رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموساد وتاجر الجنس الأمريكى



تحت عنوان «من قتل جيفرى إيبستين؟» راهنتك، فى ١١ أغسطس الماضى، على أغلى حاجة عندك، أنك ستشاهد فيلمًا بهذا العنوان، بين عدة أفلام أمريكية، سيتم إنتاجها خلال السنوات القادمة عن تاجر الجنس «جيفرى إيبستين»، الذى أعلن المكتب الاتحادى الأمريكى للسجون، العثور عليه ميتًا فى زنزانته بمركز «متروبوليتان»، انتظارًا لمحاكمته منتصف العام القادم.
الفيلم الأول لم يبدأ إنتاجه بعد. لكن كتابًا صدر، الثلاثاء الماضى، يؤكد أن إيبستين، ومديرة أعماله جيسلاين ماكسويل، كانا يعملان لحساب جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد»، وأنهما استدرجا سياسيين ورجال أعمال بارزين لممارسة الجنس مع فتيات قاصرات، لتصويرهم وابتزازهم. ونقل الكتاب عن عدد من ضحايا إيبستين وعن آخرين، أن منازله كانت مزودة بكاميرات، وأنه كان يحتفظ بأشرطة فيديو لسياسيين ورجال أعمال فى مكان آمن.
الكتاب عنوانه «إيبستين: الموتى لا يروون الحكايات»، Epstein: Dead Men Tell No Tales، ومؤلفه ديلان هوارد، هو نائب مدير شركة «أمريكان ميديا»، ويشرف على العديد من الإصدارات أبرزها ناشيونال إكزامينر، ستار، ناشيونال إنكويرر وجلوب. وشاركه فى تأليف الكتاب ميليسا كرونين وجيمس روبرتسون، اللذان عملا، طبقًا لمقدمة الكتاب، لمدة ثمانى سنوات على كشف «هذه المؤامرة الدولية التى لم يسبق لها مثيل».
بيزنس، جنس، وسياسة.. اتهامات، تواطؤ، وإفلات من الملاحقة.. إعادة فتح القضية، احتجاز، اتهامات وفضائح جديدة، وانتحار. وفى الكتاب، يضيف هوارد الموساد إلى تلك الخلطة، ويؤكد أن روبرت ماكسويل، والد جيسلان، هو الذى قام بتجنيد إيبستين. وينقل عن مارتين ديلون مؤلف كتاب «اغتيال روبرت ماكسويل: أعظم جواسيس إسرائيل» أن «الكثير من السياسيين كانوا يتنقلون بطائرات إيبستين، وكانت علاقاتهم به جيدة جدًا. وقد دفع هذا الأمر الموساد لقبول تجنيده، لأنه سيتمكن من إعطائهم المعلومات اللازمة عن جميع هؤلاء السياسيين».
روبرت ماكسويل، والد مدير أعمال إيبستين، هو أحد أباطرة الصحافة البريطانية، وكان يملك صحفًا فى ثلاث عشرة دولة، والمنافس الأشرس لروبرت ميردوخ، ولا يزال الغموض يحيط بملابسات وفاته، فى نوفمبر ١٩٩١. ومع أن هناك من يتهمون الموساد باغتياله إلا أن الإسرائيليين أقاموا له جنازة دولة حضرها رئيس الوزراء إسحق شامير والرئيس حاييم هيرتزوج. وعن آرى بن ميناشى، الجاسوس الإسرائيلى السابق قال إنه كان يتولى تدريب روبرت ماكسويل، نقل الكتاب أن الأخير «قدم إيبستين إلى الموساد ضمن مجموعة تجسس كبيرة». كما نقل، أيضًا، عن رجال مخابرات أمريكيين وإسرائيليين، أن إيبستين وجيسلاين قاما باستدراج شخصيات سياسية لممارسة الجنس مع قاصرات، وإعطاء الفيديوهات للمخابرات الإسرائيلية لاستخدامها فى ابتزازهم.
هنا، تكون الإشارة مهمة، مهمة جدًا، إلى إيبستين ربطته صداقات وعلاقات وثيقة بعدد من كبار السياسيين فى العديد من دول العالم، بدءًا من الرئيسين الأمريكيين الحالى والأسبق، دونالد ترامب وبيل كلينتون، مرورًا بالأمير أندرو، نجل إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، وليس انتهاءً بإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، الذى كان شريكًا له فى شركة تكنولوجية. ومؤخرًا، تم تسريب صورة لباراك وهو يدخل متخفيًا إلى أحد المنازل المملوكة لإيبستين. وذكرت تقارير أن الأخير كان عضوًا، فى مجلس أمناء مؤسسة «فكسنر»، سنة ٢٠٠٤، حين منحت باراك نحو ٢.٥ مليون دولار، بزعم أنها مقابل «خدمات استشارية وبحثية». وهذه المؤسسة أنشأها «ليس فكسنر»، صاحب شركة «L Brands»، المالكة لـ«Victoria’s Secret»، أكبر سلسلة محلات متخصصة فى بيع الملابس الداخلية.
السؤال الآن: هل قتل الموساد جيفرى إيبستين أو شارك فى اغتياله؟!
النتائج الرسمية الأولية للتحقيق الذى أجراه مكتب الطب الشرعى فى المدينة حول كيفية وفاته، زعمت أن إيبستين شنق نفسه باستخدام غطاء سرير، الأمر الذى نفاه الدكتور مايكل بادن، الطبيب الشرعى الخاص الذى استعان به شقيق إيبستين، إذ أكد أن جيفرى «تم قتله ولم ينتحر»، مستشهدًا بأن «الكسور فى عظام الرقبة غير معتادة بالنسبة للشنق الانتحارى». وما يشكك فى رواية الانتحار، أيضًا، أن المذكور كان محتجزًا تحت «رقابة خاصة» فى «وحدة خاصة» بمركز «متروبوليتان»، الأكثر أمنًا، الذى يقوم فيه اثنان من الحراس، أو المفترض أن يقوما، بإلقاء نظرة فاحصة على السجناء كل ٣٠ دقيقة، تقل إلى ١٥ دقيقة، لو كانوا خاضعين لرقابة خاصة.
الموتى لا يروون الحكايات، لكن هناك أحياء يفعلون ذلك. وكنا فى المقال السابق «من قتل جيفرى إيبستين؟» قد أشرنا إلى أن الرواية المتداولة عن وفاة الرجل منتحرًا، لا تليق بتاريخه الإجرامى الممتد لأكثر من ربع قرن، أو بثروته التى تجاوزت نصف المليار دولار. وعليه ننتظر بعد كتاب ديلان هوارد، عشرات الكتب والأفلام، التى ستروى مزيدًا من الحكايات وتكشف كثيرًا من الفضائح.