رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء: صعوبة تمركز "داعش" في المنطقة بعد مقتل البغدادي

جريدة الدستور

وأجمع خبراء ومتخصصون على أن تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي نفذ عمليات إرهابية غير مسبوقة منذ ظهوره عام 2014، يواجه حاليًا أزمة كبيرة، وصعوبات تحول دون عودته وتمركزه في المنطقة العربية، وذلك عقب تصفية زعيم التنظيم ومؤسسة أبوبكر البغدادي مؤخرًا على أيدي القوات الأمريكية في "إدلب" شمال سوريا.

وأكد الباحثون- خلال الحلقة النقاشية التي نظمها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان: "مستقبل التنظيمات الإرهابية على ضوء مقتل قائد تنظيم داعش" التي أدارها الدكتور خالد عكاشة، مدير المركز،  أن التنظيمات الإرهابية قد زادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بينما تظل "جماعة الإخوان" أقدم هذه التنظيمات، والأخطر، نظرا لوجودها في العديد من الدول، واتخاذها "الأعمال الخيرية" ستارًا لها لصالح أجندتها ومخططاتها.

وقالت الدكتورة دلال محمود، مدير برنامج الأمن وقضايا الدفاع بالمركز، إن "جماعة الإخوان" أكثر قدمًا من "داعش" و"القاعدة"، وهي القاعدة الفكرية لهما والأوسع انتشارًا، ولكنها تتبع أساليب مختلفة في العمل الإرهابي، وأنها تعمل في أوروبا والولايات المتحدة من خلف جمعيات خيرية ومساجد، وهو ما يجعل بعض الدول لا تعترف بها كجماعة ارهابية، ويفرض أمرًا جديدًا عند الحديث عن الخريطة الإرهابية في المستقبل، والتي لابد من إعادة تشكيلها لإدماج الإخوان داخلها، وإلقاء الضوء على طابعها الإرهابي.

وأوضحت أن التنظيمات الإرهابية زادت في الآونة الأخيرة، حيث وصل عددها إلى نحو 67 تنظيمًا منذ عام 2001 حتى عام 2018، بزيادة بنسبة 180%، مضيفة أن نسبة 66 % من هذه التنظيمات تتبع تنظيمي "القاعدة" و"داعش " بفروعهما المختلفة، وأن الدول المستهدفة من العمليات الإرهابية وفقا لتقديرات عالمية هي 44 دولة؛ لافتة إلى حدوث تراجع نسبي، إلا أن العمليات الإرهابية تزداد في بعض المناطق مثل: الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، كما تشهد تراجعا في أوروبا والولايات المتحدة، معتبرة أن التراجع لا يعني تراجع العمليات، بل "إعادة انتشار" للإرهاب.

وأشارت إلى أن النساء داخل هذه التنظيمات الإرهابية لا تقل خطورة وإرهابًا عن التكفيريين، منبهة من وجود أطفال حاليًا لدى هذه التنظيمات، وهو ما يجعلهم خطرًا محدقًا يتطلب آليات مختلفة لمواجهة الأجيال القادمة من الإرهابيين.

وقالت إن الأماكن التي تتخذها "القاعدة" و"داعش" ذات طبيعة جغرافية، حيث إنها مناطق حدودية وفي جيوب صعبة وسط التضاريس لإضعاف التعقب الأمني، إنها كانت تفضل خلال السنوات الأخيرة أماكن بها موارد طبيعية، حيث حقق "داعش" طفرة في السيطرة على أماكن نفطية، وكذلك ثروات معدنية، وبذلك اكتسبت التنظيمات القدرة على التمويل الذاتي من خلال توسيع سيطرتها على بعض الموارد، والاعتماد على العملات الافتراضية وتسللها إلى أسواق الصرافة وإلى نشاطات غير مشروعة، وهو ما يتيح لها قدرة أكبر على البقاء، ارتباطًا بأصحاب المصالح المستفيدين من وجود التنظيمات.

ولفتت إلى الارتباط الكبير بين العامل السياسي والتنظيمات الإرهابية، لاسيما مع وجود دول راعية للتنظيمات الإرهابية تقوم بتوظيف الإرهابيين لتحقيق مصالحها، مدللة على ذلك بتهديدات مسئولين أتراك بإرسال الإرهابيين إلى أوروبا.

وحذرت من القدرات النوعية للتنظيمات الإرهابية التي نجحت في توظيف التكنولوجيا برفع القدرات التسليحية وتوسيع شبكات الاتصالات والعمل الإعلامي، وهو ما يطرح تحديًا جديدًا، فقدرة التنظيمات على العمل والتأثير تتطلب أمرًا جديدًا في التعامل مع ظاهرة الإرهاب.

ومن جانبه، قال السيد علي بكر، الباحث المتخصص في شئون الحركات المتطرفة، مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، أن منطقة الساحل والصحراء هي المنطقة الوحيدة التي تشهد تشارك بين "داعش" و"القاعدة" لا سيما بعد انهيار "داعش " في سوريا والعراق، وإنها تمثل منطقة نفوذ حيوية لـ"القاعدة"، وهو ما أدى إلى زيادة وتيرة الإرهاب في تلك المنطقة، حيث أشارت آخر إحصائية صادرة عن الدورة التاسعة للجنة الدفاع والأمن التابعة لتجمع دول الساحل، إلى أن الأربع أشهر الأخيرة شهدت مقتل خمسمائة شخص إضافة إلى المصابين، حيث شهدت المنطقة انتشارا للإرهاب.

ولفت إلى أن أهم ما يميز منطقة الساحل والصحراء هو تعدد أشكال الإرهاب، حيث لا يتوقف على "القاعدة" و"داعش"، ولكن تتواجد فيها أنماط الإرهاب القبلي أو العرقي.

ونبه من أن تنظيم القاعدة هو الرأس الأكبر في الساحل والصحراء يتميز بتعدد مجموعاته الإرهابية خاصة مكنته من توجيه الضربات في تشاد ومالي وبوركينا فاسو، والتقارير تشير إلى أن "القاعدة" أصبحت أخطر من "داعش".

وفي سياق متصل، قال الدكتور سليم الدليمي، الباحث في الشئون الإيرانية والخليجية، أن تنظيم "داعش" في العراق سبقه وجود تنظيم "القاعدة" عام 2003 مع دخول الولايات المتحدة، إلا أنه قد تم طرده من العراق وهزيمته في 2007، ولكن مع الانسحاب الأمريكي والحكم الشمولي عادت التنظيمات الإرهابية وأهمها "داعش" وهو التنظيم الأهم والأخطر والأشد من حيث التطرف والقوة والعدة والعتاد والتطور في الإمكانيات التكنولوجية، وهو المسيطر على خارطة التنظيمات الإرهابية في العراق.

وحذر من أن "داعش" يمتلك أذرعا إعلامية قوية، لديه عدد من الإصدارات وأهمها جريدة النبأ التي تصدر بشكل أسبوعي، وتتضمن مقالات ووجهات نظر يطرحها أعضاء التنظيم، بجانب قنوات إعلامية على الإنستجرام ووسائل تواصل اجتماعي، وحصاد شهري تحت عنوان حصاد الأجناد يتضمن حصاد التنظيم في كل البلاد التي له فيها نشاط.

وحذر من أن الوضع الحالي في العراق وما يشهده من تظاهرات يشغل قوات الأمن في محاولة السيطرة على الأوضاع ويساعد الإرهابيين، ومن أن الطرق أمام العناصر المتطرفة من دول العالم ما زالت سالكة، حيث إن أغلب العناصر من أوروبا وأمريكا تدخل العراق عبر تركيا، مؤكدًا أن تلك التنظيمات لا تنتهي بمقتل قائدها.

كما تحدث أحمد كامل البحيري، المتخصص في "التطرف العنيف" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن التنظيمات المتطرفة وخاصة الأربعة الكبار وهى: "الجبهة الوطنية لتحرير سوريا" التي شكلت برعاية تركية وجمعت بعض التنظيمات وأكثرهم تابعين لجماعة الإخوان، والتنظيم الثاني هو "داعش"، والثالث هو "هيئة تحرير الشام"، والرابع هو "حراس الدين" التابع للقاعدة.

وحول مستقبل "داعش" بعد البغدادي، قال إنه يمر بأربع أزمات: أزمة الخلافة، أزمة المقر، أزمة الأفرع، أزمة المقاتلين، وكل نقطة من هذه النقاط تحدد مسار داعش ومستقبله، موضحًا أن التنظيمات المتطرفة العنيفة ترتبط كثيرا بالزعامة، وحسب قدرة القيادة يتحدد نشاط التنظيم وترابطه، مبينًا أنه بعد مقتل اسامة بن لادن لم يستطع ايمن الظواهري ملء فراغ بن لادن، وحدثت حالات انقسام وانضمام إلى "داعش"، مشيرا إلى أن أفرع في "داعش" لم تبايع حتى الآن أبوإبراهيم القرشي باعتباره مجهولا.

وأضاف: أنه بعد انهيار الخلافة "الداعشية " في مارس الماضي، توجد أزمة في إيجاد مكان المقر، خاصة أن جزءا من "أدبيات التنظيم" هو أن المقر يجب أن يكون في المنطقة العربية، وليس الانتقال إلى بعض المناطق الأخرى مثل الساحل والصحراء أو خراسان، مستبعدًا الانتقال إلى الساحل والصحراء بسبب السيطرة القاعدية هناك، وبالتالي فأزمة المقر أزمة كبرى.

ومن جانبه، تحدث العقيد يحيى أبو حاتم، مستشار وزير الدفاع اليمني عن مستقبل التنظيمات الارهابية في اليمن، مشيرا إلى أن هناك ثلاثة تنظيمات في بلاده وهي "القاعدة" و"داعش" و"الحوثيين" الذي يعتمد على المذهبية، موضحا أن القاعدة موجود في اليمن منذ عام ٢٠٠١ بسبب ضعف المؤسسات الأمنية وأسباب دينية "مغلوطة" والطبيعة الجبلية لليمن.

وأضاف أن ٨٠% من أرض اليمن ذات طبيعة جبلية مما ساعد على ظهور القاعدة نظرا لأن الإرهابيين يفضلون المناطق الخالية من السكان لسهولة الحركة.

وانتقد تمويل الجماعات الإرهابية من قبل دول ثم تعود تلك الدول لمحاربة تلك التنظيمات، منبه بأن التنظيمات الإرهابية لم تقتل أجنبيًا واحدًا، بل من يقتل هو أبناء الشعب اليمني، حيث إن هدفها هو إرباك المشهد اليمني الداخلي وزعزعة الاستقرار.

وذكر بأن هناك إحصائية تشير رلى وجود نحو ٨٥ ألف سلاح باليمن، محذرًا من أنه ما لم يحسم هذا الملف وتبسط الدولة اليمنية سيطرتها على الأرض ستتواجد التنظيمات الإرهابية خلال الفترة المقبلة بشكل أكبر، لاسيما وجود بحر مفتوح يسمح بدخول المتشددين والأسلحة.

واعتبر هاني نسيرة، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، أن مشهد قتل أبوبكر البغدادي يجسد انهيار تنظيم "داعش"، مشيرًا إلى تصفيته في وقت انهيار التنظيم بعد هزيمته في الحرب الدولية عليه، وكذلك بعد مقتل الكثير من قياداته.

وأكد أن "داعش" يواجه عقبات كثيرة تمنع عودته مثل قبل أهمها سقوط فكرة التجنيد بسبب الوعود المزيفة، وكذلك وجود خلالفات أيديولوجية وانقسامات في داخله، فضلًا عن خلافاته مع التنظيمات الأخرى.

ومن جانبه، استعرض الدكتور محمد فايز فرحات، رئيس وحدة الدراسات الآسيوية بالمركز، توزيع العناصر المقاتلة في صفوف داعش في العراق وسوريا حتى يونيو الماضي حسب مواطنها الأصلية الجغرافية.

وأوضح أن العدد الأكبر من العناصر الإرهابية جاء من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، يليه مقاتلون قادمون من أوروبا، ثم من آسيا، بينما النسبة الأقل جاءت من أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، وجنوب الصحراء بإفريقيا.

ورأى الخبير أن حركة "طالبان" سيكون لها تأثير كبير على مستقبل "داعش" في آسيا، لافتا إلى أنه حتى الآن ليس من الواضح معرفة مستقبل العلاقات بين "داعش" و"القاعدة " بطالبان، وما إذا كانت "طالبان" ستقوم بتصفيتهم من منطقتها أم بدعمهم، وأن "داعش" سيكون ولاء لمن يقدم له الدعم والتمويل.

ومن ناحيته، عرض عمرو عبدالعاطي، الباحث بوحدة الدراسات الأمريكية، التقرير السنوي الأمريكي الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول ملف الإرهاب والذي يقدم إلى الكونجرس، كاشفًا عن تخوف الولايات المتحدة من إمكانية امتلاك التنظيمات الارهابية لاسلحة بيولوجية وأسلحة دمار شامل.

وقال إن التقرير ذكر عددًا من الدول باعتبارها دولًا داعمة للإرهاب وكذلك ذكر المناطق الامنة بالعالم، منبها من أن اليمن ستكون مكانا انتشار التنظيمات بعد تقلصه في الدول العربية.

وأضاف ان التقرير تحدث عن جهود ليبيا والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لعدم جعل ليبيا مكانا لداعش وكذلك ضرورة تشكيل حكومة موحدة باعتبارها الوحيدة القادرة على بسط الأمن، وتحدث التقرير كذلك عن أن الخلافات في المنطقة العربية في إشارة الى قطر تقود عمل التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب.

كما تحدث التقرير عن دور مصر في مواجهة الإرهاب وكونها دولة رائدة في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وركز على دور مصر الإفريقي الذي ركز على قضية الإرهاب مع بداية توليها لرئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي.

كما ابرز التقرير الأمريكي انشاء مصر لمركز جديد بالقاهرة لمكافحة الإرهاب بدول الساحل والصحراء، فضلا عن مبادرات الأزهر الشريف لمراجعة الفكر المتطرف، ودور مركز القاهرة لتسوية المنازعات وحفظ السلام في إفريقيا.