رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية مطربة لقبها عبدالوهاب بــ"الكلوب"

جريدة الدستور

كان محمد عبدالوهاب، مثل كثير من الناس، يظهر تحت الأضواء بشخصية ويعيش حياته فى الظل بشخصية أخرى تحت الأضواء، هو الموسيقار الذى يعيش لفنه ويبدع، وبعيدًا عن العيون كانت له أسراره الشخصية التى ظل يخفيها سنوات وسنوات إلى أن كشفها محمود عوض فى سلسلة مقالاته المعنونة: "محمد عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد" من غير زوجتهــ نهلة القدسيــ كان يُعرف أنه "بيبى"؟، ومن غيرها تعاملت بحكمة وذكاء وتحملت مضايقات معجبات موسيقار الأجيال.

ومن غير عبدالوهاب تجاسر وأطلق لقب "الكلوب" علي الشحرورة صباح؟.. يقول عوض: إن عبدالوهاب هو بالنسبة لنا محمد عبدالوهاب، لكنه بالنسبة لنهلة هو "بيبي" أقولها من جديد ب ي ب ي لا معني ولا شرح ولا تحليل ولا تفسير، مجرد تدليل، التدليل ينتقل الآن إلي التليفون: عبدالوهاب يتحدث: جو؟ مين جو؟ آه أهلا يا حبيبي أهلا.. هي عندك؟ طيب أكلمها وحياتك أهلا.. أهلا بالكلوب، الكلوب بالنسبة لعبدالوهاب هي المطربة صباح".

وتابع: أنا الذي أقول الآن لنهلة إلي أن ينتهي عبدالوهاب من أحضانه التليفونية أقول لها: مالك؟، أبدا من خمس دقايق دق التليفون رديت لقيت واحدة قالت لي: يا سم وقفلت السكة". نهلة تضحك طبعا هي مسألة تستحق الضحك، لأنها ليست أول مرة تتعرض فيها نهلة لمثل هذه المضايقات الآن، ولكنها كانت في قمتها يوم تزوجت نهلة بعبدالوهاب.

نهلة تتذكر: "من أول يوم لي مع عبدالوهاب هنا، كان فيه واحدة ــ معجبةــ معتادة أن تطلب بيبي "عبدالوهاب" كل ليلة علشان يقولها: تصبحي علي خير، وإلا فإنها لا تنام!.. نهلة تشعل سيجارة. وبعدين كان بيبي لا يرد لكن المعجبة تطلبه ثاني وثالث وعاشر وتصمم لازم يقولها: تصبحي علي خير هذا وإلا تنتحر، إنها تقول ذلك ليلة وليلة، سنة علي هذه الحال تصور سنة، اضطرينا بعدها لتغيير نمرة التليفون".

"كانت الألحان والموسيقي هي حياة عبدالوهاب، هي متعته وكل ما يحيا من أجله، وكانت أي لحظة أو ساعة من اليوم تضيع بغير عمل أو دعاية لعمل هي وقت ضائع وغير محسوب"، يتابع محمود عوض، الذي عرفناه كمحلل سياسي حديثه عن عبدالوهاب: "أستطيع أن أقول إن حياة عبدالوهاب، حياته كلها هي سلسلة من المقاطعة المستمرة، إن عبدالوهاب يعمل، وعندما ينشغل بشىء آخر فإنه لا يستأنف العمل، إنه فقط يعمل من جديد. هذا ضروري لفهم شخصية عبدالوهاب، لأنه في خلال خمسين سنة كان كل ما يطلبه من الدنيا هو أن تسمح له بالعمل والغناء والتلحين. لقد ظل كذلك بصفة مستمرة، في الجو الصحو والجو الممطر، في الشارع أو في المنزل أو علي الرصيف، خلال الحروب والثورات والاضطرابات، خلال الجوع واليأس والهجوم والنقد والسخرية، والإذلال والاكتئاب والهزيمة، ثم أخيرا بعد أن حقق جزءًا كبيرًا من أحلامه أصبح يعمل بحماس أكثر مما كان لديه في البداية".

كانت أسرة عبدالوهاب التي نشأ وسطها من أهم المؤثرات في شخصيته وحياته، يتطرق محمود عوض إلي يوميات عبدالوهاب وكيف أخبر الطبيب والده بأنه لن يعيش إلا ساعات قليلة عندما تعرض لنزلة معوية في طفولته: "وعندما أختلي الطبيب بالشيخ عبدالوهاب بعد لحظات قال له الكلمات الحقيقية: هذا الطفل سيموت خلال ساعات، ولأن غدا الجمعة وهو إجازة في الحكومة، فإني أري أن تستخرجوا شهادة وفاة من الآن، معلهش شد حيلك".

وعن والدة عبدالوهاب وأثرها في حياته يواصل "عوض" حديثه: "إن الست فاطمة لا تعلم شيئا عن العالم ولا عن الدنيا، إنها تعلم فقط أن هذا هو بيتها وفي داخل البيت توجد كل دنياها، دنيا من ثلاث حجرات يستأجرها زوجها بأربعين قرشا في الشهر، لكنها بالنسبة للست فاطمة لا يمكن تقديرها بمال، إن أولادها هم زينة هذه الدنيا، وزوجها هو مركزها، إن الشيخ عبدالوهاب هو في رأيها رجل ولا كل الرجال".

وعن الشيخ عبدالوهاب والد موسيقار الأجيال يتابع "عوض": "إن الشيخ عبدالوهاب عند استيقاظه في الفجر يجد كل شيء مرتبًا أمامه، وبعد إفطار بسيط يدخن واحدة من سجائره، ثم ينصرف إلي المسجد، من هناك لا يعود إلا بعد صلاة الظهر، ليتناول غداء لا بد أن يكون "فتة" مرة واحدة في الأسبوع علي الأقل، وبعد ساعتين من النوم يعود الشيخ عبدالوهاب إلي المسجد ليظل هناك حتي صلاة العشاء، عندما تنتهي الصلاة يعود ليتناول وجبته الرئيسية مع الأولاد".

يتجاوز الطفل محمد الأزمة الصحية وفي عمر الخامسة يلتحق بالكتاب: "نراه هناك صباح كل يوم يتلقي مبادئ العلوم، من حفظ القرآن الكريم وبعض دروس اللغة العربية والحساب، وبالرغم من ذلك فإن الصبي الصغير كان تلميذا بليدا وخصوصا في مادة الحساب، إن شيئا في عقله يجعله ينفر من هذه المادة ويمقتها، إنه بعقله غير المحدود يتساءل عن الفائدة من إجبار التلاميذ علي دراسة مواد لا يحبونها، لماذا لا يقوم التعليم علي تشخيص المواهب والاستعداد الطبيعي واختيار العلوم الملائمة لهذه المواهب.

لقد أصبح محمد زبونا مستمرا للفلقة أكثر من غيره من التلاميذ، وكلما شكا لأبيه من ضرب الشيخ عاشور، كان ينال "علقة" أخري من أبيه جزاء الشكوي من المعلم، وهي في نظر أبيه ذنب لا يغتفر، ومهما كانت الأسباب فإن الشيخ عاشور هو دائما علي حق في نظر الشيخ عبدالوهاب عيسي. لهذا أصبح محمد يخفي عقوباته في "الكتاب"عن أبيه حتي لا ينال عقوبات منزلية في المساء تضاف إلي عقوباته المدرسية في الصباح.