رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار رئيس وإرهابيين جدد!


كان من المفترض أن يتم، السبت الماضى، الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الأفغانية، لكن تم تأجيل ذلك إلى أجل غير مسمى، بسبب ما وصفته لجنة الانتخابات بـ«مشكلات فنية». فى حين أرجعت مصادر السبب إلى عدم وصول نتائج بعض اللجان!.
تلك هى رابع انتخابات رئاسية فى البلاد، منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان، فى أكتوبر ٢٠٠١. وفى اثنتين منها «٢٠٠٤ و٢٠٠٩» فاز حامد كرزاى، أما الثالثة «٢٠١٤» ففاز فيها أشرف غنى. لكن قبل إجراء أول انتخابات، تم تعيين كرزاى، فى ديسمبر ٢٠٠١، رئيسًا مؤقتًا لمدة ستة أشهر، تمددت لنحو ثلاث سنوات. ومع ذلك، وصف الرجل إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنها تشبه خوض مريض بالقلب «سباق مسافات طويلة». وفى مقابلة مع شبكة «إيه بى سى» الأمريكية، دعا إلى ضرورة استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
فى مثل هذا الشهر، منذ ١٨ سنة، غزت الولايات المتحدة أفغانستان، وأطاحت بحكم حركة طالبان، وبدأت الحرب التى لم تنته إلى الآن، والتى راح ضحيتها آلاف الجنود والمدنيين، وتجاوزت خسائر الولايات المتحدة فيها التريليون دولار. وأمس الأحد، وصل مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى، إلى العاصمة الأفغانية كابول، فى محاولة لإعادة المفاوضات مع الحركة الإرهابية، التى كانت واشنطن تأمل فى أن تنتهى بتوقيع اتفاق بين الطرفين، على حساب طرف ثالث، ثم أوقفها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الشهر الماضى بشكل مفاجئ.
ما يعطى أفغانستان، الآن، أهمية مضاعفة، أنها صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية الدولية المهزومة، والمحاصرة، فى منطقة الشرق الأوسط. والكلام على عهدة نيكولاى باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى، الذى أكد يوم الجمعة، خلال مشاركته فى اللقاء السنوى لممثلى مجموعة «بريكس» لشئون الأمن، أن الإرهابيين المهزومين فى سوريا والعراق يتم نقلهم حاليًا بنشاط إلى مناطق أخرى، أبرزها أفغانستان.
لدى وصوله إلى كابول، قال وزير الدفاع الأمريكى للصحفيين إن «الهدف ما زال هو التوصل إلى اتفاق سلام فى وقت ما»، معربًا عن أمله فى التوصل إلى اتفاق يحقق الأهداف التى تسعى إليها بلاده. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن جولات المفاوضات التسع، التى انتهت إلى لا شىء، استضافتها الدوحة، وتحملت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة تكاليفها: الإقامة والنقل والمصاريف. بعد أن رفض الكونجرس الأمريكى مقترحًا بإدراجها، مع مبالغ أخرى لقادة «طالبان»، تحت بند دعم أنشطة التسوية، لأن القانون يمنع تقديم دعم مادى للجماعات الإرهابية.
انتخابات الرئاسة الأفغانية جرت فى ٢٨ سبتمبر الماضى، وخاضها ١٨ مرشحًا، لكن المنافسة انحصرت بين أشرف غنى، الرئيس المنتهية ولايته، وعبدالله عبدالله، رئيس السلطة التنفيذية، أو الرئيس التنفيذى لحكومة الوحدة. وقبل أن تنتهى عملية الفرز أعلن الأخير حصوله على غالبية الأصوات. بينما أكد رئيس لجنة الانتخابات أنه «ليس من حق أى مرشح إعلان نفسه فائزًا». والطريف أن عبدالله فعل الشىء نفسه فى انتخابات ٢٠٠٩ و٢٠١٤، قبل أن يتم إعلان خسارته.
ربع عدد الناخبين المسجلين فقط هم من أدلوا بأصواتهم، لأن حركة طالبان رأت أن الانتخابات غير شرعية، وحذرت المواطنين من المشاركة فيها، وحاولت إفسادها بأن هاجمت عددًا من مراكز التصويت فى أنحاء مختلفة من البلاد، لكن الإجراءات الأمنية المكثفة حالت دون وقوع أعمال عنف على نطاق كبير، وبدت حصيلة الهجمات محدودة مقارنة بالانتخابات البرلمانية التى جرت فى ٢٠١٨، إذ قدر تقرير للأمم المتحدة عدد ضحايا الانتخابات الرئاسية بـ٨٥ قتيلًا مدنيًا و٣٧٠ مصابًا، فى يوم التصويت وقبله وبعده.
على ذكر الأمم المتحدة وتقاريرها، فبداية هذا الشهر، أصدرت بعثتها لتقديم المساعدة فى أفغانستان «يوناما» تقريرًا ذكرت فيه أن ٤٦ ألف مدنى لقوا مصرعهم منذ يناير ٢٠٠٩ إلى يونيو ٢٠١٩. وأن «نحو ٢٠ مليون طفل استيقظوا يوميًا وهم ينتابهم الخوف من الأعيرة النارية أو القنابل أو القتل، أو من أن يتعرضوا للتشويه فى شوارعهم أو مدارسهم أو منازلهم». كما ذكر التقرير أن هناك «١٢٥٠٠ طفل تعرضوا للتشويه بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٨، ونحو ٣.٧ مليون طفل تسربوا من التعليم، بينما يحتاج حوالى ٣.٨ مليون طفل إلى مساعدات إنسانية».
فى انتظار الإعلان عن رئيسها الجديد، تنتظر أفغانستان، أيضًا، سقوط مزيد من الضحايا، ووصول إرهابيين جدد، يضافون إلى إرهابيى طالبان والقاعدة الذين اكتسبوا مهاراتهم القتالية خلال مشاركتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى السابق، التى دعمتهم فيها الولايات المتحدة بالتدريب والتمويل والسلاح، قبل أن تحدث تقلبات وتظهر مستجدات، تطلبت استحداث تنظيمات جديدة كـ«داعش» وغيره من التنظيمات الشبيهة التى خرجت من رحم الجماعة العميلة الأم: جماعة الإخوان غير المسلمين.