رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستقطاب لا يبنى أوطاناً


فنرى الآن الإخوان ومن معهم بالرغم من الخلاف السياسى والمصلحى والحزبى بينهم إلا أنهم يستغلون الخطاب الدينى ويروجون لفكرة حماية الإسلام ممن من يريد الإساءة له.

لا شك أن سنوات حكم مبارك قد خلقت حالة رفض شعبى ونخبوى كاسحة لدى المصريين بكل تصنيفاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، الشىء الذى جعل هذه التصنيفة المصرية تخرج إلى الشوارع والميادين ترفض حكم مبارك ولكن لم تكن حالة الرفض هذه هى البديل لحكم مبارك عند سقوطه، فهناك فارق بين الظروف الموضوعية التى تجعل الشعب يرفض النظام السياسى لفساده واستبداده وسيطرته وبين الظروف الذاتية التى تساعد على تشكيل بديل ثورى كتنظيم ثورى أو طليعة ثورية تتبنى خطة ثورية واضحة المعالم تكون بديلاً ثورياً للنظام الساقط ولكن الحالة السياسية المصرية لم تكن كذلك فى 25 يناير، فمنذ تسعينيات القرن الماضى كانت كل القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان يقتصر نشاطها على الاجتماعات المغلقة وبعض التظاهرات المحدودة والمحددة فى الشارع وكانت أغلبية هذه القوى ـ خاصة الحزبية منها ـ لديها علاقاتها مع النظام تؤدى إلى تفاهمات ما عند الضرورة ولكن لم تكن هذه التفاهمات تشكل موقفاً موحداً لقوى المعارضة بقدر ما تمثل تمرير مصلحة ما سواء كانت هذه المصلحة للحزب الوطنى الحاكم أو للحزب المعارض، وكانت مرآة هذه التفاهمات تترجم فى تعيينات رؤساء الأحزاب كأعضاء فى مجلس الشورى، أما علاقة الإخوان بنظام مبارك فقد كانت تصريحات عاكف ــ المرشد السابق ــ قد كشفتها دون مواربة وكانت تتمثل فى السماح للجماعة فى الترشح لمجلس الشعب سواء عن طريق حزبى «الوفد» 1984 و«العمل» 1987 فى نظام القوائم الذى لم يكن يسمح لهما بالترشح حيث لم تكن للجماعة حزب، أو فى الترشح فردياً والسماح لهم بثمانية وثمانين مقعداً عام 2005 والأهم هو موقف الجماعة من تظاهرات 25 يناير حيث رفض البلتاجى فى اجتماع القوى السياسية المنظمة للتظاهرة وذلك يوم 23/1/2011 التوقيع على بيان ضد التوريث ويطلب من مبارك التنحى وطوال سنوات حكم مبارك لم تتصاعد حالة المعارضة على الأرض إلا بعد إعلان حركة «كفاية» عام 2004 شعارها «لا للتوريث ولا للتمديد» وكان أيضاً شعاراً من غير حزب ولا برنامج ولذا وعلى ذلك كانت يناير 2011 حالة جماهيرية رافضة للنظام واستطاعت إسقاطه ولكن مع غياب البديل الثورى فكان المجلس العسكرى الذى لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالثورة ولكن كانت كل قناعاته هى منع التوريث ولذا فقد تصور أن مهمة يناير هى إسقاط مبارك وإعداد دستور بعد الاستفتاء على تعديل دستور 1971، ولغياب البديل الثورى المنظم ولغياب الأحزاب السياسية المدنية عن الشارع، حيث إن أحزاب ما قبل يناير كانت أحزاباً ديكتورية وما بعد يناير كانت أحزاباً ورقية لا علاقة لها بالشارع ولا بالجماهير وهذا غير الإخوان والسلفيين الذين كانت لهم خرائطهم الاجتماعية التى تعتمد على المساعدات المادية التى تقدم للمحتاجين وباسم الدين تلك الخرائط التى كانت ولاتزال تتحول إلى خرائط سياسية وانتخابية. ناهيك عن استغلال العاطفة الدينية المتأججة لدى المصريين طوال الوقت وعلى ذلك وجدنا التيار الإسلامى يحول الاستفتاء على الدستور فى 19 مارس 2011 إلى استفتاء على الدين وعلى من هم مع الإسلام ومن هم ضد الإسلام، الشىء الذى أوجد استقطاباً سياسياً حاداً وغير مسبوق ومازالت نتائجه وتأثيراته تعمل فى المشهد السياسى حتى الآن، وقد استمر هذا الاستقطاب بين الدينى والمدنى رغم أن الصراع سياسى لا علاقة له بالدين فلا أحد يزايد على الإسلام ولا على إيمان الفرد فهذه علاقة بين الإنسان وبين الله. فمعارضة نظام الإخوان السياسى وقرارات د. مرسى السياسية هذا لا يعنى أن هذه معارضة للإسلام فلا علاقة بين هذا وبين ذاك. وإلا لا يحق لغير المسلم معارضة الحكم السياسى لجماعة الإخوان ولذا فقد ظل هذا الاستقطاب طوال حكم الإخوان ولا ننكر أن هبة الجماهير فى 30 يونيو و3 يوليو وخروجهم فى 26 يوليو كانت خلفيتها ذلك الاستقطاب بين الدينى والمدنى ولكن فهل من الصحيح أن تنزلق القوى السياسية المدنية على هذه الأرضية حتى نرى أنه مازال حتى الآن أن الجميع يلعب على هذه الأرضية؟ فالاستقطاب وعلى هذه الأرضية سينتج خسارة للجميع والأهم للوطن. فنرى الآن الإخوان ومن معهم بالرغم من الخلاف السياسى والمصلحى والحزبى بينهم إلا أنهم يستغلون الخطاب الدينى ويروجون لفكرة حماية الإسلام ممن من يريد الإساءة له وبالرغم من الخلاف السياسى الظاهر بين الجماعة وبين حزب «النور» أو الخلاف المعلن مع حزب «مصر القوية» نرى أن هناك هدفاً واحداً يوحد الجميع فى مواجهة الآخر ونرى القوى السياسية الأخرى تلعب على أرضية هذا الاستقطاب وتسعى لمكاسب سياسية ودستورية بديلاً لنفس المكاسب التى سعى إليها الإخوان فى عام حكمهم وكأن يناير ويونيو لا نريد أن نحولهما إلى ثورة مصرية شعبية حقيقية لصالح هذا الشعب وهذا الوطن. ولكن هو صراع بين قوتين تتصارع على السلطة بنفس الأسلوب وبذات الطريقة فهناك فارق كبير جداً بين السعى نحو السلطة لتحقيق أهداف حزبية وذاتية وبين تقبل تفويض الشعب لتحمل مسئولية السلطة لتحقيق الثورة لصالح الوطن والجماهير فالواقع السياسى للأسف بعد يناير ويونيو لا علاقة له بالثورة ولا باستكمالها فهى حكومات تقليدية لا علاقة لها بالثورة ولا بالثورية، تعمل وكأننا نعيش فى ظروف استقرار عادية وليست ظروفاً استثنائية تحتاج قرارات وأداء وآليات غير عادية حتى تشعر الجماهير بنتائج هباتها الثورية فتلتف حول قرارات الحكومة الثورية وتحافظ عليها وتحميها من الساعين للسلطة باسم الثورة أو باسم الدين لتحقيق مصالحهم الخاصة والحزبية مع العلم بأن من يتصور أن اللعب على أرضية هذا الاستقطاب سيستفيد فهو واهم فالشعب قد شب عن الطوق وأسقط حكمين ولن يقبل بالعودة للوراء ولم يعد ينطلى عليه الشعارات الثورية الفارغة ولا الادعاء باسم الدين، المصريون متدينون ويعرفون الإسلام جيداً. وعندما أعطوا أصواتهم للإخوان باسم الدين كانوا يفصلون بين الدين وبين الأداء السياسى للإخوان ولذلك لم يصبروا على فشل الإخوان فالحل هو التوافق الوطنى حول أجندة وطنية مصرية تسعى لتحقيق الثورة لصالح كل المصريين وليس لصالح فصيل معين سياسى أو دينى فمصر طوال تاريخها تحكم وتتقدم بالحب والحوار والتوافق لا بالاستقطاب والتصارع. حمى الله مصر من سوء الاستقطابات.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق