يستطيع معه أن يحمى نفسه ويحمى الآخرين.

محمود: حربنا ضد المرض جهاد فى سبيل الله والوطن.. ولا نخشى الإصابة
فى إطار سعى وزارة الصحة والسكان لتوفير الخدمات الممتازة لمصابى «كورونا» المحتجزين داخل مستشفيات الحجر الصحى، اضطر محمود السيد أحمد، ٤٣ عامًا، للاقتراب من عالم الفيروس القاتل، لعمله مديرًا للخدمة الفندقية فى مستشفى إسنا التخصصى للحجر الصحى، بمحافظة الأقصر. وقال «محمود»: «مهمتى تبدأ فى الثامنة صباحًا، للإشراف على إعداد وجبات الإفطار، سواء للمصابين أم لأعضاء الأطقم الطبية، وبعدها تبدأ مهمة الإشراف على تنظيف وتعقيم كل شىء يدخل إلى مغسلة الملابس، للتأكد من صحة الإجراءات المتبعة فى التنظيف». وأضاف: «بعد ذلك تبدأ مرحلة تحضير وجبات الغداء، وبعدها العشاء، وأخيرًا نعود لغسل وتطهير الملابس مجددًا فى المساء».
طبيعة عمله تفرض عليه التعامل المباشر مع المريض، كما يوضح، خاصة خلال مهمة توزيع الوجبات واستبدال الملابس، لكنه، رغم ذلك، يؤكد أنه لا يخشى الإصابة بالفيروس فى ظل التزامه بإجراءات الوقاية. وتابع: «التزامنا بالإجراءات يكفل لنا السلامة علشان كده مش خايفين، خصوصًا إننا شايفين إن حربنا ضد كورونا جهاد فى سبيل الله والوطن».