رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بحث للدكتور محمد خفاجى عن خطر الشائعات في المجتمع وتأثيرها على الأمن القومى واستراتيجية المواجهة1-3

الدكتور محمد خفاجى
الدكتور محمد خفاجى

◄الشائعات من وسائل الحروب الحديثة لهدم الدول من الداخل وتمثل التحدي الأكبر للدول في العصر الحالي
◄الرئيس السيسى حرص على إبراز خطورة الشائعات على المجتمعات في ثلاث مناسبات ويجب أن ينشغل الباحثون بدراستها
◄ستة نماذج موصوفة لتجريم الشائعات يجهلها أكثر الناس من رواد التواصل الاجتماعى
◄سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في بث الشائعات أدى إلى تدمير دول وسقوطها في دائرة الفوضى
◄المشرع المصرى تشدد في السياسة العقابية للشائعات في زمن الحرب بينما تخفف في زمن السلم ويجب التعديل


الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة على كيان المجتمعات، وأثرت في بعض الدول التي تفككت بفعلها وسريانها بين الناس خاصة وأن ترويج الشائعات في العصر الحالى يستغل التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصال، وقد تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى عن خطر الشائعات على المجتمعات في أكثر من مناسبة وكان يجب على الباحثين دراسة الظاهرة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية لحماية المجتمع من شرورها.

ونعرض للبحث القيم الذي أجراه الفقيه المصري المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية والمنشور على موقع كلية الحقوق جامعة المنوفية بعنوان: "الحماية القانونية للمجتمع من بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتأثيرها على الأمن القومى. دراسة تحليلية في ضوء الحفاظ على النسق القيمى والبناء الاجتماعى وحماية الأمن القومى واستراتيجية المواجهة للقضاء على الشائعات " ايمانا منا بأن ما نقدمه للقارئ يزيد الوعى بين المواطنين ويبث روح الثقافة حول مخاطر تلك الظاهرة.

ونعرض في الجزء الأول لأهم ما تضمنه بحث الدكتور محمد خفاجى عن خطورة الشائعات على المجتمعات واستراتيجية المواجهة في النقاط التالية:

أولًا: الشائعات من وسائل الحروب الحديثة لهدم الدول من الداخل وتمثل التحدي الأكبر للدول في العصر الحالي وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعى ببث الشائعات أدى إلى تدمير دول وسقوطها في دائرة الفوضى:
الشائعات تعتبر من وسائل الحروب الحديثة لهدم الدول من الداخل وتمثل التحدي الأكبر للدول في العصر الحالى، وقد تعاظم تأثيرها في تلك الدول مع اتساع رقعة وسائل التواصل الاجتماعي وقيام البعض بنشر الشائعات بين مواطنيها، ولا ريب أن سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كافة ببث الشائعات أدى إلى تدمير دول وسقوطها في دائرة الفوضى، مما أدى إلى تفكيك مجتمعاتها فى المنطقة العربية، وتقف مصر بالمرصاد للقضاء على ظاهرة إطلاق الشائعات من خلال إصدار البيانات التى تنفى هذه الشائعات، لذا يلزم بيان مدى تأثير الشائعات على الأمن القومى من ناحية، كما يلزم بث روح الثقافة بين المواطنين عن طريق بيان العقوبات التي أوردها المشرع لمروجي الشائعات من ناحية أخرى.


ثانيا: الرئيس السيسى حرص على إبراز خطورة الشائعات على المجتمعات في ثلاث مناسبات ويجب أن ينشغل الباحثون بدراستها:

يقول الدكتور خفاجى أنه نظرًا لخطورة تأثير الشائعات فى المجتمعات فقد حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى في أكثر من مناسبة على إبراز خطورتها وفي ثلاث مناسبات، المناسبة الأولى فى 22 يوليه 2018 خلال كلمة السيد الرئيس فى حفل تخرج عدد من الكليات والمعاهد العسكرية أبان أن الدولة المصرية واجهت 21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر، والقصد منها إحداث البلبلة وعدم الاستقرار والإحباط مبيننا في كلمته " أن الخطر الحقيقي الذي يمر ببلادنا ومنطقتنا هو تفجير الدول من الداخل، عن طريق الضغط، والشائعات، والأعمال الإرهابية، وفقد الأمل، والإحساس بالإحباط، من أجل منظومة رهيبة جدا، الهدف منها تحريك الناس لتدمير بلدهم.

" والمناسبة الثانية فى مؤتمر الشباب الذي انعقد السبت 1492019، فى مركز المنارة، رد السيد الرئيس على العديد من الشائعات والأكاذيب التى ترددت خلال الفترة الماضية والتي رددتها الجماعات المغرضة، خاصة فى ظل اعتماد الجماعات الإرهابية على سلاح الشائعات والأكاذيب كوسيلة للتحريض ضد مصر.

واتسم خطاب الرئيس السيسي خلال مؤتمر الشباب بالصراحة والشفافية والوضوح، وبين الحقائق بالأدلة والبراهين والأرقام، وفي المناسبة الثالثة بتاريخ 21102019 قال الرئيس خلال كلمته بافتتاح مصنع الغازات الطبية والصناعية رقم 3 التابع لشركة النصر للكيماويات الوسيطة بأبو رواش " إن الإعلام له دور كبير في توعية المواطنين والتصدي للشائعات التي يروجها أهل الشر، وأن ما تواجهه مصر يعد حرب إعلامية وحرب شائعات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تحاول التأثير على وعي المصريين هناك حالة من التشكيك في كل شيء، حالة مرتبطة بمنهج لدى الإرهابيين يرون الكل سيئ إلا هم وأنه يجب أن نتحدث كثيرًا ونشكل وعي شعبنا، وألا نترك فرصة أو فراغًا لأي أحد لكي ينتهزها".

ومن ثم يجب أن ينشغل الباحثون بدراسة هذه الظاهرة من جميع النواحى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والمساهمة في وضع الحلول التي تمكن الدولة من القضاء عليها.

ثالثًا: ستة نماذج موصوفة لتجريم الشائعات يجهلها أكثر الناس من رواد التواصل الاجتماعى

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه انطلاقا من حديث السيد رئيس الجمهورية عن أهمية تشكيل وعى المواطنين وألا نترك فرصة أو فراغا لأى أحد ينتهزها فقد كان ذلك القول مصدر إلهام فقهى، اَليت على نفسى إجراء هذا البحث العلمى بمنتهى التجرد والموضوعية، للتوعية الثقافية لمخاطر الشائعات على الأمن القومى، وبيان الجرائم التي يجهلها أكثر الناس من رواد التواصل الاجتماعى وهى ستة نماذج موصوفة لتجريم الشائعات، قاصدا مصلحة وطنية خالصة، بعد أن وجدت المكتبة المصرية والعربية يندر بها أبحاث علمية في السياسة التشريعية تعالج ظاهرة الشائعات وتأثيرها السيئ على النسق القيمى والبناء الاجتماعي، مما يضر بالأمن القومى، ويتطلب معه رسم استراتيجية كفيلة بمواجهة تلك الظاهرة.

رابعًا: (الجريمة الأولى) جناية اذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو إضعاف الجلد في الأمة زمن الحرب:

يقول البحث أن المشرع المصرى تعرض لتجريم الشائعات سواء في زمن السلم أو الحرب، حيث عرض لستة نماذج موصوفة في التجريم، ويكفى فى جرائم الشائعات أن يتحقق فيها الضرر أو حتى الخطر وتتمثل الجريمة الأولى فى جناية اذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو إضعاف الجلد في الأمة زمن الحرب، فوفقا للمادة 80 (ج) من قانون العقوبات فإن كل من أذاع عمدًا في زمن الحرب أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة ويشترط فيها أن يكون من شأن ذلك كله إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة، يعاقب بالسجن العادى (الذى يبدأ من ثلاث سنوات إلى خمسة عشر سنة)، وقد شدد المشرع العقاب بأن تكون العقوبة السجن المشدد إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة أجنبية، كما ازداد في تشديد العقاب بأن تكون العقوبة السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة معادية.

خامسا: (الجريمة الثانية) الحبس وغرامة 100 جنيه لإذاعة مصرى عمدًا في الخارج إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد للإضرار بالمصالح القومية للبلاد لا تتناسب مع يفعله شياطين الجماعة الإرهابية في قطر وتركيا ضد الدولة المصرية:

وتتمثل الجريمة الثانية في إذاعة مصري عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، ووفقا للمادة 80 (د) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد ومن ثم فهى جنحة. وشدد المشرع العقاب بأن تكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن حرب ومن ثم يتغير وصف الجريمة إلى جناية.

ويضيف البحث أن عقوبة الحبس وغرامة 100 حتى 500 جنيه لكل مصري أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، ضئيلة ولا تتناسب اطلاقا مع يفعله شياطين الجماعة الإرهابية في قطر وتركيا ضد الدولة المصرية خاصة أن ما يفعلوه يؤدى إلى إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو ومن شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد ونناشد المشرع بتشديد العقاب بشأنها.

سادسًا: الحبس وغرامة 50 جنيه بحسن نية والحبس وغرامة 5 الاف بسوء قصد للإشاعات الكاذبة فى تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة لا تتناسب مع خطورتها على المجتمع أو ما طرأ على التطور التكنولوجى في الاتصالات

وتتمثل الجريمة الثالثة في جريمة إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة عمدا إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ووفقا للفقرة الأولى من المادة 102 مكرر من قانون العقوبات يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة يشترط فيها أن يكون من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ومن ثم فهى جنحة.ويتغير وصف هذه الجريمة من جنحة إلى جناية إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، فتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه.

ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن الفرق بين جريمة إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة عمدا إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة والمقدر لها الحبس والغرامة من 50 حتى 200 جنيه (المادة 1021)، وبين جريمة نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراق مصطنعة أو مزورة بسوء قصد إذا كان من شأنها تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة والمقدر لها عقوبة الحبس وبغرامة لا تقل عن 5.000 ولا تزيد على 20.000 (المادة 188)، أن الأولى تتحقق ولو لم يكن لدى الجانى سوء القصد فيكفى فيها الضرر أو مجرد تحقق الخطر ولو بحسن نية، بينما الثانية يلزم لها سوء القصد.

وتساءل كيف تكون العقوبة مجرد الحبس لمن يروج الشائعات بإذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة عمدا إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ! فالعقوبة هنا لا تتناسب مع ما يترتب على الشائعة من ضرر محدق بالوطن، فغرض العقوبة تحقيق الردع بنوعيه الخاص لمرتكب الفعل والعام الموجه للكافة فيكون أمام أعينهم العقاب قبل ارتكاب الفعل، وما من ريب في أن عقوبة الحبس والغرامة من 50 حتى 200 جنيه في مجال الشائعات الكاذبة التى تهدم الأوطان لا تحقق أغراض العقوبة.

سابعا: (الجريمة الرابعة) جريمة حيازة أو إحراز محررات أو مطبوعات للإشاعات الكاذبة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها

يقول الدكتور محمد خفاجى تتمثل الجريمة الرابعة في جريمة حيازة أو إحراز محررات أو مطبوعات للإشاعات الكاذبة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، ووفقا للفقرة الثانية من المادة 102 مكرر المشار إليها يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، ومن ثم فهى جنحة.

ثامنا: الجريمة الخامسة جريمة حيازة أو إحراز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة الإشاعات الكاذبة

وتتمثل الجريمة الخامسة في جريمة حيازة أو إحراز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة الإشاعات الكاذبة، ووفقا للفقرة الثالثة من المادة 102 مكرر المذكورة ويعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائتي جنيه كل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ومن ثم فهى جنحة.

تاسعًا: الجريمة السادسة جريمة نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراق مصطنعة أو مزورة بسوء قصد إذا كان من شأنها تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
الجريمة السادسة تتمثل في جريمة نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراق مصطنعة أو مزورة بسوء قصد إذا كان من شأنها تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، إذن يلزم سوء القصد، ووفقا للمادة 188 من قانون العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

ويضيف أنه يجب على المشرع تشديد العقوبة في مجال تجريم الشائعة بإبدال عقوبة السجن بدلا من الحبس لما ترتبه هذه الجرائم من تأثير فتاك بالمجتمع والإضرار بمصالح الوطن العليا.

وغدا نعرض للجزء الثانى من هذه الدراسة عن خطر الشائعات على المجتمعات واسترتيجية المواجهة.