رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب التركى فى سوريا



الحق هو ما قاله الكرملين: «لا نرى فيما يحدث فى إدلب نزاعًا بين أطراف، بل محاربة للإرهاب تقوم به القوات المسلحة السورية على أراضيها». وفى تلك التصريحات، كان ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، يجدد التأكيد على دعم العمليات العسكرية التى يشنها الجيش السورى فى محافظة إدلب السورية، مستبقًا جولة محادثات جديدة بين موسكو وأنقرة على المستويين العسكرى والدبلوماسى.
المناطق القليلة، التى لا تزال تتواجد فيها «هيئة تحرير الشام» وتنظيمات إرهابية أخرى، تمثل آخر معاقل للإرهابيين فى سوريا. ومنذ ديسمبر الماضى، تجرى معارك فى ريف إدلب الجنوبى والجنوبى الشرقى ثم فى ريف حلب الجنوبى الغربى، حيث يمر الطريق الدولى «إم ٥» الذى يصل مدينة حلب بالعاصمة دمشق، وصولًا إلى الحدود الجنوبية مع الأردن. وبالفعل، تمكن الجيش السورى من السيطرة على عشرات القرى والبلدات، أبرزها مدينتا معرة النعمان وسراقب، وصار على بعد نحو ٢ كلم من ارم الكبرى، ويفصله أقل من ٥ كلم عن الأتارب، أكبر بلدة يسيطر عليها الإرهابيون. وفى ختام «معارك عنيفة» فجر الجمعة، استعاد الجيش السورى الفوج ٤٦، القاعدة الواقعة على بعد ١٢ كلم غرب مدينة حلب.
قيل إن موسكو تدرس تقارير عن احتمال أن تكون تركيا قد زودت أطراف المعارضة بأسلحة نوعية مضادة للطائرات. فى حين أكدت تقارير نشرتها وسائل إعلام روسية أن أنظمة الدفاع الجوى الأمريكية، التى تستخدمها السفن التركية، صارت فى أيدى الإرهابيين، ما يفسر إسقاط مروحيتين تابعتين للجيش السورى خلال الأيام الماضية. وهناك تأكيدات على أن تركيا سلمت أسلحة ومعدات عسكرية، من بينها صواريخ دفاع جوى، إلى «جبهة النصرة»، التابعة لتنظيم القاعدة، والتى تطلق على نفسها الآن اسم «هيئة تحرير الشام».
العلاقات الوثيقة التى ربطت التنظيمات الإرهابية بتركيا، قطر، و... و... الإسرائيليين، ستجد ما يؤكدها، فى اعترافات الإرهابيين أنفسهم. وفى تصريحات، أو اعترافات، حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، وزير خارجيتها السابق، الذى قال بمنتهى الوضوح، أواخر أكتوبر ٢٠١٧، على شاشة تليفزيون قطر الرسمى، إن إمارته دعمت جماعات إرهابية فى سوريا، عبر تركيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وأطراف أخرى. وما قد يثير اشمئزازك هو أنه لم يجد حرجًا فى أن يقول: «تهاوشنا على الصيدة، وفلتت الصيدة واحنا قاعدين نتهاوش عليها».
الجيش السورى يواصل تقدمه. وطبقًا لما ذكره يورى بورينكوف، مدير مركز حميميم، التابع لوزارة الدفاع الروسية، فإن عمليات القوات المسلحة السورية «حملت طابعًا اضطراريًا، بسبب فشل الجانب التركى فى تنفيذ البنود ذات الصلة فى مذكرة سوتشى حول إقامة المنطقة منزوعة السلاح على طول حدود منطقة إدلب لخفض التصعيد». وشدّد على أن العملية «سمحت بإنهاء هجمات الإرهابيين، ووضع حد لسقوط ضحايا من المدنيين».
مع كل ذلك، لا يزال التعاون الهش بين أنقرة وموسكو، قائمًا. وبعد تبادل الاتهامات بانتهاك اتفاقية أو مذكرة سوتشى، المبرمة فى ديسمبر ٢٠١٨، زار وفد روسى من وزارتى الدفاع والخارجية أنقرة، وتم وضع جدول أعمال لاتصالات جديدة. كما أكدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الدفاع الروسية، أن بلادها «مصممة على مواصلة العمل المشترك». ومنذ ساعات اجتمع، سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، مع نظيره التركى، مولود جاويش أوغلو، فى ألمانيا، على هامش مشاركتهما فى مؤتمر ميونخ للأمن. وعقب الاجتماع، قال الأخير، بصيغة أقرب إلى التهديد، إن «الخلافات حول سوريا ينبغى ألا تؤثر على علاقات أنقرة بموسكو، أو تعرقل صفقة شراء تركيا لمنظومة إس-٤٠٠ الصاروخية الروسية».
دون توقف، يواصل الجيش التركى إرسال تعزيزات إلى إدلب. وقام بحشد أكثر من ٧٠ دبابة ونحو ٢٠٠ مدرعة و٨٠ مدفعًا. بل وصلت بجاحة الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، حد إمهال الجيش السورى حتى نهاية فبراير للانسحاب من المواقع التى سيطر عليها. غير أن مفوضية الأمم المتحدة «السامية» لحقوق الإنسان، تعامت عن ذلك، وزعمت أن ما وصفته بـ«هجوم النظام السورى المدعوم من روسيا على آخر معقل رئيسى لفصائل المعارضة» دفع أكثر من ٨٠٠ ألف شخص للنزوح منذ ١ ديسمبر الماضى إلى ١٢ فبراير الجارى. ولم تفت المفوضية الإشارة إلى أن ٦٠٪ من هؤلاء النازحين أطفال!.
واضح، إذن، أن جرائم تركيا وانتهاكاتها للقانون الدولى، وللقرارات الأممية، لا يلتقطها رادار المفوضية «السامية». بالضبط كما لا يلتقطها رادار مجلس الأمن، الذى تعامى عن جرائم الحرب التى ارتكبتها ضد المدنيين فى سوريا، وعن تحالفها مع الميليشيات الإرهابية هناك. كما تعامى المجلس والمفوضية أيضًا عن قيام النظام التركى بفتح مراكز تدريب فى مناطق سورية تحت سيطرته، لتجنيد وتجميع المرتزقة، ثم إرسالهم إلى الأراضى الليبية.