رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتصارات.. معناها ومغزاها «2-2»


كتبنا فى المقال السابق مقدمة عن الانتصارات، بمناسبة انتصار (6) أكتوبر العظيم. وهذا المقال اليوم، جاء استكمالاً لمفهوم الانتصار وآداب الانتصار ومعنى الانتصار، وياليتنا - خصوصا الدعاة والأحزاب الإسلامية أو جماعات الإسلام السياسى - يدركون ذلك أو يعللون ما يضيقونه، فقهًا وتأويلاً وبدون أدلة مقنعة فى كثير من الأحيان، أو أدلة تتهاوى مع أول مراجعة أو نقد.

الانتصار معنى مهم جدًا، عند الإسلاميين والمسلمين عمومًا والعالم العربى والإسلامى، لأن التاريخ يذكرنا بانتصارات الإسلام والرحمة العظيمة فى الحروب، وكذلك يذكرنا بانتصارات مصر العديدة سواء ضد التتار أو ضد الصهاينة. معنى جميل جدا قد لا يفهمه الغرب، الذى تشغله دائمًا القوة العسكرية، وتغيب عنه النظرة والممارسة العادلة الكاملة، على عكس ما تقوله الديمقرطية التى استوردناها من الغرب، وهذا كلام مهم كان يجب أن يفهمه الإخوان قبل رابعة والنهضة وبعدهما. الانتصار، كما يقول سيد قطب، لا يتم حتى يتم أولاً فى ميدان النفس البشرية وفى نظام الحياة الواقعية، وحين تخلص النفس من حظ ذاتها ومن مطامعها وشهواتها ومن أدوائها وأحقادها.

هذا ما لم تفهمه - للأسف الشديد - قيادة الإخوان، ومن والاهم تنظيميًا، وسار على الدرب الخاطئ، فلم يركز التحالف من أجل الشرعية بقيادة الإخوان على بناء النفس، وخدمة الدعوة والشعب دون أن ينعزل، ويقيم حجابًا حول نفسه وأهله وعشيرته، كما شاهدناه، خلال حكم الرئيس المعزول الدكتور مرسى.

وهنا يقول سيد قطب « ولا قيمة ولا وزن فى نظر الإسلام للانتصار العسكرى أو السياسى أو الاقتصادى، ما لم يقم هذا كله على أساس المنهج الربانى، فى الانتصار على النفس، والغلبة على الهوى، والفوز على الشهوة، وتقرير الحق الذى أراده الله فى حياة الناس، ليكون كل نصر نصرًا لله ولمنهج الله، وليكون كل جهد فى سبيل الله ومنهج الله، وإلا فهى جاهلية تنتصر على جاهلية، ولا خير فيها للحياة ولا للبشرية، إنما الخير أن ترتفع راية الحق لذات الحق، والحق واحد لا يتعدد، إنه منهج الله وحده، ولا حق فى هذا الكون غيره.وانتصاره لا يتم حتى يتم أولاً فى ميدان النفس البشرية، وفى نظام الحياة الواقعية، وحين تخلص النفس من حظ ذاتها فى ذاتها، ومن مطامعها وشهواتها، ومن أدرانها وأحقادها، ومن قيودها وأصفادها. وحين تفر إلى الله متحررة من هذه الأثقال، وحين تنسلخ من قوتها ومن وسائلها ومن أسبابها، لتكل الأمر كله إلى الله، بعد الوفاء بواجبها من الجهد والحركة، وحين تحكم منهج الله فى الأمر كله، وتعد هذا التحكيم هو غاية جهادها وانتصارها، حين يتم هذا كله، يحتسب الانتصار فى المعركة الحربية أو السياسية أو الاقتصادية انتصارًا، فى ميزان الله، وإلا فهو انتصار الجاهلية على الجاهلية، الذى لا وزن له عند الله ولا قيمة!».

هكذا كان يفكر ويكتب سيد قطب، وهكذا كان يتكلم بشأن الجاهلية التى يجب أن نتجنبها جميعًا، وهنا هو كلام إيجابى، أما كتاباته عن جاهلية المجتمع، فهى خروج عن كلام الأصوليين وجمهور الفقهاء، ولذلك فهمه بعضهم خطأً، ومنهم الجماعات أو المجموعات التى تسمى نفسها جهلاً واستعلاء فى بعض الأوقات، جماعة المسلمين، أو من يطلق عليهم «التكفير والهجرة»، أو السلفية الجهادية، وغيرهم من المتشددين وأصحاب منهج التكفير. وقد فهمت الجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد من قبل هذه النصوص خطأ، فوقع منهم ما وقع فى أوائل الثمانينيات، وراجعوا أنفسهم، فتاب منهم من تاب عن التشدد والعنف، وراجع منهم من راجع نفسه، عن هذا الفهم الخاطئ، ولكن الفتنة أطلت برأسها مرة أخرى من خلال اعتصامات رابعة والنهضة، وظهور عاصم عبد الماجد على المنصه وفتاواه الشاذة وكلماته التى لا تتفق أبدًا مع الوسطية والربانية، والتى ضللت ولا تزال تضلل، عددًا من الشباب بدلا من أن تأخذ بأيديهم على الطريق الصحيح.

شاهدنا هذا الانحراف والتشدد ورجوع هذه الفتنة التى أطلت برأسها، فيما قاله عاصم عبد الماجد الذى لم يبرأ – حتى مع التقدم فى السن والمفروض فى العلم والتجربة – لم يبرأ من المرض الذى أصابهم نتيجة الفهم الخاطئ والتأويل المنحرف وغير المنطقى، ولذلك سمعنا عاصم عبد الماجد وهو يقول «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار». كانت رابعة ومن والاهم – لدى عاصم - أمة مسلمة مؤمنة كما رأهم عاصم، وأما بقية الشعب فهم من غير المسلمين والمؤمنين، ولذلك فإن قتلاهم فى النار، وقد شاركه فى هذا من سمعوه ولم يصححوا تلك المفاهيم الخاطئة التى انعكست على فهم وسلوك الشباب ولا تزال.

لماذا يتكلم بعضهم بهذا الشكل والشأن؟ وكأن هناك معركة ونحتاج إلى الشحن قبل أن تبدأ؟ ولماذا كان هذا الشحن العاطفى وإقحام الدين فى مسألة سياسية تتعلق بنظام ديمقراطى مستورد من الغرب؟ سؤال مهم يحتاج إلى إجابة. وهناك مسألة أخرى تحتاج إلى علاج وهى مسألة العنف الذى يقع فيه الشباب خصوصًا طلبة الجامعات، عندما يدخلون فى معارك غير أخلاقية أثناء المظاهرات أو الندوات مثل الاعتداء على الشيخ على جمعة المفتى السابق أو قطع الطرق أو الشعارات والكتابات على الجدران التى تخلو من الأدب فضلا عن احترام الآخر، أسئلة ومسائل كثيرة تحتاج إلى ردود.

أدعو الله تعالى أن يمن بالشفاء على أولئك المنحرفين فى فهم الإسلام، والذين ينحرفون عن وسطيته وربانيته.. لقد شوهوا صورة الإسلام السمح.

والله الموفق