رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الركود إلى النهوض «6»

محمد الباز يكتب: إنقاذ الإعلام من بيت الطاعة الإخوانى

جريدة الدستور

خيرت الشاطر حاول شراء قناة "النهار" لكن الصفقة فشلت فى منتصف الطريق لحسن حظ أصحابها
الجماعة الإرهابية حاولت السيطرة على الإعلام وساعدها فى ذلك من ينتمون إليها وكانوا يخفون انتماءاتهم
تدخل الدولة بعد ٣٠ يونيو كان ضروريًا لإنهاء حالة الفوضى ورغبة الإعلاميين فى تشكيل المشهد على هواهم
6 مليارات جنيه حجم الإنفاق على الإعلام خلال عامى 2011 و2012 وسط خسائر ضخمة للممولين



كان طبيعيًا أن يُصاب الإعلام المصرى بالسعار بعد إعلان مبارك تخليه عن منصبه فى ١١ فبراير ٢٠١١، أن يأتى على ذكر كل وأى شىء كان ممنوعًا أن يطرق بابه خلال العصر الذى كانوا يصدرونه لنا على أنه لم يُقصف فيه قلم، ولم تُغلق صحيفة، أن يفتح كل الملفات التى كانت محظورة، ويسلك الطرق التى لم تكن ممهدة.
يعتقد البعض أن الفترة التى أعقبت أيام ثورة ٢٥ يناير الأولى كانت الأكثر حرية فى تاريخ الإعلام الحديث، فقد قال الجميع ما أرادوا دون أن يحول بينهم وبين ذلك أحد، ورغم أن هذا قد يكون صحيحًا من زاوية الأداء المهنى العام، فإنه لم يكن كذلك أبدًا من حيث المعالجات التى غرقت فى بحر المبالغات، للدرجة التى يمكننى أن أقول فيها إن أكثر من ٩٠ بالمائة مما نشر عن عصر مبارك بعد أفوله لم يكن دقيقًا بما يكفى، وهو ما يجعلنى أصف حرية ما بعد يناير بأنها كانت مجرد «حرية بأثر رجعى».
لقد وقع الإعلام أسيرًا لحالة السيولة العامة التى عانت منها مصر كلها، وهو ما أنتج أداءات مهنية منفلتة كطبيعة كل شىء، وكان طبيعيًا أن تنتعش مهنة الإعلام خلال هذه الفترات، فقد دخلت مصر أموال كثيرة أراد أصحابها تطويع البلد الكبير لما يريدونه، وهى الأموال التى جعلت البعض يقول إن الإعلامى الذى لن يستطيع تكوين ثروة طائلة الآن، فلن يستطيع أن يفعل ذلك أبدًا، وهو ما حدث بالفعل، فقد كانت سنوات ما بعد يناير هى العصر الذهبى للإعلام وبعض الإعلاميين، ونتج عنها أصحاب ثروات غامضة ومجهولة.
ورغم أن الصحف والمواقع والقنوات التى كانت تشكل الخريطة الإعلامية فى مصر كانت معروفة للجميع بتوجهاتها ومصادر تمويلها وخطوطها السياسية والمهنية، فإن الثورة أعادت رسم الخريطة من جديد.
فعشيّة تخلى مبارك عن منصبه، انطلقت قناة «التحرير»، كما قال مؤسسوها أحمد أبوهيبة وإبراهيم عيسى ومحمد مراد، بمبادئ ثورة ٢٥ يناير لتعبر عن كل شباب الثورة، وبتعبيرهم أيضًا كانت قناة مستقلة، غير منتمية لأى تيار سياسى أو رجال أعمال.
لم يكن ما قاله أصحاب القناة صحيحًا، فالقناة لم تكن مستقلة عن أى تيار سياسى لأنها كانت تعبر عن شباب الثورة، بما يعنى أنها مقيدة بما أعلنوه من أفكار ومبادئ، وهم رغم تفرقهم كانوا يمثلون تيارًا سياسيًا تحول إلى ديكتاتورية جديدة لا يقبل أصحابها الخلاف معهم أو الاختلاف حول ما يريدونه، ثم إن رأسمالها لم يكن مستقلًا، فمن دفعوا لتأسيسها وتشغيلها، بمن فيهم إبراهيم عيسى الذى لم يدفع كثيرًا، كانوا فعليًا رجال أعمال قرروا أن يستثمروا أموالهم فى الإعلام.
عمل فى هذه القناة عدد من الإعلاميين الذين كانوا محسوبين على الثورة وبعض من كانوا نجومًا فى إعلام مبارك، فرأينا على شاشتها إبراهيم عيسى ومحمود سعد وبلال فضل، ووجدنا إلى جوارهم عمرو الليثى، وفى مراحل لاحقة عمل بها أحمد موسى ومحمد الغيطى.
وتشى الطريقة التى تفككت بها منظومة القناة الأولى أنها كانت مجرد سبوبة عمل بها أصحابها للحصول على عدة ملايين، وهو ما نجحوا فيه تمامًا، ولا يمكننى أن أعتمد على النميمة التى تحيط بالقناة، لأنها من ناحية نميمة، ومن ناحية أخرى مخجلة جدًا وكاشفة أيضًا.
على نفس الخط، أسَّس إبراهيم المعلم جريدة «التحرير» التى رأس إبراهيم عيسى تحريرها، وكان غريبًا أن يفعل المعلم ذلك، فلديه جريدته «الشروق» التى يستطيع أن يوسع استثماراته فيها، لكنه أراد فيما يبدو توسيع إمبراطوريته الإعلامية تأسيسًا على أن الأيام ستطيب، لكن لحقت التحرير «الجريدة» بالتحرير «القناة» بالتحرير «الميدان» الذى فقد بريقه وأصبح رمزًا للفوضى والتمزق والتشرذم، كما كل شىء منسوب إلى الثورة.
فى أبريل ٢٠١١، ظهرت للنور قناة «٢٥» لصاحبها محمد جوهر، الذى سجل لنفسه السبق على قناة التحرير، فقال إن قناته كانت أول قناة خرجت للنور فور تنحى مبارك عن الحكم من خلال البث المباشر على الإنترنت، لتنقل روح الثورة إلى كل مكان كما قال، وبدأت القناة بثها على الأقمار الصناعية من المحلة فى ٦ أبريل ٢٠١١، وكان التاريخ موحيًا وله دلالته الخاصة.
صاحب القناة تحدث هو الآخر عن تمويل منصته الإعلامية، فقال إنه لم يقبل أى تمويل إعلانى حتى يحافظ على اتجاهها السياسى الحيادى، دون أن يخبرنا عن مصادر التمويل بشكل واضح، فى ظل قناعة لدى الجميع بأن صناعة الإعلام مكلفة، ولا يمكن أن تستمر أى قناة ليوم واحد دون أن يكون هناك من يقف وراء تمويلها، وما دام هناك من يموّل فمن الطبيعى أن تكون له أهدافه التى يسعى إلى تحقيقها، ومصالحه التى لا يكف عن إنفاذها.
جماعة الإخوان التى كانت كامنة تمامًا سياسيًا وإعلاميًا انطلقت هى الأخرى.
أطلقت قناتها «مصر ٢٥» فى إشارة إلى أنها قناة الثورة، رغم أنها لم تكن إلا قناة الجماعة التى تعبر عنها وتتحدث بلسانها، وكان طبيعيًا بعد ذلك عندما وصل محمد مرسى إلى قصر الاتحادية أن تصبح هذه القناة هى القناة الرسمية للدولة، تتقدم على التليفزيون المصرى فى كل الفعاليات الرسمية، كما أصبحت وكالة الأناضول التركية هى الوكالة الرسمية التى يعتمد عليها الإخوان، فيخصونها بالأخبار قبل وكالة أنباء الشرق الأوسط وهى الوكالة الرسمية للدولة.
تشير الإحصائيات إلى أن هناك ٢٥ قناة فضائية جديدة تم تأسيسها بعد ثورة ٢٥ يناير، كان من أهمها «النهار» والـ«سى بى سى»، وقنوات أخرى كانت مغمورة تمامًا، وضعت نفسها فى خدمة جماعة الإخوان وأتاحت لأعضائها الظهور، ومن بينها مثلًا قناة «الشعب» التى كان أبرز مؤسسيها صفوت حجازى.
ظهرت هذه القناة فى سبتمبر ٢٠١٢، ووقتها كانت الهيئة العامة للاستثمار قد أعلنت إغلاق باب التراخيص فى وجه القنوات الفضائية، لكن قيل إن جماعة الإخوان تدخلت لتحصل القناة على ترخيص، خاصة أن عددًا من أعضائها رجال أعمال كانوا يملكون النسبة الأكبر من أسهمها، وكانت الجماعة فى حاجة إلى تأسيس قناة جديدة تكون صوتًا لها، بعد الإخفاقات الكثيرة التى منيت بها قناة «مصر ٢٥».
حاولت الجماعة أن تغطى تبعية قناة «الشعب» لها، معتمدة على أنها كانت مملوكة لـ١٢ رجل أعمال، على رأسهم محمد مراد، صاحب قناة التحرير، الذى كان يملك النسبة الأكبر بها، وكذلك من خلال إتاحة الفرصة أمام إعلاميين كان معروفًا عنهم اختلافهم مع الجماعة، مثل محمد ناصر الذى كان يتعمد نقد قيادات الجماعة فى برنامجه الذى قدمه عليها، وكان اسمه «عين العقل»، وهو البرنامج الذى يبدو أنه كان بداية التعارف بين الجماعة ومحمد ناصر الذى تحول بعد ٣٠ يونيو إلى كادر إعلامى فى قنوات الجماعة، وتحديدًا «مكملين»، التى تنطلق من تركيا.
صفوت حجازى، الذى كان واحدًا من صقور جماعة الإخوان، حاول التغطية على سيطرته على القناة بقوله إنه سيقدم فقط برنامجًا دينيًا على شاشة الشعب، وسيكون مشرفًا على البرامج الدينية بالقناة إن وجدت، رغم أن كل المتعاملين مع القناة كانوا يعرفون أنه المتحكم الأول والأخير فى كل مفاصلها.
سطت جماعة الإخوان كذلك على القنوات الدينية التى كانت تعمل قبل ٢٥ يناير، ومن أهمها «قناة الناس» التى ظهر عليها الداعية خالد عبدالله الذى تحول إلى بوق يردد ما تريده الجماعة، وأصبح سهمًا تطلقه على خصومها، وقد أثبت أنه مناسب لهذا الدور تمامًا.
لم تسلم كذلك قناة «الحافظ» التى كان يرأسها عاطف عبدالرشيد، وكانت متخصصة قبل ثورة يناير فى تحفيظ القرآن الكريم وتعليم التجويد بطريقة توفر الجهد والوقت على الحفظ والمحفظين، فتحولت إلى قناة سياسية تنطق بلسان الإخوان، وتستضيف كل من يؤيدونها، وكان من أشهرهم الدكتور محمود شعبان صاحب الأداء الكوميدى وصاحب صيحة «هاتوا لى راجل»، كما ظهر عبرها أيضًا الشيخ عبدالله بدر الذى كان أقرب إلى الهجام منه إلى الداعية، وهو صاحب السقطة الشهيرة فى حق إلهام شاهين، والتى دخل بسببها السجن، ولم يكن بدر إلا لسانًا سليطًا وجهته الجماعة ضد الفنانين والمبدعين والكُتاب.
كان طبيعيًا أن يتحول هؤلاء إلى سهام فى يد الجماعة للسيطرة على الإعلام، فعندما تم تشكيل المجلس الأعلى للصحافة فى عهد الإخوان كان رئيسه أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى وصهر محمد مرسى، وقطب العربى، القيادى الإخوانى المتجهم دائمًا، وفتحى شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام فى مجلس الشورى، الذى أعلن قائمة خصوم الجماعة من على منصة رابعة العدوية، بعد ذلك، مستهدفًا تصفيتهم الجسدية، وعادل الأنصارى، رئيس جريدة «الحرية والعدالة».. ولا يمكن أن ننسى الكاتب الصحفى وائل قنديل الذى كان وقتها مديرًا لتحرير جريدة «الشروق»، الذى كان يميل إلى كل ما هو إخوانى رغم ناصريته السابقة، وكان طبيعيًا أن ينضم إلى معسكر الإخوان بالكامل بعد ثورة ٣٠ يونيو.
حاولت الجماعة أن تواجه الإعلام المصرى الذى لا يناصرها من خلال المجلس الأعلى للصحافة عبر مسارين.
المسار الأول تقارير المتابعة التى اشترك فيها عدد من الأكاديميين الذين ينتمون إلى كلية الإعلام جامعة القاهرة، الذين أصدروا بالفعل تقارير أهالوا فيها التراب على الصحف التى تنتقد الإخوان، وكان من بين ما فعلوه أنهم اتهموا جريدة «الفجر»، التى كنت أعمل مستشارًا لتحريرها، بأنها صحيفة تخرج عن حدود الأدب، منصرفين عن الحالة السياسية الصاخبة التى واجهت بها الجماعة، وكان أن رددنا على التقرير منتقدين إياه بعنوان واضح جدًا هو «إحنا بتوع قلة الأدب»، فلم يكن يهمنا رأى الإخوان، ولم تكن تشغلنا تقاريرهم المصنوعة على أعينهم.
المسار الثانى كان عبر تشكيل لجنة تعاملوا معها على أنها وسيلتهم لهيكلة الإعلام وتطويعه لما يريدون، وتخيل أن من بين أعضاء هذه اللجنة حازم صلاح أبوإسماعيل وخالد عبدالله وعاطف عبدالرشيد، وآخرين ممن ليست لهم علاقة بالإعلام من الأساس، وهى اللجنة التى نالت أكبر قدر من السخرية، فكيف لأعداء الإعلام أن يعيدوا هيكلته؟!.
وضعت جماعة الإخوان الصحفيين التابعين لها على رأس المؤسسات الصحفية، وكم كان مفزعًا ما جرى على غلاف جريدة «أخبار الأدب»، التى أصدرها الأديب الكبير جمال الغيطانى ضمن سلسلة إصدارات مؤسسة «أخبار اليوم»، فعلى غلاف العدد ١٠٢٣ من أخبار الأدب وضع رئيس تحريرها، مجدى عفيفى، صورة كبيرة لخيرت الشاطر، وكان العنوان «تناغمًا مع الدور التثقيفى لرجال الأعمال.. خيرت الشاطر.. هل يحقق استعادة روح مصر الثقافية ببرنامج الجماعة؟».
كانت الإشارة واضحة، فالجماعة التى لم يعرف أحد عنها اهتمامًا ثقافيًا تريد أن تسيطر على كل شىء، وتضع يدها على كل شىء، وتخيل أنت أن الغلاف الذى كانت تحتله صور عمالقة الأدب والفكر والفن من مصر والعالم يقف عليها شامخًا خيرت الشاطر.
سألتُ الكاتبة الكبيرة ماجدة الجندى، رفيقة درب ومشوار جمال الغيطانى، عن رد فعله على هذا الغلاف تحديدًا، فقالت لى: نظر بأسى على صورة خيرت الشاطر على الجريدة التى كانت تحمل اسمه فى يوم من الأيام وقال: أنا أعيش فى كابوس.
كان ما يحدث كابوسًا بالفعل، فقد أرادت الجماعة أن تسطو على الإعلام المصرى كله، وساعدها فى ذلك من ينتمون إليها، وكانوا يتخفون فى مؤسساتهم، وآخرون ممن اعتبروا أن السير فى طريق الجماعة هو السير الآمن تمامًا.
كان طبيعيًا أن تنفجر الحالة الصحفية كما انفجرت الحالة الإعلامية، فصدر عدد كبير من الصحف بعد الثورة، واحدة منها فقط كانت خاصة، وهى جريدة «الوطن»، والبقية كانت حزبية، خرجت لتعبّر عن أحزاب لم تكن معروفة ولا تزال، ولك أن تقرأ وتحكم بنفسك.
فقد صدرت جريدة «النور الجديد» عن حزب النور السلفى، وجريدة «الحرية والعدالة» عن حزب الحرية والعدالة الإخوانى، وجريدة «الصقر» عن حزب مصر القومى، وجريدة «مصرنا» عن حزب الإصلاح والتنمية، وجريدة «المدار» عن حزب مصر الثورة، وجريدة «التيار الثالث» عن حزب حراس الثورة، وجريدة «الربيع العربى» عن الحزب العربى للعدل والمساواة، وجريدة «مصر الحديثة» عن حزب مصر الحديثة، وجريدة «الشعب الجديد» عن حزب العمل الجديد، وجريدة «التحرير المصرى» عن حزب التحرير المصرى، وجريدة« نور الحرية» عن حزب الحرية.
سأتركك تتأمل هذه الصحف وتسأل نفسك هل تعرف شيئًا عن معظمها؟
والإجابة التى أتوقعها بالطبع هى أنك لا تعرف منها أو عنها شيئًا على الإطلاق.
هذا الانفجار الهائل فى الوسائط الإعلامية التى صدرت صاحبه انفجار هائل فى الأموال التى أنفقت عليها، ولك أن تتخيل أنه خلال العامين ٢٠١١ و٢٠١٢ كان حجم الإنفاق على الإعلام يصل إلى ما يقرب من ٦ مليارات جنيه، ولم يكن يحقق عائدًا إلا واحد ونصف مليار جنيه فقط، بما يعنى أن الخسائر كانت تصل إلى ما يقرب من أربعة ونصف مليار جنيه.
وهنا لا بد أن نطرح سؤالًا مركبًا ومنطقيًا جدًا، وهو: مَنْ الذى كان يدفع المليارات التى راحت فى الهواء؟ ولماذا كان ينفقها؟ وهل كان يفعل ذلك مناصرة للثورة، أم أنه كان يسعى إلى صنع فوضى فى المشهد الإعلامى، تعمل وتغذى عملية صناعة فوضى هائلة فى المشهد العام المصرى؟
سأترك لك الإجابة، وأعتقد أنها سهلة تمامًا.
المشهد الذى رسمته لك الآن لم يخرج عن الإطار التقليدى الذى يعمل فيه الإعلام الذى اعتمدت عليه القوى السياسية المختلفة لتحقيق أهدافها، ولم يكن شباب الثورة حاضرين، فالوسائل التقليدية التى ادّعت أنها ستتحدث باسمهم لم تصمد طويلًا، ثم إن ثوار يناير لم يكونوا مشغولين إلى حد كبير بوسائل الإعلام التقليدية، فراحوا يستبيحون المنصات الإلكترونية «فيسبوك وتويتر ويوتيوب»، وجعلوا منها نوافذ يطلون من خلالها على الرأى العام، وكان هذا طبيعيًا جدًا، فقد تعاملوا مع هذه المنصات على أنها من قادت الثورة، وعليه فمن الطبيعى أن يستكملوا مسيرتهم من خلالها.
الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعى صنع فوضى مماثلة فى الفضاء الإلكترونى، نافست الفوضى التى كانت موجودة على الأرض، للدرجة التى أصبحنا لا نعرف فيها مَن مع مَن، ولا مَن يهاجم مَن، ولا مَن يدافع عن مَن، فالكل يعمل على خلخلة الدولة وهز استقرارها، ولم يكن يستفيد من هذا كله إلا جماعة الإخوان.
لقد قاومت صحف وقنوات جماعة الإخوان من اللحظة الأولى، ومنها «الفجر» و«الوطن» و«سى بى سى» و«أون تى فى» و«النهار»، إلا أن الجماعة كانت تتفنن فى ابتزازها والهجوم عليها، بل حاولت شراء بعضها، كما جرى مع قناة «النهار» التى حاول خيرت الشاطر شراءها، لكن الصفقة تعطلت فى منتصف الطريق، وأعتقد أن هذا كان من مصلحة أصحاب قناة «النهار»، فلو أن شيئًا من هذا حدث لكانت القناة مغلقة الآن مثل بقية قنوات الجماعة ومنصاتها.
ستقول لى إنه بقيام ثورة ٣٠ يونيو كان طبيعيًا أن تنتهى هذه الفوضى إلى الأبد، إلا أنها فعليًا كانت مثل الزلزال العنيف الذى جاء على كل شىء، وكان من الطبيعى أن تكون له توابع، ومن بين هذه التوابع أن هناك كثيرًا من الإعلاميين تعاملوا على أنهم هم مَنْ صنعوا الثورة وحدهم.
أحد رؤساء التحرير ما قبل ٣٠ يونيو تعرض لأزمة بسبب تقرير لم يكن دقيقًا بالمرة نشره على الصفحة الأولى من جريدته، فذهب ليعاتب أحد المسئولين الكبار.
قال له: كيف يحدث هذا معى وأنا من صنع ثورة ٣٠ يونيو؟
فرد عليه بأنه يمكن التعامل معه على أنه من صناع الثورة على اعتبار أن الشعب المصرى هو من قام بهذه الثورة وليس أكثر من ذلك، وعليه فليس له أن يطالب بشىء.
لقد حاول من توهموا أنهم صنعوا الثورة من الإعلاميين أن يواصلوا عملهم كما يريدون، معتقدين أنه من حقهم أن يصيغوا المشهد على هواهم، وهو ما كان ينذر بفوضى جديدة.
وكان طبيعيًا أن تتدخل الدولة، لكن السؤال هو: هل تدخلت فى الوقت المناسب أم تأخرت كثيرًا؟
وهذه بالطبع قصة أخرى.