رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاميرا السوداء.. كيف وظفت إسرائيل أفلام 2019 فى الدعاية لنفسها؟

جريدة الدستور

نظرًا لقيامها ونشأتها على فكرة «الدعاية» من الأساس، سواء دينية أو سياسية أو اجتماعية، والاعتماد على مجموعة من «الادعاءات التاريخية» لكسب تعاطف العالم، اهتمت إسرائيل بصناعة السينما بصورة كبيرة، باعتبارها واحدة من أهم وسائل «تبييض الصورة»، وإقناع المشاهد بما تريد إيصاله من أفكار عن تعرض اليهود لانتهاكات جسيمة، وحقهم فى الأراضى المحتلة. لذا ركزت السينما الإسرائيلية، منذ انطلاقها بأفلام قصيرة وصامتة حتى بدايتها الحقيقية فى خمسينيات القرن الماضى، على قضايا مثل الاغتراب والحياة داخل «الجيتوهات الغربية» والمحرقة النازية «الهولوكست»، والهجرة إلى الأراضى المحتلة، وصولًا إلى «التعامل بإنسانية مع الفلسطينيين». وخلال السنوات الخمس الماضية، حققت السينما الإسرائيلية معدلات لافتة فى الانتشار وحصد الجوائز، وبدأت عدة دول فى عرض أفلامها، ومؤخرًا أقيم مهرجان «الفيلم الإسرائيلى» فى الولايات المتحدة. كيف بدأت وسارت السينما الإسرائيلية؟ وما أوجه استخدام تل أبيب للأعمال السينمائية فيما يمكن أن نطلق عليه «غسل السمعة»؟.. سؤالان نحاول الإجابة عليهما فى السطور التالية من خلال عرض أبرز الأعمال الإسرائيلية المنتجة فى ٢٠١٩.


سينما تل أبيب انطلقت بأفلام قصيرة وصامتة.. والبداية الحقيقية فى الخمسينيات

فى بدايات نشاط الحركة الصهيونية داخل أوروبا، لاحظ تيودور هرتزل، مؤسس الحركة، تأثير السينما، الوسيلة الإعلامية الجديدة التى ظهرت فى هذا الوقت، وحاول بين عامى ١٨٩٩ و١٩٠٢ صناعة فيلم دعائى للترويج لأفكار الصهيونية عن أسطورة «أرض الميعاد» المزعومة، لكنه لم ينجح فى ذلك.
وفى العام ١٩٠٣، زار المصور اليهودى ألفرد عبادى مصر وفلسطين ولبنان، وصوّر العديد من الأفلام القصيرة، فى بدايات ظهور السينما، منها: «قطيع أغنام على طريق القدس» و«سياح يصلون إلى يافا»، وصولًا إلى ١٩٣٣، حين أنتج فيلم «عوديد الرحال»، وكان فيلمًا صامتًا يصور المناظر الطبيعية فى فلسطين، من خلال قصة الفتى «عوديد»، الذى ضل طريقه بعيدًا عن مجموعته، وراح يلتقى أشخاصًا وحيوانات برية.
واستمر ذلك حتى إنتاج فيلم «هذه هى الأرض»، فى عام ١٩٣٥، الذى يصوّر بشكل وثائقى تحقيق الحلم الصهيونى بالوصول إلى فلسطين.
وفى بداية الخمسينيات، بدأ التاريخ الحقيقى للسينما الإسرائيلية، بعد سن قانون تشجيع الإنتاج السينمائى عام ١٩٥٤، وكان تركيزها الأكبر على روايات الأدب العبرى، التى تدور حول فكرة الاغتراب اليهودى ومعاناة اليهود فى «الجيتوهات» الأوروبية، والناجين من المحرقة النازية، ومتاعب القادمين الجدد والمهاجرين إلى إسرائيل. وفى مطلع الستينيات، أدرك دافيد بن جوريون، مؤسس إسرائيل رئيس الوزراء، أهمية السينما فى كسب الرأى العام العالمى لصالح دولة إسرائيل، وذلك بعدما صورت هوليوود فيلم «Exodus»، للمخرج الأمريكى أوتو بريمنجير فى عكا والقدس، من بطولة النجم الأمريكى بول نيومان.
وعندما ربح الفيلم جائزة «الأوسكار»، فوجئ «بن جوريون» بما جلبه الفيلم لإسرائيل من تعاطف وتبرعات، ما أقنعه بتأثير السينما وأهميتها، وبدأ البحث عن كيفية اجتذاب المشاهدين للسينما العبرية، على أيدى ٣ من أبرز مخرجى هذه الفترة وهم: مناحم جولان وإفرايم كيشون وأورى زوهر.
وشهدت الستينيات تغيرًا فى شكل السينما الإسرائيلية، التى تأثرت بالحروب الإسرائيلية مع العرب، ما جعل الأفلام تهتم بذلك بشكل خاص، واحتل الصراع مع الفلسطينيين والعرب بشكل عام مكانة كبيرة طيلة عقدى السبعينيات والثمانينيات.
وفى عام ١٩٧٩، تأسس صندوق خاص لدعم الأفلام الإسرائيلية الجيدة، ومثل هيئة مركزية لدعم الأعمال السينمائية فى إسرائيل، بعدما كانت السينما فى السابق تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة، استنادًا إلى قانون تشجيع الفيلم الإسرائيلى الصادر عام ١٩٥٤.
وفى السبعينيات أيضًا، ظهرت موجة جديدة من الأفلام التجارية الشعبوية، وتركز موضوعها بشكل كبير على الفارق فى نمط الحياة بين اليهود الشرقيين «السفارديم»، واليهود الغربيين «الأشكيناز»، وشهدت هذه المرحلة التمرد على الصورة النمطية لليهودى الشرقى، وبدأت السينما فى إظهاره بأنه ذكى ومخادع.
وفى الثمانينيات، بدأت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تولى اهتمامًا كبيرًا بالسينما، وبدأت تتدخل فى تمويل أفلام خاصة عن الحروب التى تخوضها الآلة العسكرية، خاصة بعد حرب لبنان الأولى، فيما استمرت الشركات الخاصة فى إنتاج أفلام متنوعة تنتقد الحكومة وسياساتها وكذلك الحروب المختلفة.
أما السنوات القليلة الماضية، فشهدت توجهًا جديدًا فى السينما الإسرائيلية، سواء من حيث الشكل أو الموضوع، وظهرت مشكلات المجتمع الإسرائيلى بشكل أكثر بروزًا، وبرزت الخلافات بين اليهود المتدينين والعلمانيين، كما فى فيلم «موقدة القبيلة»، من إخراج يوسى سيدار، الذى يروى حكاية عائلة تنتمى إلى تيار المتدينين القوميين، خلال ثمانينيات القرن الماضى، وتسعى لإعادة العلاقات الأسرية بينها إلى سابق عهدها، خاصة بعد وفاة الأب.
كما ظهر أيضًا فيلم «أجنحة متكسرة»، من إخراج نير بيرجمان، الذى حاز على العديد من الجوائز، وكان يدور أيضًا عن تأثير الموت على مسيرة العائلة، وافتقاد أفرادها القبول من المجتمع، وكذلك ظهر فيلم «عند نهاية العالم اتجه يسارًا»، الذى تناول فكرة الصداقات العابرة للثقافات، ودارت أحداثه فى بلدة صحراوية.
وفى الوقت ذاته، اهتمت إسرائيل بتصدير أفلامها إلى السوق الغربية، وتزايدت أفلام الإنتاج المشترك بين شركات إسرائيلية وأخرى غربية، وضم أرشيف «سينماتيك» فى القدس- الذى جرى ترميمه مؤخرًا- مئات الأفلام ومكتبة بحثية وصالات للعرض، لتقديم العروض السينمائية المنتظمة بالتعاون مع سفارات أجنبية ومعاهد ثقافية وجمعيات مدنية.
كما أصبحت الجامعة العبرية تضم أرشيفًا كبيرًا يسمى «أرشيف سبيلبرج»، ويعد أكبر مستودع فى العالم للمواد السينمائية المتعلقة بالمواضيع اليهودية وحياة اليهود، ويسمح للباحثين والمنتجين والسينمائيين من كل أنحاء العالم بالاطلاع عليه.



«التحريض» حول اغتيال رابين.. و«جولدا» يتحدث عن سنوات الحروب


عملت عدة أفلام إسرائيلية على توثيق السير الذاتية لعدد من المسئولين والقادة السابقين، ممن تركوا أثرًا كبيرًا فى حياة الإسرائيليين، بداية من فيلم «يميم نورأيم» أو «التحريض»، الذى يكشف عن أسرار اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، إسحاق رابين، فى عام ١٩٩٥، على خلفية جهوده لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
ويلقى فيلم «التحريض» الضوء على رحلة القاتل، وسبب إقدامه على اغتيال «رابين»، بجانب مشاهد من الحياة الشخصية لرئيس الوزراء الأسبق، وسعيه لكى يصبح بطلًا فى نظر أقرانه، ورفضه من قبل الفتاة التى يحبها، وكيف ينتهى اتباع القادة السياسيين والزعماء الدينيين لسياسة العنف والكراهية إلى مصير سيئ.
وكذلك عُرض مسلسل تليفزيونى عن قصة حياة موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، تحت عنوان «ديان: الأسرة الأولى»، وخلال حلقات العمل الأربع يروى حفيد «ديان» كل التفاصيل الخاصة بحياته، مشيرًا إلى أن أسرته ما زالت تكتشف حتى الآن أسرارًا جديدة عنها، رغم مرور عقود على وفاته، نظرًا لكونه صاحب القرارات الأخطر فى إسرائيل. هذا العام أيضًا، عُرض الفيلم الوثائقى «جولدا»، الذى يتناول حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، جولدا مائير، ويستند إلى مقابلة تليفزيونية لها قبل وفاتها بفترة قصيرة، حيث تم إطلاق النار وقت التصوير. ويعرض الفيلم لقطات تعرض لأول مرة، وتتحدث فيه «جولدا» عن الـ٥ سنوات المضطربة التى حكمت فيها إسرائيل، والأيام الصعبة التى عاشتها وقت الحروب. كما عُرض الفيلم الوثائقى «الملك بيبى»، الذى يتناول حياة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ورحلته من وزير خارجية مميز إلى رئيس وزراء مثير للجدل، وركزت المشاهد على طريقته فى التعامل مع الخطب والكاميرات ووسائل الإعلام، وتعتمد على العديد من اللقطات الأرشيفية.

«إنسانية» القتلة فى «صباح الخير ابنى».. والمستوطنون ودعاء بـ«يافا»

لا تخلو الأفلام الاجتماعية والإنسانية والعاطفية فى إسرائيل من الأفكار السياسية، حتى لو بشكل غير مباشر، وتتميز بتنوع القضايا المطروحة فى أحداثها، وخروجها عن إطارها التقليدى المعتاد خلال العقود الماضية.
من بين أهم هذه الأفلام فيلم «مرادفات»، الذى حصد جائزة «الدب الذهبى» فى مهرجان برلين، وشارك فى مهرجان تورنتو، وتدور أحداثه حول شاب إسرائيلى يدعى «يوآف» ينتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس، وسط توقعات كبيرة لديه بأن «مدينة النور» ستنقذه، وهناك يرفض الحديث باللغة العبرية معتمدًا على قاموس فرنسى يحمله بشكل دائم، ويحاول أن ينسى هويته الإسرائيلية تمامًا. وتضم القائمة كذلك فيلم «مغفرة» الذى يحكى عن خروج «شاؤول» من السجن وعودته إلى منزله محطمًا تمامًا، بالتزامن مع حلول «يوم الغفران» اليهودى، وداخل منزله تكافح زوجته وابنته للتكيف مع عودته تلك، فيما يشعر شخص آخر يدعى «نيسان»، وهو يهودى أرثوذكسى حديث العهد، بأنه المسئول عن تحطيم حياة «شاؤول»، وأنه غير قادر على الاستمرار فى حياته دون تلقى مغفرة عن ذلك.
ويحكى فيلم «زوهار – العودة» عن الصبى «زوهار» الذى يتحول من دراسة السينما ليصبح حاخامًا متشددًا، ثم يعود إلى السينما من جديد بعد عدة عقود، ويحاول تقديم فيلم سينمائى عن هذه التجربة، ويبدأ فى البحث عن بطل قادر على التعبير عن الصراعات الداخلية التى مر بها هو نفسه. وفى إطار «إنسانى- سياسى»، تدور قصتا فيلمى «صباح الخير ابنى»، عن جندى شاب يدعى «عمير» يصاب فى عملية عسكرية، وتحاول عائلته وأصدقاؤه إعادته إلى الحياة الطبيعية ودفعه لنسيان تجربته، و«تل أبيب على النار»، عن «سلام»، الشاب الفلسطينى الذى يعيش بلا هدف، ثم يصبح كاتبًا بعد لقائه مع جندى إسرائيلى، وتبدأ مسيرته الإبداعية فى التصاعد، إلى أن يختلف مع الجندى والداعمين الماليين له. واختير فيلم «صباح الخير ابنى» للمشاركة فى مهرجان لوكسمبورج لعام ٢٠١٩ كأفضل فيلم روائى عالمى، بجانب مهرجانى «تورنتو» و«البندقية».
وتدور قصة فيلم «أموات يافا» عن ٣ أطفال من الضفة الغربية يتم تهريبهم إلى يافا، حيث يصلون إلى منزل الزوجين الإسرائيليين «جورج» و«ريتا» ويعيشان هناك، حتى يتم تصوير فيلم أجنبى فى مكان قريب من المنزل ويتم كشف أمر الأطفال.



تجميل صورة «الموساد» بالكوميديا.. ودفاع مزعوم عن مسلم بـ«12 نقطة»

شهدت سوق السينما الإسرائيلية طرح أفلام ذات مضمون سياسى وعسكرى خلال العام الجارى، أبرزها فيلم «الموساد»، الذى شارك فى مهرجان «مونت كارلو» السينمائى، وهو عمل كوميدى يحكى عن تشكيل فريق واحد من الجهاز الإسرائيلى، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لإنقاذ العالم من منظمة إرهابية دولية، بعد أن يتم خطف ملياردير أمريكى فى مدينة القدس المحتلة.
ويحكى فيلم «من العبودية إلى الحرية» قصة ناتان شارانسكى، أحد أشهر الوزراء فى إسرائيل، الملقب بـ«الوزير الجاسوس»، حيث تم سجنه فى الاتحاد السوفيتى، خلال سبعينيات القرن الماضى، بتهمة التجسس على السوفييت لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وعن تنظيم «داعش» الإرهابى، أُنتج فيلم «١٢ نقطة»، الذى يحكى قصة «تى جى»، المغنى المسلم الذى يحقق حلمه بتمثيل فرنسا فى أكبر مسابقة للأغنية فى أوروبا، ويقرر التنظيم زرع أحد عناصره فى الوفد الفرنسى، من أجل تنفيذ عملية إرهابية أثناء الحفل الختامى، والفيلم من إنتاج فرنسى إسرائيلى مشترك.
أما الفيلم الأكثر إثارة للجدل فهو فيلم «حاخام من حزب الله»، الذى يحكى عن شاب اسمه «إبراهيم ياسين»، ولد فى قرية صغيرة بلبنان، وكان من المقرر أن يسير على خطى والده كمزارع، لكن القدر اختار له مصيرًا آخر، بأن وقع فى قلب أكثر العمليات جرأة وخطورة وسرية، التى حاولت إسرائيل تنفيذها فى لبنان، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى. كما عرض الفيلم الجرىء «سبب الوفاة»، الذى تدور أحداثه حول حادث وقع فى مارس ٢٠٠٢، حينما فتح إرهابى النار فى مطعم بمدينة تل أبيب، فأوقفه الشرطى الدرزى سليم بركات بشجاعة، لكن الإرهابى قتله. ولمدة سنوات، كان «جمال»، شقيق «سليم»، يحضر احتفالات الشرطة فى ذكرى شقيقه، لكنه يشك فى أن السلطات تحجب معلومات عن مقتل شقيقه، ويبدأ فى البحث عن قاتل شقيقه.