رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشرف محطة كهرباء العاصمة الإدارية: نظامها يوفر 400 مليون دولار سنويًا

المهندس محمد مختار
المهندس محمد مختار

قبل ٣ سنوات عندما ذهب إلى صحراء السويس على طريق العين السخنة لبدء الخطوة الأولى فى إشرافه على تنفيذ محطة كهرباء العاصمة الإدارية الجديدة، كان الشعور الأول الذى انتابه أنه يقف على أرض معركة، عدوه فيها هو الزمن، بعدما قررت القيادة السياسية إنجاز المحطة فى أسرع وقت ممكن، فتم إنجازها فى وقت قياسى.

هو المهندس محمد مختار، رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة لإنتاج الكهرباء المشرف على المحطة، الذى تلتقيه «الدستور» فى حوار يكشف فيه عن كواليس إنشاء المحطة الأضخم على مستوى العالم، وما واجهه من صعوبات.


بداية.. ماذا عن محطة كهرباء العاصمة الإدارية؟
- افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٨، فى حضور قيادات شركة «سيمنس» الألمانية وعدد من الوفود الأجنبية التى تمت دعوتها لحضور هذا العمل التاريخى لمصر وللشريك الألمانى، وذلك بعدما تم تنفيذها والانتهاء منها فى أقل من ٣ سنوات، فيما كان يتوقع أكثر الخبراء تفاؤلًا أن ينتهى هذا المشروع العملاق فى فترة تستغرق من ٥ إلى ٧ سنوات.
والمحطة واحدة من ٣ محطات تم الاتفاق عليها بين الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الكهرباء، والشريك الألمانى، بجانب محطتى «البرلس»، و«بنى سويف»، وكان لى شرف الإشراف على تنفيذها، منذ اللحطة الأولى حتى رفع الستار عن لوحة افتتاحها أمام رئيس الجمهورية، وإطلاقه شارة بدء مرحلة التشغيل النهائى للمشروع.
وتقع المحطة على مساحة ١٧٥ فدانًا بطريق العين السخنة، وبلغت تكلفة إنشائها نحو ٢ مليار يورو، ضمن اتفاق مبرم بين الحكومة والشركة الألمانية، وتبلغ قدرتها نحو ٤٨٠٠ ميجاوات، وصنفت باعتبارها المحطة الأولى من نوعها فى مصر والشرق الأوسط التى يتم إنشاؤها بمنطقة جبلية بعيدًا عن مياه بحر أو نهر، وتعمل بنظام التبريد الهوائى باستخدام ١٢ مروحة عملاقة تُستخدم لأول مرة.
وكان الهدف من إنشاء المحطة بهذه المواصفات توفير نحو ٤٠٠ مليون دولار سنويًا قيمة الوقود، فهى تضم ٨ وحدات غازية طراز «H CAKSS»، وهو النظام الذى يتميز بكفاءة إنتاجية بمعدل ٦٥٪، المعدل الأعلى كفاءة على مستوى العالم.
■ بعد التعرف على تفاصيل المحطة.. ما كواليس العمل خلال مرحلة التنفيذ؟
- البداية كانت شديدة الصعوبة، والمشهد كان إعادة لأيام عصيبة مرت بها مصر خلال فترة الحروب، كنت أشعر وكأننا ذاهبون إلى جبهة فى ميدان معركة حربية مع الزمن، جميعنا كنا جنودًا فى الميدان.
ففى العام ٢٠١٣ كانت هناك زيادة فى معدلات عجز القدرات الكهربائية فى الشبكة القومية لنقل الكهرباء، وعلى مستوى قطاع الإنتاج كان العديد من محطات الكهرباء بحاجة إلى الصيانة والتطوير، بخلاف التى خرجت من الخدمة بسبب تقادمها، والوضع كان شديد الصعوبة فى ظل العجز- أيضًا- فى الموارد المالية.
لكن القيادة السياسية لمصر كانت لديها الإرادة على التحدى واتخاذ القرار، وجاء القرار بتنفيذ مشروع عملاق يوفر القدرات الكهربائية لمصر لحل الأزمة الحالية ويؤمن مستقبل الطاقة للأجيال المقبلة.
ولا أحد ينسى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، عندما قرر أن الدولة ستقضى على ظاهرة انقطاعات التيار الكهربائى، واعتبر هذه المشكلة قضية أمن قومى، ومن وقتها وجميع مؤسسات الدولة عزمت على مواجهة الأزمة علميًا وعمليًا.
فكانت وزارة الكهرباء تعمل على وضع خطة لتأمين التغذية الكهربائية فى هذه الفترة لسد العجز فى القدرات فقط، وذلك بناء على محدودية الموارد فى الدولة، خاصة فى قطاع البترول الذى كان يعانى من نقص فى إمدادات الغاز، ما أثر سلبًا على محطات الإنتاج.
لذلك وضعت الدولة خطة قصيرة عاجلة لسد العجز، بالتزامن مع البدء فى تنفيذ استراتيجية طويلة المدى، وتضمنت الأولى إضافة عدد من القدرات لتغطية العجز فى الشبكة القومية، قبل حلول مايو ٢٠١٥، حتى لا تتكرر ظاهرة الانقطاعات، وتنفيذ ٦ وحدات متنقلة تم تركيبها فى ١٢٠ يومًا، فضلًا عن محطة ٦ أكتوبر ضمن بنود الخطة العاجلة التى تضمنت ٤ وحدات غازية بقدرة إجمالية ٦٠٠ ميجاوات.
ونُفذت جميع تلك العمليات بمساعدة أجهزة الدولة المعنية، فالجميع كان يُغلب مصلحة البلد فوق كل شىء، والمصلحة كانت تقتضى أن يتم الانتهاء من تنفيذ الخطة العاجلة لرفع القدرات وأعمال الصيانة بمحطات الإنتاج قبل حلول صيف ٢٠١٥ الذى كان من المتوقع أن يشهد زيادة غير مسبوقة فى الأحمال على الشبكة القومية لنقل الكهرباء. وما تم تنفيذه آنذاك فى القاهرة تم تنفيذه بالتوازى فى محافظات الوجهين القبلى والبحرى.
■ متى بدأ تنفيذ محطة كهرباء العاصمة الإدارية والمحطات الأخرى؟
- بعد الانتهاء من الخطة العاجلة مباشرة، استعدت وزارة الكهرباء لتنفيذ استراتيجيتها لزيادة القدرات الكهربائية للشبكة القومية، التى تضمنت إنشاء ٣ محطات لإنتاج الكهرباء بقدرة ١٤٤٠٠ ميجاوات، من بينها محطة كهرباء العاصمة الإدارية التى أشرفت على تنفيذها شركة القاهرة لإنتاج الكهرباء من البداية للنهاية.
وبدأ العمل على تنفيذ المحطات الثلاث: «العاصمة الإدارية»، و«البرلس»، و«بنى سويف»، بالتعاون بين وزارة الكهرباء، وتحالف «سيمنس» و«أوراسكوم» و«السويدى»، وكانت الأوضاع التى بدأ فيها العمل شديدة الصعوبة.
فعند إطلاق إشارة البدء لتنفيذ المشروعات الثلاثة، توجه قرابة ٨ آلاف عامل إلى الصحراء قرب العين السخنة، حيث موقع محطة كهرباء العاصمة الإدارية، وفى أقرب وصف للمشهد كأن طائرة حربية ألقت بمجموعة من الجنود خلف خطوط العدو لتنفيذ مهمة خاصة غير مقرر لها إلا النجاح، لأنه لا مجال للخطأ، فالظرف لم يسمح برفاهية الوقت لتصحيح الأخطاء.
فى وسط الصحراء، كانت الآمال كبيرة، لكن الموقع المراد تنفيذ المحطة به خال تمامًا من عوامل الحياة، لا زرع ولا ماء، لا طرق ممهدة للوصول للموقع، ولا أماكن للمبيت ولا دورات مياه ولا منافذ بيع للأطعمة أو الأغذية، كلها كانت عوامل طاردة من موقع العمل، لكن العنصر البشرى المصرى الذى شهد العالم بكفاءته وقدرته على التحمل، استطاع أن يحفر الصحراء ويرفع فوق أرض مصر أكبر وأضخم محطة كهرباء فى العالم.
■ وماذا كان دور الدولة لتذليل تلك الصعاب؟
- نحن كمهندسين متخصصين شاركنا فى تنفيذ العديد من المحطات، نعلم جيدًا أن تنفيذ محطة بقدرة ٤٨٠٠ ميجاوات فى ظروف عمل طبيعة تستغرق فترة زمنية لا تقل عن ٥ سنوات ولا تزيد على ٧ سنوات، لكن هذه الفترة كانت أكثر من الفترة المطلوبة، فى ظل صدور تكليفات من القيادة السياسية بأنه غير مسموح بأى تأخير فى تنفيذ مشروعات الكهرباء.
لذلك، ورغم أن ظروف العمل المتاحة كانت تتطلب تحسين الأوضاع، وتم نقل ذلك إلى قيادات الكهرباء وبدورهم نقلوه إلى القيادة السياسية، قررنا بدء العمل على هذا الوضع، لكن تم التنسيق مع مؤسسات الدولة لتوفير جميع متطلبات العاملين.
ومن بين هذه الظروف شديدة الصعوبة أن الماء لم يكن موجودًا، وكان لا بد من توفيره لصب الخراسانات، فكنا نعتمد على سيارات نقل المياه يوميًا، ولما استشعرنا بأن عملية نقله قد تتعرض لأى طارئ، ما يعرض أعمال الإنشاء والتنفيذ للتوقف، فكرنا فى حفر بئر لتخزين المياه، وبالفعل تم ملؤه.
وفى النهاية ورغم كل تلك الظروف أنهينا المشروع فى ٣٠ شهرًا فقط، وذلك إعجاز تاريخى لن يتكرر.
■ ذكرت أن التعاون بين مؤسسات الدولة كان وراء هذا الإنجاز.. من أبرز شركاء النجاح؟
- الجميع كان يربط بينهم التعاون والتكاتف وإنكار الذات ودقة الأداء، وذلك لم يكن من جانب العاملين بقطاع الكهرباء أو الشركاء الدوليين وشركائهم المحليين، بل كذلك هيئة التسليح بالقوات المسلحة المصرية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، مع متابعة أسبوعية كل يوم سبت من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وذلك ليس رأيى فقط لكنه كان إشادة دولية من الشريك الدولى الألمانى «سيمنس»، قالها خلال عقد اتفاقية مع حكومة دولة العراق بشأن إقامة مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية يهدف لسد العجز وزيادة القدرات، وهو مشروع مماثل للمشروع المصرى.
قال الشريك الألمانى: «عندما ذهبنا إلى دولة العراق لتنفيذ مشروعها القومى فى مجال الطاقة الكهربائية المماثل للمحطات العملاقة الثلاث التى نُفذت فى مصر، طالبنا الجانب العراقى بتنفيذ المشروع فى نفس الفترة الزمنية التى استغرقها المشروع المصرى، فطلبنا منهم توفير مالك للمشروع مماثل للمالك المصرى، فى الأداء والانضباط والمتابعة اليومية الدائمة الدقيقة، بالإضافة إلى عنصر بشرى على نفس القدر من الكفاءة والقدرة».