رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور إبراهيم نجم يكتب: حديث الفتنة.. من فى الجنة ومن فى النار؟

الدكتور إبراهيم نجم
الدكتور إبراهيم نجم

تعودنا من مثيري الشغب عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما بين حين وآخر أن يخرج علينا أحدهم بتصريح فجٍّ أو أغنية هابطة أو كلام يصبو منه إلى إثارة انتباه الجماهير، وزيادة عدد من المتابعين، وحصد أكبر قدر من اللايكات التي سرعان ما تتحول إلى أموال وأرصدة تغني أصحابها على حساب انحطاط الذوق العام والأخلاق، تعودنا على هذا النمط من الفجاجة، وكنا نحسب أن الدين بأخلاق دعاته والمنتسبين إليه بمعزل عن هذا الاستهلاك اللا أخلاقي؛ فإذ بنا نفاجئ بدخول بعض من انتسب أو نسب نفسه إلى العلم والدعوة يُدخل الإسلامَ وأحكامه وعقائده كمادة مشهية جديدة لجذب الانتباه، وجمع اللايكات، وحصد الأموال.

فقد طالعتنا مواقع التواصل عبر ما انتشر من تعثر السير الدكتور مجدي يعقوب أثناء تكريمه بالإمارات؛ وذلك نظرًا لجهوده الجبارة في إنقاذ مرضى القلب، خاصة الأطفال من الموت المحتم لإصابتهم بأمراض قلبية مزمنة وخطيرة، لا شك أن ما حصَّله السير مجدي يعقوب من علم ومعرفة وخبرة أذهلت العالم؛ كانت نتيجة لجهود مضنية وشاقة قد وضعها كلها مسخرة في خدمة وطنه وشعبه، ولم ينظر يومًا ما إلى دين من يعالج وينقذ من الموت، بل بعين الشفقة والرحمة والإنسانية التي امتلأ بها قلبه، وبطبيعة الحال استولى السير مجدي يعقوب على قلوب ملايين الناس في العالم بوجه عام، وصار معشوق المصريين بوجه خاص.

ومن الطبيعي بالنسبة إلى المصريين بما حباهم الله من فطرة نقية، وحبٍّ للخير وأصحابه، ونتيجة لذلك الذي تملك قلوبهم تجاه هذا الإنسان الجميل الذي صار صاحب السعادة بما أدخله على قلوب من جدَّد لهم الأمل في الحياة، أن يتوجهوا إلى الله بالشفاء والرحمة والجنة للدكتور مجدي يعقوب؛ لأنه في قلوب المصريين يستحق كلَّ خير؛ والجنة هي أكبر خير يناله الإنسان، دعاء فطري بعيد عن السفسطة والجدل والمكايدة الطائفية، دعاء نابع من القلب إلى الرب أن يضع هذا الإنسان في أعلى مكانة يستحقها، فإذا بأهل الفتنة ومثيري الشغب ومحبي الظهور وجامعي اللايك والشير يدخلون على الخط؛ دون أن يسألهم أحد فيتكلمون بحديث الفتنة عن مصير الدكتور مجدي يعقوب، وكأنَّ الله تعالى وكلهم بمصائر خلقه وأعطاهم حق إدخال هذا إلى الجنة وذاك إلى النار؟! .

لا شكَّ أن الحكم على مصير إنسان معين مهما كان دينه وعقيدته بأنه من أهل النار، وأن الله لن يتقبل منه عمله هو حديث يدل على سطحية عقل صاحبه، وسخافة تفكيره، بل والجهل بما يدعي الانتساب إليه من الدين، وهل ثمة جهل أكبر من  أن يتحدث الإنسان بكلمة تغضب الله سبحانه، مثل أن يتحدث بمصائر الخلق بما يحمل ذلك من التألي عليه سبحانه؟! ولقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فحدثنا أن رجلا قال: «والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك»، وحدثنا أيضًا أنَّ رجلين من بني إسرائيل أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب، فقال المجتهد للمذنب: والله لا يغفر الله لك- أو قال لا يدخلك الله الجنة أبدًا- فبعث إليهما ملك فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند الله جل وعلا، فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالمًا أم كنت قادرًا على ما في يدي، أم تحظر رحمتي على عبدي، اذهب إلى الجنة– أي المذنب- وقال للآخر اذهبوا به إلى النار".

بل ينبؤنا هذا أيضًا بالمناهج المعوجة التي اتبعها هؤلاء المتصدرون بغير حق والتي ابتعدوا فيها عن طريقة السلف الكرام، وتشبهوا بأفعال الخوارج والجماعات المتطرفة الذين شُغلوا بغيرهم عن أنفسهم، وما أقبح أن يشتغل الإنسان بغيره عن نفسه!.

إن هذه الكلمة وأمثالها بعدٌ عن سنن العلماء الراسخين الذين يقدِّرون للكلمة قدرها، ويعملون لها حسابًا، وينظرون إلى المآلات؛ خاصة في القضايا ذات الحساسية الدينية، فالعالم الحق وبخاصة علماء الأزهر الشريف يعملون على ترسيخ قيم العيش المشترك، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كتب وثيقة المدينة الخالدة التي جمعت عناصر أهل المدينة من المسلمين والمسيحيين واليهود في بوتقة مواطنة واحدة؛ نشرًا للسلام والأمن في المدينة المنورة. وعلماء المنهج الوسطى يسيرون على نفس الدرب، وليس من اللائق ولا من آداب الآديان أن يقول المسلم للمسيحي أنت في النار، ولا المسيحي للمسلم أنت في النار، فهل التراشق بتحديد المصائر من دعائم العيش المشترك، أو من تعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية، وأخذا بيد الوطن إلى الأمام؟! أو هو من إشعال الفتنة بحديث طائفي لا طائل من وراءه يرجى في الدين والمعاش، بل يحمل في طياته ما لا يحمد عقباه، وقد قال صلى الله عليه وسلم «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب».
* مستشار مفتي الجمهورية