رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وماذا بعد.. حقوق «إنسان» يقتلنى






مصر لم تطلب يومًا «لبن العصفور».. ويليق بتاريخها و«صبرها» أن تحظى بهذه المكانة. سعت مصر عبر تاريخ خطابها مع المجتمع الدولى إلى الموضوعية والدقة حين تدعو العالم إلى فهم ما يدور- وأحيانًا كثيرة ما يحاك- على أرضها الطيبة. تناول أى منظمة دولية قضايا دول أخرى لا يستدعى الحساسية المفرطة بقدر ما يفرض شروط الصدق والموضوعية فى التحرى. مصداقية ومكانة هذه المنظمات لا تتحقق بنبرة الغطرسة التى تصل إلى اعتبار ما يصدر عنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! إنما تكتسب عبر دقة تحرى المصادر والاستقصاء من جانب مبعوثيها الرسميين.
نجاح الدبلوماسية المصرية فى تقديم التقرير الحقوقى الشامل أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان فى جنيف الأسبوع الماضى كجزء من التقييم المنتظم للمنتدى لجميع الدول الأعضاء، يمثل فشلًا جديدًا لـ«دكاكين» حقوقية وعفو دولية ما أنزل الله بمصادر تمويلها من سلطان! يطرح السؤال المحورى نفسه: وماذا بعد، هل ستظل بعض الدول والمنظمات الدولية منفصلة عن القراءة الواقعية للأوضاع فى مصر؟.. لا أحد ينكر على المجلس التعقيب على ما يختص بمهامه، لكن أى «حقوق» وأى «إنسان» وفى ظل أى أجواء تدور بها الأحداث التى تتطرق إليها تقاريره. إلى متى ستحتفظ فى جعبتها بنبرة التباكى على جماعات ما زالت يدها ملطخة بدماء الأبرياء؟!.. فى المقابل، الرأى العام ليس فقط على نطاق ١٠٠ مليون مصرى، بل المنطقة العربية التى نجحت مصر فى دعم استقرار العديد من دولها بعدما استعادت مصر قوتها واستقرارها. من حق مصر الاطلاع على مصادر المعلومات والدلائل التى استندت إليها هذه التقارير.. فى زمن الصحافة الاستقصائية التى نجحت فى كشف مذهل عن مصادر تمويل مؤسسات ومنظمات دولية، منها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس وغيرهما العديد مما تتستر وراء عناوين براقة تخفى دعمها للتنظيمات الإرهابية، لم يعد مقبولًا التسليم المطلق بهذه التقارير- حتى وإن صدرت عن منظمات دولية- التى يقتصر الاعتماد فى صياغتها على معلومات مغلوطة من مصادر مشبوهة.. تحديدًا أن تاريخ دقة هذه المنظمات تعرض للعديد من الشكوك منذ تبنيها الدفاع عن اعتصام دموى مسلح شكل على مدى أشهر تهديدًا لحقوق شعب بأسره فى ميدانى الشهيد هشام بركات والنهضة.
مصر تتعامل بأقصى درجات الشفافية والوضوح فى سياساتها، سواء على الصعيد الداخلى أو الخارجى. الآفة تكمن فى ازدواجية منظمات تتبع الأمم المتحدة والمفترض أن تكون هى ملجأ لأى طرف دولى أملًا فى الدفاع عن حقوقه، لكنه للأسف سيجد نفسه فى «مزاد» تعرض فيه المكانة الدولية والمواقف بأسعار متفاوتة لصالح السعر الأعلى، ولتذهب إشكاليات «ثانوية» كالتحرى الدقيق والحقائق إلى الجحيم! وإلا كيف يوضع فى سياق مترابط ثبات مواقف هذه المنظمات تجاه آفة الإرهاب حين تتبنى من جهة قوانين أشد صرامة لمكافحة مصادر تمويل الإرهاب التى تستخدم فى عمليات تهدد دول المنظمة نفسها، بينما هى من جهة أخرى تسعى فى تقاريرها إلى وضع مصر تحت ضغوط دولية وتضع فى أولوياتها قتلة تم توثيق جرائمهم بالتسجيلات المصورة دون أن تكبد نفسها عناء البحث عن حقوق «القتيل» البرىء! خصوصًا بعد إشادة دول العالم بدور مصر فى الحرب ضد الإرهاب.
مكانة مصر الدولية تستدعى الاهتمام الذى تبديه تجاه اللجان المختلفة التابعة للأمم المتحدة، والإعلان بشفافية عن حقائق الصورة على أرض الواقع، فهى قطعًا أكبر من التدنى إلى مستوى أنظمة اعتمدت «البلطجة» عنوانًا لسياساتها، مثل تركيا وقطر؟!.
المؤكد أن ردود الوفد المصرى فندت الكثير من الادعاءات، كما وضعت حدًا للازدواجية وتسييس نصوص القوانين الدولية لصالح تنظيمات تسعى لشراء أى شىء وبأى ثمن، للانتقام من شعب أطاح بأهم أحلامها فى الاستيلاء على مصر فى مقابل التزام مصر التام. تغاضى المجلس الدولى لحقوق الإنسان عن أهم قواعد مهامه.. أولًا: حين تعمد فصل بنود الأمن والاستقرار الذى يكفل للمواطن ممارسة حقوقه الإنسانية، بينما يعتبر الأمن وحقوق الإنسان وجهين لعملة واحدة.. ثانيًا: تفريغ المصطلح القانونى «الاختفاء القسرى» من معناه الدقيق حين لم تتحرّ الدقة بين من غادروا طوعًا للانضمام إلى جماعات إرهابية أو شاركوا فى عمليات هجرة غير شرعية وصنفتهم بالمختفين قسرًا.
الخطوات التى حققتها مصر تتمثل فى زيارات ضمت فئات مختلفة من أعضاء نيابة أمن الدولة العليا إلى حقوقيين ومراسلين أجانب أتيح لهم توثيق مشاهداتهم بالكاميرات الخاصة بهم والتجول فى المناطق المختلفة للسجن رغم أن هذه الوفود تتوقف أمامها باهتمام أكبر أمام أى لقطة سلبية مقارنة بالمشاهد الإيجابية. قانون تنظيم تأسيس وممارسة عمل المجتمع الدولى بعد سلسلة من الحوارات المجتمعية وما يتضمنه من إلغاء بنود العقوبات السالبة لحرية تأسيس وعمل هذه المنظمات. هذا القانون لا تقتصر إيجابياته أمام المجتمع الدولى كدليل على جدية مصر لتطوير منظومة حقوق الإنسان، لكنه يمنح فرص أكبر للعمل المدنى، وهو سند حقيقى للدولة يرفع عنها كاهل المساهمة فى كل شىء.
بين جدية التزام مصر بعد العرض الشامل الذى قدمه الوفد المصرى فى جلسة سماع مجلس حقوق الإنسان، ونبرة تحفز تستحوذ على المجلس، تتضاعف أهمية مراجعة لجان المنظمات الدولية الرسمية لآلية عملها بعيدًا عن إطلاق أحكام إنشائية دون أى دلائل موثقة بالمستندات، وفقًا للمعايير الدولية كى تستعيد هذه المنظمات مصداقيتها.