رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«زيارة أخيرة لأم كلثوم» لعلي عطا.. رواية السيرة والاعترافات

 علي عطا
علي عطا

عن " الدار المصرية اللبنانية" صدرت الرواية الثانية للشاعر والروائي "علي عطا" والتي تقع في 199 صفحة من القطع المتوسط وتتعرض للخارطة المكانية والزمانية لمدينة المنصورة مكان مولد الكاتب ونشأته والذي يستدعي مكان الميلاد وذكريات اللعب وأحلام الطفولة والصبا والشباب من خلال قنص أحداث بعينها تخص مفاهيم السيرورة الذاتية واشتباكها مع الوجود وذوات الآخرين والأخريات، ممن شاركوا في صنع نسيج الأحداث.

بداية من بؤرة الحكاية المأساوية للخالة" أم كلثوم" وهي صانعة الحكاية، بل حكايات السارد الذي يعود لمنغصاته النفسية والاجتماعية فيما واجهه من آلام ذاتية ووجودية نتيجة إصابته بمرض الاكتئاب المزمن فصار كثير التردد على مصحة "الكوثر" والتي تمثل للراوي ذروة القبض على الحدث الرئيس في تلك الرواية الفريدة فيما هو متصل ومرتبط بتقنيات سرد الرسائل، واستخراج مكنون الأسى في الفقد لغالبية أسرة الراوي الكاتب السارد الواقف على عتبات جمة وخصبة عبر مراحل ثلاث الطفولة وهي مأساة القهر المعيشي في التنقل في العمل ما بين أكثر من مهنة حتى الوصول لمرحلة الصبا للفتى الحالم بدوافع ذاتية وأسرية للدخول للجامعة وتحقيق حلمه الأثير بعالم الصحافة والإعلام، ليكون له ما أراد ولكن هيهات فرغم تحقق الحلم بإنتهاء الدراسة والحصول على بكالوريوس الإعلام، إلا أن الراوي لاتخمد بصيرته ولا هذا الضمير الراشق في وعاء ومهد البدايات فعن عشرات الشخصيات، من الأشقاء والأب والأم والجيران والعائلة التليدة والتي تتفرع نتاجاتها الخصيبة في طرح إشكالية الإنسانية وسحقه مع التواطؤ في تورط تلك الذوات الجارحة التي نمت وتربت على الفردانية وتأكيد الأنا وقهر الآخر والبعد حتى عن أقرب السلوكيات البشرية الرحيمة كانت هناك مساحات شاسعة من الحنين أو "النوستالجيا" الفارقة والفريدة كاستدعاء للمحطات الفارقة والعتيدة التس ساهمت في تطور الحالة الدرامية في سرد شفيف وموجع يحمل أطياف ذات إشكالية من الجمال، جمال الحكي الشفيق المصبوغ بل المنقوع في الأسى والقهر ونفي الآخر، حتى فيما يخص أقرب الملازمين للراوي ومن خلفه الكاتب والذي لا يجد حرجًا في قص سردي موغل في القتامة واللوع وطفرات أسيانة تشمل مراحل جمة في السياسي والشخصاني والحياتي والمعيشي، عن المنصورة، والدقهلية و"تورييل" و"بيت لقمان" و"السكة الجديدة" ونادي المصورة الرياضي و"جزيرة الورد"ومصنع السماد وكوبري طلخا الحديدي وأصوات للقطارات الغاربة قبل القادمة، يودع السارد أربعين عاما من محطات فارقة غيرت الكثير من خرائط الأحداث والزمكان، في تاريخ مصر ومدينة الكاتب وفخر ميلاده "المنصورة" تتعدد القفزات في ملحمية سرد شيق يختزل الكثير من تفاصيل الوجع بتكثيف المشهدية وتجليات اللغة البصرية وتعميق وسائط الصورة والضوء، تخفي سرود " زيارة أخيرة لأم كلثوم" الكثير من السرد الميت، لتستعين ببلاغة القفز على الأحداث والزمن والمفارقة، بل المخاتلة التي تولد الكثير من الفواجع، عن علاقة السادات بالإخوان وعلاقة "رفعت السعيد" بالمتأسلمين محاولا استكشاف بداياته كشخصية فارقة انشغلت بالسياسة وتجميل النفس كأحد مواليد مدينة المنصورة، وهو المالك لقطع وأراض وأمكنة سكنية في مدينة الراوي والتي يزورها السادات قبل اغتياله بساعات، وعن تلك التكئة أو العتبة الأهم في تواصل السرد وإفشاء ماهو مخفي ومسكوت عنه في تغيير الأنفس وجرم الخروجات اللا مشروعة للمئات بل للآلاف من الشباب والرجال والنسوة والشيوخ الثكالى بمرارة العيش ممن رافقوا الراوي الرائي والشاهد على ماحدث في بنية وعمق الشخصية المصرية في كل مدينة وقرية وزمان ومكان، يسرد الكاتب علي عطا معزوفته الموجعة عن الغربة وغرابة المآلات حتى فيما هم قريبون جدا من سيرة ومسيرة وطفولة الراوي العليم والذي يستعين بصندوقه الرمزي في تواصل مستمر مع رفيق الحياة والدرب والأقدار المتشابهة "طاهر" المقيم بأحد العواصم الغربية والمولود في السودان والذي يطلعه "حسين السارد أولًا بأول عن الأحوال، والمآلات في "الوكالة"- وجريدة أو مكتب "عرب اليوم" وتقلصها المستمر بل ومحاولات تصفيتها من قبل مسئوليها أو مالكيها.

وتستمر الرواية براو عليم- كاشف، يحس فينجرح فلا يصرخ ولكنه يئن تحت وطأة التهميش المنتظر والفلس المادي والتعري المعيشي.

"زيارة أخيرة لام كلثوم" للشاعر والروائي "على عطا" تضاف وبجدارة وفرادة لروايات السرد الذاتي الطالع والمطروح للوجود والمشتبك مع حواس كاتب الرواية وعصابيته في الكتابة بنهم وكشف، بتجرد كاتب يتمرد على ما قدر له ليخرج بالغزير والصاف والرشيق من أدب الاعترافات والذي يضاف لرجرجات عوالم النفس والوجود والسير الذاتية عند كتاب كبار يعرفهم العالم بأفراد مشروع ومشروعية عناوين أعمالهن وأعمالهم الجارحة- كا "إيزابيل الليندي" التشيلية، و"فرجينيا وولف" صاحبة "جيوب مثقلة بالحجارة" والساعات و"السيدة دالاوي" على عطا يضيف في عمله الروائي الثاني أبعادا في غاية القسوة والروعة والفرادة لتحريك البلادة ونسف آليات القهر وتدمير وفضح المسكوت عنه في المعيشي والسياسي الصابغ للوجودي وهذا قبل الذاتي القادر على إشتباك القاريء بحيادية وشغف مع نص حيوي مفعم بجماليات الحكي واللغو، وبساطة اللغة رغم ثقل جرم المعان كونها تقلب في تربة مصر السياسية والمعيشية