رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آخرهم "حواديت الشانزليزيه".. لماذا نحب الحنين إلى الماضي؟

جريدة الدستور


قبعة أنيقة مع فستان قصير.. اسطوانة لأغاني قديمة تدور على قرص مثبت بجرامافون، هاتف منزلى كلاسيكي له قرص دوار.. كلها صور تخطف المشاهدين لأزمان يحنون إليها حتى إن لم يعيشوها، فتصبح كآلة زمنية تسافر إلى حقب الخمسينيات حتى سبعينيات القرن الماضي، بسحرهما وجمالهما الفريد.

هذه الحالة من "النوستاليجا"، أو ما يعني الحنين إلى الماضي، أصبحت تداعب مشاعر الملايين من المصريين، وتخاطب وجدانهم، وهذا ما انتبه إليه صناع الدراما فى الفترة الأخيرة، فقدموا أعمالًا يعيش معها المشاهدون أجواءًا  رومانسية كلاسيكية يصعب نسيانها.
حواديت الشانزليزيه.. محاكاة لجمال مصر فى الأربعينيات

تحاكي مجموعة من السيدات الماضى فى قصة مسلسل «حواديت الشانزليزيه» الذى يعرض حاليا على قناة إم بى سى فور، وتعرض أحداثه قضايا متشعبة بفترة الخمسينيات، ليسرد قصة قتل داخل "تياترو"، والمتهم مجموعة منتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة.

المسلسل ليس سياسيا، بل يحاكى الجمال آنذاك الذى اشتهرت به مصر، والفن وحكاياته، ويرصد كيف كان يتعامل الناس مع بعضهم البعض فى إطار دراماتيكي بحت، ليكشف الفارق بين الحقيقة التى كنا عليها، وما الذى آل بنا إلى مانحن عليه الآن.
نفحات الماضى.. وحنين العودة إلى الوراء

المسلسل ليس وحده الذى بدأ فى اللعب على وتر" النوستاليجا"، أو الحنين إلى الماضي، فكانت قبله عدة محاولات فى هذه التيمة، مثل مسلسل ليالى أوجينى، الذى عرض فى السباق الرمضانى لمايو 2017، ويحاكى فترة الأربعينيات فى مدينة السحر بورسعيد،  ما أبهر الفتيات بسبب رؤيتهم لمشاعر الرومانسية والشجن المتجسدين بشخصيات المسلسل.

أما ديكورات المسلسل وأزياؤه، فقد لعب كل منها على الجزء المفتقد فى المجتمع المصري بصورته الحالية البعيدة عن البساطة والهدوء، بالاضافة إلى ما عرضه من طريقة الحس الهادىء، واحترام قدسية المشاعر، أيضًا مسلسل جراند أوتيل خاطب الفكرة نفسها.

فتيات الألفية يريدن العودة للماضى

أصبحت دعوات المناداة للعودة إلى الماضي سمة فتيات وسيدات فى الثلاثينيات والعشرينيات من أعمارهن، وكأن كل منهن ترفض الانتماء للزمن الحالي، ومن هنا دعت الكثير من المبادرات على مواقع السوشيال ميديا، بالعودة إلى إرتداء فساتين زمان، وانتشرت الصفحات التى توثق لمصر فى أزمان مختلفة، من خلال نشر صور السيدات وقتها أو الأندية والأماكن العامة التي اختلفت كلية عن ما هي عليه الآن.

فى يوليو العام الماضى، قام مجموعة من الشباب والفتيات بجلسة تصويرية، تجسد فترة السبعينيات التى شهدت تطورا كبيرا فى الموضة وقتها، وكان ذلك فى أحضان المنازل القديمة المتواجدة فى مصر الجديدة، واستخدم حينها المصور أحمد سعيد كما قال فى حديثه لـ«الدستور» الفساتين القصيرة، والألوان الأبيض والأسود مرورًا باللون الأصفر الباهت، ثم اعتمد على تداخل الألوان حتى وصل بنا إلى جيل سعاد حسنى.

"طبيب نفسي: النوستاليجا".. حنين نحتاج إليه

ربما كل تلك المحاولات هو مانحتاج إليه، لكى نشعر بالألفة والأمن، أما "النستولوجيا" هو ذلك الشعور الذى يجعلك تشعر بالحنين إلى المنزل الذى قضيت فيه طفولتك، إلى حكايات الجدة، وتلك الأرجوحة فى ذلك المنزل الصغير، الذى تغزوه الشمس فى النهار، ويحل عليه دفء العائلة فى الليل.

وتعد النوستاليجا آلية دفاع يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسية، والدفع بالملل، والشعور بالوحدة، خاصة فى سن المراهقة، وكبر السن، حينها يبحث الفرد فى صندوق الذكريات لمواجهة التحديات الحالية، والشعور بالقيمة الفعلية، هذا ما أكده الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبيعة العسكرية، وقال: "إن حنين الأشخاص للنوستالجيا، نابع من رفضهم لواقعهم الحالي، وهذا يتضح من خلال التفاعل مع المسلسلات التي تحاكى فترة زمنية معينة قديمة". 

وتابع: أنه بمجرد رؤيتك لشاي من الماضي أو السير في الأماكن العريقة والأثرية، يشعر الجسم بحالة من الهدوء والسكينة، بالإضافة الى فرز المخ لهرمون "التيسترون" بكميات كبيرة، فيشعر براحة وانسجام مع الواقع الذي بما فيه من متاعب وإشكاليات.

التصوير الدرامى..شكل فكرا متميزا

ويقول الدكتور على عبد الراضى، استشاري العلاج والتأهيل النفسي، إن شباب التسعينيات والألفينيات، وفى بعض الأحيان الثمانينات كانوا أكثر انفتاحا، وعاصرو مابعد الحداثة، لذا هم الأكثر ميلًا وحنينًا إلى فترات الماضى خاصة الحقبة الملكية، كما أنه ولد لديهم بعض الإنتماء إلى الأجواء الأرستقراطية، خاصة بعد إنحدار الذوق العام، وانتشار ذوق المهرجانات.

وأضاف أن السؤال الأكثر انتشارا بين النجوم فى المقابلات "لو انت تحب ترجع بالزمن للوراء فى أى حقبة تعيش"، وتكون الإجابة لأغلبهم فترات الملوك، وكذلك بالنسبة للشباب خاصة الذين سافروا بالخارج، وتمتعوا بطقوس العائلات المالكة، فذلك يخلق لديهم التعود على نمط أزياء معين، وفكر معين، يجعلهم فى حنين لعودة روح أجواء أغاني أم كلثوم، ورومانسية عبد الحليم حافظ، ورؤية أزياء تشبه فساتين شاية وسعاد حسني.


وأوضح الاستشاري النفسي، إن أصحاب الإدراك الثقافى لايعجبهم اللهجات الموجودة حاليًا، لذلك يخلقون لأنفسهم أجواءًا من التحفظ، مجاورة لأنماط العظماء، إيمانا منهم بأن الماضى يتمثل فى الأدباء والموسيقين كالعقاد وطه حسين، وهذا يحفزهم على "التفاعلية الرمزية"..أى الإنتماء لفئة بعينها.

واختتم عبد الراضي، أن التصوير الدرامى كان له دوره الجاد فى تحفيز النوستاليجا لدى الجماهير، وهى بالفعل ما نحتاج إليه، خاصة فى طريقة تصوير القصور الملكية فى المسلسلات الغربية والتركية والسورية، وتمثيل الطبقات الأرستقراطية فى فرنسا، ومن ثم انتقل إلى الدراما المصرية التى حذت بخطوات جريئة ومتقنة فى عدة مسلسلات مثل: "أهو ده اللى صار" حيث مازالت كتابات الدكتور يوسف لحبيبته نادرة تنشر على كافة مواقع التواصل الإجتماعى، كل ذلك ساهم فى وجود شكل من أشكال التميز وحالة من الرقي نحياها بين وقت وآخر.