«الجوكر» قصة ثورة بدأت بقناع (صور)
بسمات ضاحكة، وجه ملطخ بالأبيض والأخضر والأحمر، قد تظن أنه وجه مهرج يُدخل البهجة والسرور على نفوس مشاهديه، بملابس رثة يغلب عليها ألوانًا مفعمة بالحيوية، وحذاء يكبر قدميه، لكن كل تلك الدلالات التي توحي لك بأنه مهرج الضحك الذي تجده في عروض السيرك والعروض المضحكة بشكل عام لهو اعتقاد خاطئ منك، فهذا القناع يخفي ورائه رمزًا اتخذه البعض وسيلة للثورة على النظام الحاكم المجحف لحقوق أبنائه.
«الجوكر» هو الوجه الذي ظهر مؤخرًا في الثورات التي انطلقت في عديد من البلاد كتعبير عن رفضهم للأنظمة القائمة، باعتبارها هادرة لحقوقهم، وظهر أيضًا في سلسلة من أفلام "باتمان" لكن كان هو الشخصية الشريرة المسيطرة على المشهد، إلا أن فيلم "الجوكر" الأخير للممثل الأمريكي خواكين فينيكس، كان هو رمز الثورة على السلطة.
لكن كيف انتقل تأثير "الجوكر" إلى أرض الواقع، هذا السؤال وجهناه لعدد من المتخصصين، الذين وضعوا رؤية نقدية وتحليلية لهذه المشاهد؛ فتقول الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس، أن التحولات الاجتماعية قد تتأثر بالفن، فكل التحولات الاجتماعية نتيجة فيلم أو فن عبارة عن قصة تبشر بتغيير اجتماعي، أو إرهاص لمواقف قادمة، فمثلًا أفلام مثل قصر الشوق والقاهرة 30 بشّرت بتغيير اجتماعي.
وأوضحت خلال حديثها مع "الدستور"، أن الإنتاج الفني قد يمثل اتجاه عام وتظهر على أساسه من خلال قصة الفيلم المعروض، ففي الستينات ظهرت أفلام تشجع على التحولات الاجتماعية التي تركتها ثورة 23 يوليو، لذا فالنتيجة أن الفن يشير إلى التحولات الاجتماعية أو يمثل اتجاه عام يريد أن يظهر.
الفيلم يدور حول شاب يلقَ معاملة جافة من قبل المحيطين به ويسخرون منه، ومع محاولاته للنجاح في أن يكون ممثلًا كوميديًا يواجه فشلًا ذريعًا في كل مرة، والسخرية كانت من مرضه النفسي الذي يجعله يضحك بشكل هستيري في غير المواضع الصحيحة للضحك، وحاول العلاج نفسيًا من خلال مؤسسة أهلية، إلا أنه تم الإعلان عن إغلاقها من قبل الحكومة، بالتالي ضاعت وسيلته في الحصول على جساته النفسية والعلاجات المجانية التي كان يلقاها، وهذا وسط مرض والدته التي كان يحاول قدر الإمكان مساعدتها وعلاجها.
المشهد الذي قلب موازين "الجوكر" رأسًا على عقب كان حينما تواجد في القطار رفقة 3 شباب من الأثرياء، حاولوا التحرش بفتاة إلا أنها نجحت في النجاة بنفسها والنزول في المحطة التالية، فما كان منه إلا أن تتابعت ضحكاته الهستيرية رغم خوفه ورغبته في البكاء، فانهال عليه الشباب الثلاثة بالضرب حتى أخرج مسدسًا حيًا –حصل عليه من أحد زملائه في العمل أراد طرده فلفّق له تهمة حيازة مسدس- وأسقطهم أرضًا.
بعدوصف مشاهد الفيلم، يمكنك الرجوع بذاكرتك إلى أحداث أي ثورة؛ تجد أن هناك سبب لقيامها وشخص سر اندلاعها، مثل "بورقيبة" في اندلاع ثورة تونس؛ وعن ذلك يحدثنا الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، الذي أكد أن تأثير الأفلام على نفسية المشاهدين لها تأثير تراكمي وتدريجي، فالأفلام من نوعية "الجوكر" تحطم وهم أن النظام القائم مبني على أساس العدل، وأن أجهزة الدولة تخدم الطبقة الحاكمة لا الشعب.
وضرب المثل بأفلام مثل "هي فوضى"، "طار فوق عش الوقواق" بأنها أفلام تهاجم وتفضح السلطة والفساد، مشيرًا، في حديثه مع "الدستور"، إلى أن هذه النوعية من الأفلام تفضح الفساد وتنشر الشعور بتحدي النظام القائم وعدم شرعيته، مؤكدًا أن تأثير تلك الأفلام بطئ لأن مشاهديها قلة، والفئة الأكبر تكون من الشباب والنشطاء السياسيين، حيث أن تلك الأفلام فقط تؤكد الآراء والمواقف المسبقة لمن يشاهدها، فالثوري يسعى لمشاهدة أفلام ثورية تؤكد صحة موقفه.
ولفت إلى أن تلك النوعية من الأفلام هي خليط من التجارة والايدلوجيا؛ فمنتج الفيلم يريد أموال ويرى أن هناك جمهور يطلب هذا النوع، كما أن بعض المخرجين لهم اتجاهات سياسية يضعوها في تلك الأفلام، فتكون أفلام ناجحة تجارية ومؤثرة سياسيًا.
ومن الناحية السينمائية، علّقت علا الشافعي، الناقدة السينمائية، أن هناك علاقة وثيقة بين الحالة النفسية والأفلام أو المسلسلات، فالسينما قادرة على اللعب على حالتنا المعنوية سواء رفعها أو تعرضها لنوبات اكتئاب شديدة في حالة التأثر الشديد بالأبطال والأحداث.
بحسب أحدث الإيرادات المعلنة عن "الجوكر"، فقد حقق ما يقرب من 1.063 بليون دولار، منذ عرضه في بدايات أكتوبر 2019.