رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوارات البوكر «2»

خليل الرز: لا أحب أن أكون مناضلًا.. أنا روائى يحب مهنته

جريدة الدستور

شدد على أن هناك أعمالًا مهمة لم تحظ بما تستحقه من انتشار واهتمام
أحرص فى ترجماتى على إرضاء ذائقتى الخاصة وأراها فرصة للتعلم فى ورشة الآخر

خليل الرز روائى ومترجم سورى ولد بمدينة الرقة عام ١٩٥٦، درس اللغة العربية فى جامعة حلب، وتخرج فيها فى ١٩٨٠، سافر إلى موسكو عام ١٩٨٤، وأقام فيها حتى ١٩٩٣، وهناك درس اللغة الروسية ثم عمل فى إذاعة موسكو، وعمل منذ ١٩٩٦ فى مديرية التأليف والترجمة فى وزارة الثقافة السورية. أصدر عدة روايات منها «بالتساوى» و«البدل» و«أين تقع صفد يا يوسف؟» و«سولاويسى» و«يوم آخر» و«سلمون إرلندى».. ومؤخرًا وصلت روايته «الحى الروسى» إلى القائمة الطويلة من الجائزة العالمية للرواية «البوكر العربية» ٢٠٢٠. التقته «الدستور» للحديث عن الكتابة والأدب والجوائز والترجمة وغيرها من القضايا.

■ اللا معقول هو المنطق الداخلى وشفرة المرور فى «الحى الروسى».. هل اخترت هذا الخلط الفنى الدال كأنسب تعبير عن المرحلة السورية الراهنة؟
- لا أعتقد أن رواية «الحى الروسى» محكومة باللا معقول. فيها الكثير من مهارات السرد الحديثة التى يمكن أن تلتبس فيها الواقعية باللا معقول، إضافة إلى تقنيات فنون أخرى كالمسرح بأساليبه المختلفة والسينما والفن التشكيلى.
أما المرحلة السورية الراهنة فهى ليست أكثر من موضوع بالنسبة لى ككاتب، أعنى لا أكثر من مادة خام للكتابة. أنا لست مناضلًا ولا أحب أن أكون، أنا روائى يحب مهنته ويخدمها، ولذلك لا أبالغ بأهمية المواضيع التى أتطرق إليها. هذا لا يعنى طبعًا أننى لا أهتم بما يحدث فى بلدى، ولكن اهتمامى الأكيد هذا لا علاقة له بأساليب السرد.
■ يبدو أن هناك ملامح فنية من «البدل» ترسّبت فى «الحى الروسى» مثل خلط الأماكن وحضور بعض الشخوص.. هل هذه تقنية ما بعد حداثية تسم مشروعك ككل أو على الأقل الطور الحالى من أطوار الكاتب؟
- ما تسميه خلط الأماكن هو مكان روائى مفترض تجتمع فيه شوارع وأحياء من مدن واقعية مختلفة. المكان فى شغلى الروائى أداة تعبير وليس موضوعًا للاحتفاء أو الحنين ولذلك أعرّيه أحيانًا من ميزاته الدارجة وروائحه المسبقة، أو أجرى عليها التعديلات لكى تخدم اللحظة الروائية هنا أو هناك.
المكان عندى ليس ثابتًا ولا مقدسًا، إنه كالشخصيات والوصف وبناء الجمل وحركة الإيقاع فى الرواية، ومن ثم فهو مكان شرطى مرن تبعًا لمقاصد الرواية الفنية.
أنا أعمل على هكذا مكان منذ رواية «أين تقع صفد يا يوسف؟» ثم فى روايتى «بالتساوى» و«البدل» وأخيرًا فى «الحى الروسى».
أما وجود بعض الشخصيات فى هذه الرواية وتلك، فهذا يتكرر عندى أحيانًا فى روايات مستقلة وفى سياقات مختلفة تمامًا، وهى لعبة معروفة على كل حال فى الرواية العالمية، عند وليم فوكنر مثلًا.
■ عاينت وجهين لروسيا، وجهًا ثقافيًا كمترجم وعارف بالمنتج الفنى الروسى.. ووجهًا آخر فيه طائرات وقذائف وقتلى.. هل كان لهذا تأثير عليك وهل تفصل بين البعدين، وكيف ترى الحضور الروسى- ثقافيًا وسياسيًا- فى المشهد السورى؟
- أيًا كان موقفى من الحضور الروسى الرسمى السياسى والعسكرى فى المشهد السورى، فإن ذلك لا يمكن أن يؤثر مطلقًا على موقفى من أدب روسيا العظيم أو من الشعب الروسى الذى عشت معه سنوات عديدة.
أعتقد أن المشهد الروائى العالمى لا يستقيم أبدًا دون وجود وفضل الرواية الروسية عليه. وقد كان لأساتذة روس كبار أثر على تجربتى الروائية مثل تورغينيف ودوستويفسكى وغونتشاروف وغارشن وتشيخوف وأندرييف ونابوكوف، لا يقل أبدًا عن الأثر الذى تركه ويتركه أساتذة آخرون أوروبيون وأمريكان.
■ وصلت روايتك للقائمة الطويلة من البوكر العربية.. كيف ترى وقع الجائزة على المبدع، وهل نستطيع القول إن الجوائز معيار صادق ومرجعية موثوقة لتقييم أى منتج فنى أو أدبى؟
- تبعًا للخبرة العربية على الأقل، تبدو الجوائز ضرورية لتسليط الضوء على الأعمال الأدبية، لكنى لا أشك أبدًا بأن هنالك أعمالًا مهمة لم تنل أى جائزة.
وما يدعو للأسف حقًا أن غير القليل من هذه الأعمال لم تحظ بما تستحقه من الضوء والاهتمام، وربما لم يُتح لها أصلًا أن ترشح للجوائز لهذا السبب أو ذاك. ومن هنا فالجائزة ليست معيارًا للتقييم بقدر ما هى عامل مهم لانتشار بعض الأعمال المميزة.
■ وصف أحد الروائيين، الذى يعمل أيضًا بالترجمة، الترجمة بأنها «التبرّع بدم الكتابة للغرابة».. فهل تتفق مع ذلك بصفتك ترجمت عدة كتب عن الروسية؟
- لا أترجم كثيرًا، ولعلى لا أميل إلى الترجمة، غير أننى حين أترجم أختار ما يرضى ذائقتى ككاتب، ثم أبذل ما بوسعى من المعرفة والجهد لكى يخرج النص المترجم أقرب ما يكون إلى الأصل.
من ناحية أخرى، أرى أن الترجمة قد تكون ضرورية حقًا لأى كاتب، لأنك حين تترجم نصًا تُتاح لك فرصة ثمينة جدًا لأن تلمس بيديك تفاصيل مهاراته الخفية التى يمكن أن تفوتك إذا اكتفيت بقراءته فقط.
الترجمة بهذا المعنى وسيلة مهمة لأن تشحذ أصابعك أنت ككاتب محترف، وتتعلم المزيد فى ورشة المؤلف الآخر وكواليس نصه.
■ لك مسرحية وحيدة.. هل هجرت هذا اللون الأدبى؟
- أحب المسرح كثيرًا. وقد عملت فترة من الزمن ممثلًا ومخرجًا. وفى رواياتى كلها هناك حضور ملموس للمسرح، بالحوار أو بالمونولوج، أو فى مشهدية المقطع.
لا أستطيع أن أقول إننى هجرت المسرح. المسرح جزء من تكوينى الروحى والمعرفى. وقد أتاحت لى الرواية أن أتابع شغفى المسرحى فيها. فهى فن مذهل فى استيعاب الفنون الأخرى وانتحال أدواتها.
■ أين أنت من القصة القصيرة، أم أنها لا تخدم أفكارك؟
- أولى كتاباتى كانت قصصًا قصيرة. لا أريد أن أوازن بين القصة والرواية. هما فنّان متداخلان على كل حال، وقد ثبت، بخبرة الكتابة، أن أحدهما يلقى ظلاله على الآخر ويستعير من مهاراته دون أن يفقد مسوغات هذا الجوار الملتبس الحيوى. قد أعود يومًا ما إلى كتابة القصة القصيرة. أحيانًا أستلّ مقطعًا من رواياتى، وأعمل عليه من جديد ليكون قصة قصيرة إرضاءً ربما لميلى القديم إليها. وقد فعلت ذلك عدة مرات، ونشرت بعض هذه المحاولات.
■ كيف ترى المشهد السردى والروائى سوريًا وعربيًا؟
- متنوع. هناك أساليب مختلفة فى الكتابة قديمة وجديدة، وتجارب مميزة هنا وهناك. وما يلاحظ فى السنوات العشرين الأخيرة انفتاح هذه التجارب أكثر فأكثر على التجارب السردية العالمية، وغياب العيوب الإنشائية تدريجيًا من متون هذه النصوص، وكذا التخلّص النسبى من أعباء الأيديولوجيا ورصف الكلام الحماسى البائت، ثم الرهان على الكتابة باعتبارها فنًا بالدرجة الأولى، لأن المعنى فى النهاية هو تحصيل حاصل راسخ فى كل الحوادث والأشياء التى تعالجها فى مختبرك الفنى.
■ متى ينشر خليل الرز أعماله فى مصر؟
- سبق لى أن نشرت رواية «البدل» فى مركز المحروسة للنشر. ويسعدنى جدًا أن تصل تجربتى الروائية إلى القارئ المصرى والناقد المصرى بغض النظر عن المكان الذى ينشرها.