رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التّنين.. وخلط الطقس بالدين!



الهبلة التى أمسكوها طبلة تربطها، غالبًا، صلة قرابة بذلك الذى أمسكوه ميكروفون أحد المساجد، عصر الأربعاء، ليزعم فى خطبة استمرت ساعة إلا قليلًا أن سوء الأحوال الجوية سببه غضب من الله، وأن «هذه الريح، عذاب من الله»، ثم طالب مستمعيه بأن يعودوا إلى الله. ولأن «غير المذكور» ظل يعيد ويزيد، ويكرر هذا الهراء بصيغ مختلفة، تمكنت من الاحتفاظ بمقطع صوتى، سأهديه عن طيب خاطر، لمَنْ يعنيه الأمر، لو كانت مثل هذه الكوارث، المعتادة والمستمرة، تعنى أحدًا فى وزارة الأوقاف أو فى غيرها!.
سوء الأحوال الجوية تسبب فيه منخفض التنين أو منخفض القرن، الذى ضرب، بحسب خبراء الأرصاد، ٨ دول: مصر، عُمان، سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين، العراق وتركيا. ومشكورة، استبقت الحكومة المصرية، موجة الطقس السيئ، التى توقعت هيئة الأرصاد الجوية أن تضرب البلاد بداية من أمس الخميس، وتستمر حتى السبت، بإجراءات احترازية، من بينها تعليق الدراسة فى جميع المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية، ومنح العاملين بالمصالح الحكومية والقطاعين العام والخاص إجازة رسمية بسبب موجة الطقس السيئ المتوقعة. واستثنى القرار العاملين فى خدمات مياه الشرب والصرف الصحى والنقل والإسعاف والمستشفيات والمطاحن والمخابز والخدمات الشرطية.
لأسباب، غير وجيهة طبعًا، لم يستثن القرار العاملين بوزارة الأوقاف، مع أن واجبهم متابعة (ولا نقول ملاحقة) أمثال «غير المذكور»، الذى حاول إثبات صحة مزاعمه بخلو المسجد، أثناء الصلاة، وعدم وجود إلا «صف أو اتنين.. فين بقية الناس.. فين؟ أين طاعة الله؟». مع أن دار الإفتاء المصرية قالت إنَّ الشرع الشريف أجاز الصلاة فى البيوت فى حالة الكوارث الطبيعية كالسيول والعواصف، وكذلك فى حالة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية. بل قد يكون واجبًا إذا قررت الجهات المختصة ذلك. وشددت دار الإفتاء على أن الشرع الشريف أعطى لولى الأمر والجهات المختصة الحق فى التصرف فى شئون الرعية بما فيه مصلحتهم.
تقرير الهيئة العامة للأرصاد الجوية، الصادر الأربعاء، كان قد حذّر من «تعرض البلاد لحالة شديدة من عدم الاستقرار فى الأحوال الجوية خلال الفترة من الخميس وحتى السبت المقبل، تشمل سقوط أمطار غزيرة تصل إلى حد السيول، إلى جانب رياح شديدة على أغلب الأنحاء تصل إلى حد العاصفة». وبالفعل، شهدت كل المحافظات المصرية، تقريبًا، أمس الخميس، حالة شديدة من عدم الاستقرار فى الأحوال الجوية شملت سقوط أمطار شديدة الغزارة إلى جانب رياح على أغلب الأنحاء تصل إلى حد العاصفة.
الفرق كبير وواضح بين إدارة الحكومة المصرية للأزمة وبين تلك التى تم بها التعامل مع أزمات سابقة أبرزها موجة الطقس السيئ التى تعرضت لها البلاد سنة ١٩٩٤، حين شهدت محافظات الجنوب، فجر يوم ٢ نوفمبر ١٩٩٤، سقوط أمطار غزيرة استمرت نحو ٣ ساعات دون توقف، ما أدى إلى حدوث سيل عنيف فوق الجبل الغربى تسبب فى غرق قرى بشكل كامل، وانهيار منازل وتحطم طرق، وامتدت هذه الموجة إلى معظم أنحاء الجمهورية، وتسببت فى خسائر مادية وبشرية كبيرة، ولقى أكثر من ٦٠٠ مواطن بمحافظة أسيوط مصرعهم. كما تسببت الأمطار فى انهيار آلاف المنازل فى أسيوط، وغرق أكثر من ٧٠ نجعًا فى سوهاج، وتسببت الأمطار أيضًا فى توقف حركة المترو فى القاهرة عن العمل بعدما اجتاحت المياه محطات المترو والقضبان، وتم تقدير خسائر مصر فى تلك الموجة بأكثر من نصف مليار دولار.
يقولون لا شكر على واجب، لكن الشكر هو أقل واجب تستحقه كل الأجهزة والجهات المعنية التى اتخذت كل التدابير اللازمة، وتعاملت بشكل فورى مع تداعيات حالة عدم الاستقرار فى الطقس، والآثار السلبية الناجمة عنها. واستبقت ذلك كله بإعلان عاصم الجزار، وزير الإسكان، عن «تخفيض الضغوط على شبكة المياه فى بعض المناطق، وإذا استلزم الأمر سيتم قطع المياه عن بعض الأماكن» بغرض تخفيف الضغط على شبكة المجارى. كما دعا محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية، المواطنين إلى عدم إيقاف السيارات أو ركنها فى أماكن منخفضة أو بجوار الأشجار، وإلى خفض تحركاتهم إلى الحد الأدنى الضرورى.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن «الإجراءات القانونية» التى أعلنت الحكومة عن اتخاذها بحق «كل من أذاع أخبارًا أو بيانات كاذبة أو شائعات تتعلق بفيروس (كورونا الجديد) أو غيره». كما أن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، قال بوضوح إن التحركات القانونية ستشمل أولئك الذين أطلقوا الشائعات بهدف «تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين المواطنين، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة». وهو ما نراه ينطبق على ذلك الذى أمسكوه ميكرفون أحد المساجد، عصر الأربعاء، والذى رجّحنا وجود صلة قرابة تربطه بـ«الهبلة» التى أمسكوها طبلة!.