رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتدى أسوان.. خطوة بعد خطوات



فى جسر مصر الجنوبى إلى قارتها الإفريقية، انعقدت الدورة الأولى لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات الأفارقة وممثلى منظمات دولية وإقليمية، لبحث سبل مواجهة التحديات التى تشهدها دول القارة، ولإيجاد حلول إفريقية «خالصة» لمشكلات دول القارة.
تعبيرًا عن ملكية أبناء القارة مصيرهم، وتجسيدًا لريادتهم فيما يتعلق بالشأن الإفريقى، جاء المنتدى إفريقيًا فى كل تفاصيله: الفكرة، الإعداد، التنظيم، برنامج العمل والجلسات، استنادًا إلى المبدأ الإفريقى الراسخ «الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية»، الذى تراه مصر ضمانة رئيسية لأن يتصدى المنتدى للمشكلات التى تواجه القارة وأن يطرح لها الحلول، وأن يبرز الفرص القائمة، ويضع الخطط للاستفادة منها، ويجعل الانفتاح على التعاون مع الشركاء الدوليين قائمًا على أساس تحقيق المنفعة المتبادلة والمكاسب المشتركة.
رئيس النيجر، كان بين المشاركين فى المنتدى، لكنه غادر أسوان عائدًا إلى بلاده، إثر الهجوم الدامى الذى استهدف، الأربعاء، معسكرًا للجيش غرب البلاد، أسفر عن مقتل ما يزيد على ٧٠ عسكريًا وإصابة آخرين. وقبل مغادرته التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى وأطلعه على التحديات الأمنية المتزايدة التى يفرضها الوضع فى إقليم الساحل بسبب انتشار الجماعات الإرهابية المدعومة من الخارج. واتفق الرئيسان على مواصلة التشاور والتنسيق المشترك على المستوى الإفريقى وفى إطار المحافل والمنظمات الدولية، وتعظيم التعاون الأمنى لمكافحة تحدى الإرهاب والفكر المتطرف.
النيجر، هى بوابة دول شمال إفريقيا إلى الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. يحدها من الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب بوركينا فاسو ومالى، وتشاد من جهة الشرق، وفى شمالها ليبيا والجزائر. وفى كل تلك الدول صحارٍ شاسعة تتخذها الجماعات والتنظيمات الإرهابية ملاذًا آمنًا لعناصرها بعد هزيمتها فى سوريا والعراق، واقتراب نهايتها فى ليبيا. ولم يعد سرًا أن لكل تلك الجماعات والتنظيمات دولًا تدعمها، بالمال والسلاح والتدريب، لكى تستخدمها فى تحقيق مصالحها. والأطرش وحده، هو من لا يعرف أن غالبية الجماعات والتنظيمات والحركات الإرهابية، تنطق بلسان تركى، قطرى وإسرائيلى، زاعق وناعق.
هذه الدول، لم تعد أسماؤها تخفى على أحد. وهناك مئات الأدلة على دعمها التنظيمات الإرهابية، التى تنشط فى العديد من دول القارة، بدءًا من الإخوان، القاعدة، «داعش»، «حركة الشباب»، «بوكو حرام»، و.. و... وإجمالًا، يمكننا التأكيد أن تلك الدول عرقلت، ولا تزال، كل الجهود الدولية لإعادة بناء دول القارة، بعد عقود من صراعات دموية، فككتها طائفيًا وقبليًا. ولم يعد خافيًا أن دويلة قطر، مثلًا، قامت بتحويل عدد من دول القارة إلى جبهات فى صراعها مع الدول الرافضة لسياساتها التخريبية، ولتخفيف وطأة المقاطعة المفروضة عليها منذ منتصف ٢٠١٧، من جانب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب: مصر، الإمارات، السعودية، والبحرين.
السلام، الأمن، التنمية، والرفاهية حقوق إنسانية، يحق لشعوب قارة إفريقيا أن تنعم بها كباقى شعوب دول العالم. لكن بكل أسف تحولت محاربة الإرهاب فى القارة السمراء إلى حرب نفوذ شرسة بين قوى دولية عديدة لا يعنيها القضاء على التنظيمات الإرهابية، بقدر ما تعنيها السيطرة على تلك المنطقة واقتسام ثرواتها. ومما يؤسف، أن دول الساحل، مثلًا، لا تزال تعانى نقصًا حادًا فى أنظمة الدفاع والأمن، وتعجز عن توفير أقل من نصف مليار دولار، لتزويد قواتها بالأسلحة والتجهيزات اللازمة لمكافحة الإرهاب، مع أن تلك الدول غنية بالنفط، اليورانيوم، الذهب و... و... وغيرها.
منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، خطوة بعد خطوات عديدة قطعتها مصر منذ رئاستها الحالية الاتحاد الإفريقى، فى فبراير الماضى، التى حققت خلالها نتائج ملموسة تعكس تطلعات أجندة الاتحاد الإفريقى للتنمية ٢٠٦٣، فى قطاعات التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والسلم والأمن الإفريقى، ومد جسور التواصل الثقافى والحضارى والتعاون مع الشركاء الدوليين. وكذا إطلاق مبادرة «إسكات البنادق» التى تهدف إلى إنهاء الحروب والنزاعات فى دول القارة بحلول سنة ٢٠٢٠. وليس هناك أدنى شك فى أن اهتمام مصر بقضايا قارتها الإفريقية لن يتوقف بعد انتهاء رئاستها الاتحاد.
أخيرًا، ومهما كان الوضع القائم مقلقًا، ومهما كانت صعوبة التحديات، فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله. وقطعًا سنتمكن من حماية دولنا ومجتمعاتنا من الإرهاب وما يرتبط به من ظواهر، كتهريب وانتشار السلاح وتعاظم الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية. ومع استضافة مصر مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاعات، سنتمكن من إعادة إحياء وتفعيل سياسة قارتنا الإفريقية الإطارية بهذا الشأن، وسنترجم تلك السياسات إلى خطط تنفيذية تحصّن الدول الخارجة من النزاعات ضد أخطار الانتكاس، وتحمى حقوقها فى ملكية مسار إعادة الإعمار والتنمية.