رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو.. أو انتخابات رابعة!



مرة ثالثة، خلال أقل من سنة، توجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب ممثليهم فى البرلمان «الكنيست»، وسط ترجيحات بأن تكون هناك انتخابات رابعة، قادمة، لو لم يتمكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المنتهية ولايته فى أبريل الماضى، من تحقيق نتائج تؤهله لتشكيل الحكومة، للمرة الخامسة أو الرابعة على التوالى.
مراكز الاقتراع فتحت أبوابها فى الساعة السابعة صباح السبت «الخامسة بتوقيت جرينتش». واليوم الثلاثاء، ستظهر النتائج الأولية، بينما لن يتم الإعلان عن النتائج الرسمية إلا بعد أسبوع. وعندئذ، سيقوم رئيس الكيان «الرئيس الإسرائيلى» بإجراء مشاورات، ستنتهى بتكليف نتنياهو أو منافسه الرئيسى بينى جانتس بتشكيل الحكومة. فى حين تؤكد استطلاعات الرأى أن كليهما لن يتمكن، بشكل منفرد أو مع حلفاء، من تشكيل أغلبية حاكمة فى البرلمان. ما يعنى استمرار الأزمة السياسية التى منعت تشكيل حكومة مرتين.
جانتس «٦٠ سنة»، الذى يقود تحالف الجنرالات «كحول لفان» أو أزرق- أبيض، كان رئيسًا لأركان جيش الاحتلال. والجمعة الماضى، دعا الإسرائيليين إلى إنهاء انقساماتهم وطى صفحة نتنياهو، الذى «يعمل بطريقة المافيا، ويعرف أنه لن يكسب الانتخابات بالطرق الشرعية، لذلك خطط لجعلها حربًا قذرة فى أدنى المستويات».
فى انتخابات أبريل الماضى، تساوى حزب الليكود وتحالف أزرق- أبيض فى عدد المقاعد، لكنّ نتنياهو بعد فشله فى تشكيل ائتلاف حاكم، حل البرلمان ليحرم جانتس من فرصة أو محاولة تشكيل الحكومة التى حين أتيحت له بعد انتخابات سبتمبر كرر فشل نتنياهو وتقرر الذهاب إلى الانتخابات الثالثة: انتخابات أمس.
عدد من يحق لهم التصويت يقترب من ستة ملايين ونصف المليون، ١٥٪ منهم، أى حوالى مليون من العرب حاملى الجنسية الإسرائيلية، «فلسطينيو ٤٨». وفى الانتخابات الأخيرة «انتخابات سبتمبر» أدلى نحو ٦٠٪ من هؤلاء بأصواتهم، التى ذهب ٨٤٪ منها إلى «القائمة المشتركة» التى تضم أحزابًا عربية وأخرى تزعم أنها إسلامية، وتمكنت من حصد ١٣ مقعدًا لتصبح ثالث أكبر الكتل بعد كحول لفان والليكود. وكنا قد أوضحنا، منذ أيام، كيف أن نتنياهو، بنصيحة تركية، غالبًا، سار على خطى الزعيم الألمانى أدولف هتلر، وحاول استخدام ورقة الدين للتقرب إلى المسلمين فى الأراضى العربية المحتلة، أملًا فى الحصول على أصواتهم، بزعمه أنه يعمل جاهدًا «على تنظيم رحلات مباشرة من تل أبيب إلى مكة، للتسهيل على الحجاج المسلمين».
حال فوز نتنياهو «٧٠ سنة» بولاية خامسة، سيكون هو رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى حكم لأطول فترة، إذ ترأس الحكومة منذ سنة ١٩٩٦ إلى سنة ١٩٩٩، ثم منذ سنة ٢٠٠٩ إلى الآن. وفى ديسمبر الماضى، فاز بزعامة حزب الليكود بفارق كبير عن منافسيه. وحين سئل، الأحد، فى حوار مع الإذاعة الإسرائيلية العامة، عن خطوته القادمة حال عدم نجاحه فى تشكيل الحكومة، أجاب بلا تردد: «سنحاول مرة أخرى». وبسؤاله عما إذا كان جادًا فى التوجه لانتخابات رابعة، أجاب: «القانون لا يمنع ذلك».
فى المقابلة نفسها، تعهد نتنياهو بضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية المحتلة «فى غضون أسابيع» إذا ما أعيد انتخابه، مؤكدًا أن ضم غور الأردن وأجزاء أخرى من الضفة الغربية، على رأس أولوياته، من بين «أربع مهمات كبرى فورية» يعتزم القيام بها «فى غضون أسابيع أو شهرين كأقصى حد».
الخطة الأمريكية للسلام فى الشرق الأوسط، التى تم الإعلان عنها أواخر يناير الماضى، أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو لضم غور الأردن، تلك المنطقة الاستراتيجية التى تشكل ٣٠٪ من مساحة الضفة الغربية. واقترحت الخطة لجنة مهمتها ترسيم الحدود. وحسب نتنياهو فإن «لجنة الخرائط الأمريكية الإسرائيلية المشتركة بدأت عملها منذ أسبوع». كما تطرق أيضًا إلى أولوياته الأخرى: توقيع معاهدة دفاعية «تاريخية» مع الولايات المتحدة، و«القضاء على التهديد الإيرانى»، دون أن يقدم مزيدًا من التفاصيل. أما هدفه «الفورى» الرابع إذا فاز بولاية جديدة، فكان إجراء إصلاح اقتصادى كبير لخفض تكلفة المعيشة المرتفعة.
توقيت إعلان الخطة، الرؤية، المقترحات أو التصورات الأمريكية، دفع الإسرائيليين، قبل غيرهم، إلى اتهام الولايات المتحدة بالتدخل فى السياسة الداخلية الإسرائيلية لمصلحة نتنياهو الذى شارك فى وضع تلك الرؤية مع مهندسها الفعلى، ديفيد فريدمان، المستوطن الإسرائيلى، السفير الأمريكى فى تل أبيب، أو مع مهندسها الوهمى، أو الصورى، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى وكبير مستشاريه. والإشارة هنا مهمة إلى أن الرئيس الأمريكى سبق أن قدم لنتنياهو وحزب الليكود هديتين كبيرتين، قبل الانتخابات السابقة: الاعتراف بالقدس عاصمة للإسرائيليين ونقل السفارة الأمريكية إليها. ثم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
.. وتبقى الإشارة إلى أن نتنياهو سيكون مشغولًا بمداولات تشكيل الحكومة، حين تبدأ، فى ١٧ مارس الجارى، محاكمته بالرشوة، الاحتيال، وخيانة الأمانة.