رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبداللهيان.. سليمانى.. والإخوان



مرة جديدة نعود إلى وثائق المخابرات الإيرانية، التى تسربت إلى موقع «ذا إنترسبت»، The Intercept، الأمريكى، ونشر بعضها بالتزامن مع جريدة نيويورك تايمز، فى نوفمبر الماضى، وكشفت عن اجتماع عقده عدد من قادة جماعة الإخوان، فى تركيا، مع مسئولين بارزين فى «فيلق القدس»، التابع للحرس الثورى الإيرانى، فى أبريل ٢٠١٤، للتنسيق ووضع إطار للتعاون بينهما. وسبب عودتنا لتلك الوثائق هو أن «أبوحسين» الذى شارك فى الاجتماع بديلًا لقاسم سليمانى، تطوع، يوم الأحد، بالإفصاح عن نفسه!.
ما كشفته الوثائق لم يكن جديدًا، ورأينا أنه مجرد «تنسيق إرهابى غير مفاجئ»، وتحت هذا العنوان كتبنا أن
نا لم نفاجأ بانعقاد ذلك الاجتماع فى تركيا، أو بوجود هذا التنسيق بين الجماعة والفيلق، لأن الدولتين، تركيا وإيران، بالإضافة إلى دويلة قطر، هى أبرز رعاة للإرهاب. أما ما أدهشنا وأضحكنا فكان إشارة إحدى البرقيات المسربة إلى أن تركيا رفضت منح تأشيرة دخول لقاسم سليمانى، حرصًا على المظاهر الإجرائية، وتجنبًا للحرج الداخلى ولفت الأنظار الخارجية. وعليه، لم يشارك سليمانى فى الاجتماع، كما كان مقررًا، وأوكل رئاسة وفد الفيلق إلى أحد نوابه، الذى اتضح أنه أمير حسين عبداللهيان، نائب وزير الخارجية لشئون الدول العربية والإفريقية، وقتها، ويعمل حاليًا مساعدًا لرئيس مجلس الشورى (البرلمان)، على لاريجانى، للشئون الخارجية.
قاسم سليمانى، الذى قامت الولايات المتحدة، فى ٣ يناير الماضى بتصفيته مع عدد من أتباعه وعملائه، فى غارة جوية قرب مطار بغداد، كان المسئول الإيرانى الأول أو الأكبر عن العمليات العسكرية والمخابراتية الخارجية، وكان يوصف بأنه رأس حربة إيران فى المنطقة العربية، والثابت أنه ظل لسنوات طويلة، يعيث فسادًا وإجرامًا فى العراق، سوريا، اليمن و... و... وغيرها. وعليه سنعتبرها نكتة حين نراهم يتحدثون عن «دور قاسم سليمانى فى أمن واستقرار المنطقة والعالم»، وكان هذا هو العنوان، الذى اختارته «حديقة الكتب» فى العاصمة الإيرانية طهران، لجلسة حوارية، أقيمت يوم الأحد الماضى، وكان «عبداللهيان»، أبرز المشاركين فيها.
رسميًا، زار محمد مرسى العياط طهران فى أغسطس ٢٠١٢، لحضور قمة «دول عدم الانحياز». وفى فبراير ٢٠١٣ رد الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد الزيارة، للمشاركة فى القمة الإسلامية. أما شعبيًا، فكانت «مليطة». وفى كلمته، تحدث عبداللهيان عن زيارة قام بها إلى مصر، سنة ٢٠١٢، التقى خلالها العياط بعد انتخابه رئيسًا. وقال إنه جرى الاتفاق خلال اللقاء على أن تزور «الحلقة المقربة من مرسى» إيران. وأضاف أن الوفد المصرى عندما زار طهران طلب لقاء قاسم سليمانى ولو لخمس دقائق، لأن مرسى طلب منهم ذلك، ولأنه «يدعم الثوار»، وأنه من الجيد جدًا، بالنسبة لهم، أن يقولوا فى مصر إنهم التقوا الجنرال سليمانى.
عبداللهيان أبلغ سليمانى برغبة الوفد الإخوانى، فوعده الأخير بالاستجابة لها، لو كانت المباحثات معهم إيجابية. وطبقًا لما ذكره عبداللهيان، فقد تحقق ذلك وحدث اللقاء، وأن سليمانى وجه لهم خلاله بعض النصائح، لكنهم لم يعملوا بها. وهنا، أشار عبداللهيان إلى أنه التقى بعض أعضاء ذلك الوفد بعد عزل مرسى واعترفوا له بأنهم لو كانوا قد اتبعوا نصائح سليمانى لاستمروا فى حكم مصر. ما يعنى بوضوح أن هذا اللقاء، الذى جمع عبداللهيان وبعض أعضاء «الحلقة المقربة من مرسى»، كان هو نفسه اجتماع تركيا الذى تحدثت عنه وثائق المخابرات الإيرانية!.
سبق أن أشرنا إلى تعاون سليمانى مع الولايات المتحدة حين غزت أفغانستان، فى ٢٠٠١، وإلى الدور المحورى الذى لعبه فى الاحتلال الأمريكى للعراق، سنة ٢٠٠٣، والذى تعاون خلاله، كما كشفت وثائق نشرها موقع «ويكيلكس»، مع الجنرال ديفيد بتريوس، قائد الفرقة ١٠١ المحمولة جوًا، الذى صار قائدًا للقوات الأمريكية فى العراق. أما الجديد الذى أضافه عبداللهيان، فهو تأكيده أن «سليمانى» أشرف على الاجتماعات الأمريكية العراقية الإيرانية المشتركة، فى العراق، خلال العقد الماضى، وأنه «حمل على عاتقه إدارة كل مراحل المفاوضات». وبالنص قال: «كان يخصص ١٠٠ ساعة معنا لكل ثلاث ساعات من المفاوضات». وبتلك القصة، أكد عبداللهيان أن سليمانى «كان يؤمن بأهمية العمل الدبلوماسى».
بتلك القصة أكد عبداللهيان، أيضًا، أن وزير الخارجية، أو حتى رئيس الجمهورية، ليس لهما أى صلاحيات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية، وأن «السياسة الخارجية، بل حتى السياسة الداخلية وجميع قرارات البلاد يتخذها المرشد والحرس الثورى وأجهزة المخابرات»، وما بين التنصيص ننقله عن الدبلوماسى الإيرانى السابق، عادل الأسدى، الذى كان مستشارًا لوزير الخارجية الأسبق، على أكبر ولايتى، وسفيرًا لإيران فى البرتغال، كما كان القنصل العام لإيران فى دبى، قبل أن ينشق، سنة ٢٠٠٧، ويطلب اللجوء السياسى فى السويد.