رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة حب غير عادية.. رشدي أباظة في غرام كاميليا بـ«خطة مدبرة»

 رشدي أباظة في غرام
رشدي أباظة في غرام كاميليا

نشر الكاتب الصحفي أحمد السماحي قصة حب الفنانة الراحلة كاميليا والفتى الأباظي رشدي في كتابه "الدونجوان".

والقصة كما يحكيها السماحي تقول: في ليلة من ليالي عام 1950 ذهب رشدي كعادته إلى الأوبرج ليشاهد فتاته "فلورانس" وهي ترقص، لم يدر بخلده أن زلزالًا جديدًا سيعصف بقلبه، فبينما كان يتابع أحاديث أصدقائه مرت أمامه امرأة كالطيف الشفاف، فشلت عينيه في تحديد مواطن الجمال والفتنة لديها، فآثر الابتعاد بنظراته حتى لا يحترق قلبه بحب بلا أمل، فكيف له أن يصل إلى فاتنة السينما المصرية "كاميليا" ذات أجمل شفتين عرفتهما مصر حتى الآن.

دخلت كاميليا بخطوات محلقة مثل راقصات الباليه، كان بصحبتها رجل على أعتاب مرحلة الشيخوخة، وجلسا إلى مائدة في مواجهة "البيست" بينما حاصرتها نظرات الجميع، حاول رشدي كبح جماح الغريزة الأباظية في داخله، لكنه لم يستطع، وفشل في مقاومة خطواته التي قادته نحوها وهو يكاد يصرخ من فرط الانجذاب تجاهها وفي الطريق سأل نفسه عن هذا الرجل العجوز الذي يرافقها، وحين وصل إليها عرفها بنفسه باعتباره زميلًا في دنيا الفن والسينما، فأجابته بأنها سمعت عنه كثيرًا، لكنها لم تر أعماله، ثم قالت له بشىء من رقة وإغراء الأنوثة الجامحة: عندك مؤهلات كثيرة للنجومية، وأكيد ستصبح نجمًا كبيرًا يا رشدي فانصرف منتشيًا.

في هذه الليلة فضل رشدي العودة إلى منزل والدته في الأوبرا بعد غياب عدة أشهر قضاها مع فلورانس، في فندق مينا هاوس، وفي الصباح أحضرت له أمه الإفطار وجلست أمامه وهو يحكي لها ما حدث طوال فترة الغياب، وبعد أن تناول طعامه طلبت منه أن يذهب لزيارة والده - حكمدار بنها آنذاك- حتى يرى إخوته رجاء ومنيرة وزينب وفكري الذي ولد قبل عدة أشهر، لم يكن هدف الأم سوى مطالبة ابنها بحقه من أبيه، فرفض رشدي، لكنه رضخ أمام إلحاح والدته، وركب سيارته متوجهًا إلى بنها، وفي منتصف الطريق، عادت إلى ذاكرته تفاصيل المواجهة الساخنة التي طرده بعدها والده بسبب إصراره على العمل في السينما، ولأنه لم يحقق النجومية بعد، فقد خاف من نظرات "الشماتة" في وجوه كل أفراد الأسرة، وكان الحل أن يدير عجلات السيارة عائدًا إلى القاهرة، وقرر ألا يذهب إلى والده إلا وهو نجم سينمائي كبير.

كان القدر يخفي للفتى الأباظي خبرًا سعيدًا، حيث تلقى اتصالا من والدته التي أخبرته بأن المخرج الإيطالي جياني فيرنتشو اتصل به ليطلبه للعمل معه في فيلمه الجديد، فكاد رشدي يطير من فرط الفرح، وتوجه مسرعًا إلى شركة الإنتاج، وقابل فيرنتشو الذي سلمه سيناريو الفيلم، وطلب منه قراءته جيدًا على أن يلتقيا بعد يومين، وعاد رشدي إلى منزله في الأوبرا وهو يحتضن السيناريو، ودخل غرفته وأغلق الباب، وجلس على سريره يقرأ الفيلم، وفي الصفحة الأولى كانت المفاجأة التي أصابته بارتجافة لذيذة، إذ قرأ البيانات وهو لا يصدق ما يقرأ: اسم الفيلم "امرأة من نار" بطولة: كاميليا ومختار عثمان، وتسمرت عيناه على اسم كاميليا، وراح في نشوة غامرة.

سأل رشدي نفسه: هل رشحتني هي للدور أم رشحتني الجالية الإيطالية؟ لم تكن الإجابة هي القضية، فثمة عدة مشاهد في السيناريو سوف تجمعه مع كاميليا معظمها مشاهد ساخنة، وقتها نسي رشدي ميعاده مع فلورنس، وكان من المفترض أن يلتقي بها ويسافران إلى الإسكندرية، ولم يتذكره إلا في نهاية اليوم، فاتصل بها فوجدها غاضبة بشدة، وأخبرها بحكاية البطولة الجديدة، وعندما علمت أن البطلة هي كاميليا، طلبت منه أن يعتذر عن الفيلم، لكنه رفض بعد أن أدرك أنها تريده بجوارها حتى لو كان ذلك على حساب مستقبله، وفي هذه اللحظة قرر رشدي وضع نهاية لعلاقته بها.

القُبلة الساخنة

جاء أول يوم تصوير بعد انتظار طويل، وذهب رشدي إلى استديو مصر، وهناك رحب به الجميع، وبعد لحظات أخبره مساعد المخرج بالاستعداد لتصوير أول مشاهده أمام البطلة كاميليا، وفي البلاتوه وجد كاميليا تقف مع المخرج الذي شرح لهما المشهد وأخبرهما بأنه سينتهي بقبلة طويلة بينهما، ودارت الكاميرا، وبدأ المشهد، والتقى الاثنان في قبلة ساخنة مزجت بين التمثيل والرغبة، وكانت "القبلة" بداية لقصة حب بين الاثنين، تحولت فيما بعد إلى حديث الناس في الوسط الفني، ومصر كلها.

توالت مشاهد الفيلم وفي أثناء التصوير وجهت كاميليا الدعوة للجميع بالسهر في منزلها بعمارة "الإيموبيليا" وبين جموع الفنانين أبدت الفاتنة الشهيرة اهتمامًا خاصًا بالفتى الأباظي، تجلس بجواره وتبادله الحديث في أمور شتى، لكن رشدي كان غارقًا في سؤال واحد حول سر هذا الرجل العجوز الذي يجلس في صمت غريب، إنه ذات الرجل الذي شاهده معها في الأوبرج، ولم يكن ممكنا أن يظل على حيرته، فقرر بجرأته المعروفة أن يسألها، فكانت إجابتها أقرب إلى الهروب المؤقت، حيث قالت له: بعدين يا رشدي سأشرح لك كل شىء، ثم دعته إلى الرقص، وقذفت بنفسها بين أحضانه، وظلا يرقصان لفترة طويلة، حتى قالت له برقة:
ألا تتعب من الرقص؟
فرد: ومن يتعب وهو يرقص معك؟
كلامك معسول مثل معاكسات أولاد البلد.
فقال ضاحكًا: يقولون عني "ابن بلد".. لكن "بك".
فقالت: وأنا بنت بلد من أثينا.

انتهت السهرة وعند الباب ودع رشدي أباظة كاميليا مقبلًا يديها، وتسمرت عيناه وهو ينحني أمامها ليواجه الرجل الصامت "دائما" فانصرف بنفس السؤال الذي أثار حيرته طوال السهرة، وتوالت أيام التصوير وسط أجواء المرح التي كانت تنثرها كاميليا بين الجميع، لا سيما "قفشاتها" المرحة مع مساعد المخرج يوسف شاهين، وفي إحدى ليالي السهر في شقتها كانا يرقصان كالعادة، فهمس رشدي في أذنها قائل: كان الله في عونك.
فقالت: ليه؟!
فأجاب: واضح أنك تدفعين أكثر من أجرك في الفيلم ثمنا لزجاجات الويسكي التي نشربها.
فقالت بلهجة حزينة: العمر قصير.. فلماذا لا أعيش كما أحب؟.

وكادت تفر دمعة من عينيها، فقال لها رشدي: لست كاميليا التي أعرفها، فأجابت بحسرة وأسى: أنت لم تعرف كاميليا بعد، ثم همست في أذنه، وطلبت منه عدم الخروج مع الضيوف في نهاية السهرة، وبالفعل خرج الجميع، وبقى رشدي على وسادة الحب قالت له: أنا أكره الكذب، لذا يجب أن تعلم أن في حياتي رجلا آخر ينفق علي، فبدت عليه علامات الضيق والغضب، فاستطردت: أقسم لك إنني لم أمنحه ما منحتك اليوم، فقد تجاوز الستين من عمره، ويدفع لي 2000 جنيه شهريا، وهو الذي اشترى لي السيارتين الكاديلاك والستروين، كما أنه يشتري لي ثيابي من أوروبا، ويرسل إلىّ بصناديق الويسكي، بل إنه يعلم أنني أشربها مع غيره، إنه يحبني حبا لا يوصف، ويمتلك قلبا من ذهب ولا يفكر إلا في إسعادي.

كاميليا.. والشبح

بعد انتهاء تصوير الفيلم دعا رشدي كاميليا على سهرة في "حلمية بالاس"، الذي كان وقتها من أشهر الملاهي الليلية في القاهرة، وفي طريق العودة بعد انتهاء السهرة لاحظ رشدي أن الصمت يحتوي كاميليا ويلفها حزن غريب، وحين وصلا إلى بيتها ألقت بنفسها على المقعد، بينما دخل هو غرفة النوم وجدها متشحة باللون الأسود، فخرج إليها متسائلا عن سبب اختيارها "الملاءات سالوداء" في الغرفة، وطلب منها رفعها فورا، فردت عليه بصوت مذبوح:
لماذا تهرب؟ فاللون الأسود هو لون الحزن ألا يستحق شبابنا الذي ضاع قبل الأوان أن نحزن؟
فرد: لا أفهمك الليلة يا كاميليا.
فقالت وقد ذرفت دمعة وحيدة:
نحن نمشي في أكفاننا، الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل التشكيك، فكل شىء في الحياة لا يقين فيه.
أثارت كلماتها خوفا دفينا في قلب رشدي، وشعر بأن جرحا عميقا أصابه، فاحتضنها بقوة وكأنه يريد أن يحميها من أي مكروه، وفي أحضانه راحت كاميليا في نوم عميق، لكنها انتفضت صارخة: جاء الشبح مرة أخرى يناديني، فسألها رشدي: أي شبح؟ فأجابت بمزيج من الفزع والحزن: شبح أبيض يقتحم نومي منذ عام ويناديني كي أتبعه، ثم أخفت رأسها بين ذراعيه وهي تقول بأسى: لن تفهمني حتى تسمع نبأ وفاتي!.

بعد شهرين من هذه الواقعة، وبالتحديد في 31-8-1950 سقطت طائرة ركاب وسط الحقول وتفحمت جثث ركابها، وصدرت الصحف في اليوم التالي بنبأ مصرع النجمة كاميليا بين ضحايا الطائرة المشئومة، وبعد موتها كثرت الشائعات حول ملابسات الحادث، دون أن يصل أحد إلى الحقيقة، وتلقى الفتى الأباظي الخبر بانهيار تام، وراح في غيبوبة كاملة حزنا على "حبه الأكبر" وكلما أفاق كان يردد اسمها، ثم يروح في الغيبوبة مرة أخرى. وجاءت تحية كاريوكا لزيارته وهي "تحبس" الدموع في عينيها، وربتت على كتفه وهي تقول: أنا عارفة إنك كنت بتحبها، وهيه كمان كانت بتحبك قوي، وصارحتني بحبها أكثر من مرة، وكان نفسها تكون أحسن ممثل في مصر.