رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"البناءون 3".. العاملون فى "محور ترعة الزمر": تحدينا ٨ ساعات حر يوميًا

محور ترعة الزمر
محور ترعة الزمر

عند دقات الثامنة صباحًا، يتحول شارع «ترعة الزمر»، المتفرع من شارع الهرم، إلى «خلية نحل» لا تتوقف عن العمل لما يزيد على ٨ ساعات يوميًا، لتنفيذ أول محور مرورى حر يربط بين شمال وجنوب الجيزة بطول ١٢ كم، بتكلفة تقديرية ٣.٨ مليار جنيه، وهو محور ترعة الزمر. مئات من العمال والمهندسين هنا، والعديد من الشركات الكبرى فى مجال المقاولات، تحدوا جميعًا منذ بدأوا العمل، أواخر يونيو الماضى، حرارة الشمس فى أشد أشهر فصل الصيف صعوبة، وتغلبوا على أزمة وقوع المشروع فى منطقة مأهولة بالسكان، ويواصلون العمل حاليًا لتسليم المشروع فى الوقت المحدد. فى السطور التالية، يقتطع هؤلاء العمال والمهندسون جزءًا من أوقاتهم الثمينة للحديث معنا فى «الدستور» عن تجربتهم فى تنفيذ المشروع، وطبيعة عمل كل منهم، وأهم الصعوبات التى واجهوها.



يسرى: الأهالى متقبلون إزعاج المعدات.. وإبراهيم: أجرينا عدة تحويلات لتفادى العمارات السكنية
وسط آلات الحفر الضخمة والأتربة المتصاعدة من العمل المتواصل الذى يبدأ فى الثامنة من صباح كل يوم، وقف يسرى محمد، عامل متخصص فى السلامة والصحة المهنية بالمشروع، ليضع لافتات إرشادية للعمال، كجزء من مهمته المتعلقة بالأمن الصناعى.
«يسرى»، الذى بدأ العمل فى هذا المشروع منذ ٣ أشهر ونصف الشهر، مع شركة «المقاولون العرب»، المسئولة عن التنفيذ بالتعاون مع شركة مقاولات أخرى- يستهدف عمله الحفاظ على صحة وسلامة الأفراد العاملين فى المشروع، من عمال ومهندسين، وتجنب حدوث تلفيات فى المعدات والمنشآت، عن طريق المساهمة فى توفير بيئة عمل آمنة للجميع.
ويوضح تلك المهمة بقوله: «تتحقق مهمة إخصائى السلامة والصحة المهنية باتباع مجموعة من المعايير لحماية العاملين من الحوادث المحتملة التى قد تُسبب إصابات لهم، والحفاظ على مقـومات العنصر المادى، المتمثل فى المنشآت وما تحتويه من أجهزة ومعدات، من التلف والضياع نتيجة تلك الحوادث، ومنها وضع لافتات إرشادية وسور حديدى حول المشروع».
لكن نظرًا لوجود المشروع فى أحد أهم شوارع منطقة الهرم، لم يُغلق بشكل كامل، كما هو متبع فى العديد من المشروعات المماثلة، لكن تم إغلاق جزء منه، وبما لا يسبب أى إزعاج لسكان المنطقة، وفق «يسرى».
ويتابع: «العمل فى المشروعات القومية الكبرى فخر لأى عامل، لأنها تخدم آلافًا من المواطنين»، مشيدًا بتعامل أهالى المنطقة، ودورهم الكبير فى تسهيل مهمات العاملين، بعدما دفعتهم فرحتهم ببناء محور جديد يسهل عليهم الانتقالات إلى زيادة تقديرهم للعمال والمهندسين، وتقبلهم الإزعاج الذى تتسبب فيه آلات الحفر. وفى منطقة قريبة، وقف إبراهيم عبدالله، إخصائى مسح الأراضى، على بعد ٢٠ مترًا أمام جهاز «المزواة» الذى يساعده فى تحديد الزوايا والأبعاد التى تساعد المهندسين والعمال فى تنفيذ المحور الجديد. سألناه عما يفعله بالتحديد فأجاب: «التخطيط والتنفيذ للمحور يتطلب إجراء عملية مسح فى البداية، لتحديد وقياس وتمثيل الأرض والأجسام بأبعادها الثلاثية والنقاط والمسارات المختلفة فى ميدان العمل، بالإضافة إلى تجميع وتفسير المعلومات المرتبطة بالأرض وجغرافيتها، واستخدامها فى التخطيط والإدارة الفعّالة لليابسة والبحر».
وبين «عبدالله» أكثر: «دورنا يبدأ قبل شهور من تنفيذ المشروع على أرض الواقع، وعلى أساس أعمال المساحة التى حددتها أنا وزملائى، يبدأ المهندسون والعمال أعمال الحفر»، موضحًا أن عمل إخصائيى المساحة فى محور ترعة الزمر بدأ قبل ٧ أشهر كاملة، فى حين نزل العمال والمهندسون إلى المشروع منذ ٤ أشهر فقط». وواجه إخصائى مسح الأراضى، وزملاؤه والمهندسون والعاملون، العديد من التحديات منذ بدأوا فى تنفيذ المشروع، كان فى مقدمتها وأصعبها وقوعه فى منطقة مأهولة بعدد كبير جدًا من السكان، وهو ما اضطرهم إلى إجراء عدة تحويلات وتعديلات فى مسار المحور، حتى يتفادوا العمارات السكنية التى تقف فى ذلك المسار.


الصعيدى أشرف: «الخرسانة لعبتى».. وفرد أمن ستينى: العمر مجرد رقم.. والمشاركة شرف كبير

وضع الرمل والأسمنت وكمية محددة من الحصى والمياه فى السيارة المخصصة لخلط الخرسانة، ثم الوقوف بجوارها فترة قصيرة، والبدء بعدها فى صب الخليط داخل الحفر التى حدد موقعها من قبله عامل «المسلح».. مشهد معتاد لأى عامل خرسانة، لكن الهمة التى انتابت أشرف حمدى وهو يؤدى تلك المهمة تشير إلى حبه لما يفعله، وخبرته الكبيرة فيه.
«حمدى»، الذى جاء من صعيد مصر إلى القاهرة مع بدء تنفيذ مشروع محور ترعة الزمر، يعيش مع بعض العمال القادمين من محافظات مختلفة، داخل إحدى الشقق السكنية التى وفرتها الشركة التابعين لها، طوال مدة تنفيذ المشروع، ويقول عن عمله: «العمل فى الخرسانة ليس سهلًا ويحتاج إلى قوة جسدية كبيرة، وهو ما يتوافر لدىّ مستفيدًا من عملى فى هذه المهنة منذ كان عمرى ١٢ عامًا، وأنا ابن الـ٢٦ عامًا الآن»، معقبًا وهو يضحك: «الخرسانة لعبتى».
ويضيف: «سأبقى فى القاهرة حتى الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع.. أنجزنا العديد من الأعمال المطلوبة منا فى أرض المشروع، لكن ما زال أمامنا الكثير»، مشيرًا إلى عمله فى عدد كبير من المشروعات القومية الكبرى، ومنها محور روض الفرج، وكوبرى سندوب المعلق، وهما من أكبر مشروعات الكبارى التى نفذتها شركته فى السنوات القليلة الماضية، وفق قوله.
ويختتم: «يشعر أهلى بالفخر، لأننى جزء من مشروع يتحدث عنه المصريون فى جميع أنحاء الجمهورية، وأنا أيضًا لدىّ الشعور ذاته». «دورى لا يقل أهمية عن العمال والمهندسين الموجودين فى الموقع، لكنه يناسب ظروفى الصحية وعمرى الذى تجاوز الستين عامًا».. بهذه الكلمات بدأ حسب يوسف، البالغ ٦٢ عامًا، حديثه عن عمله كفرد أمن فى موقع تنفيذ المحور. ويوضح «يوسف»: «كنت أعمل نجارًا، لكن صحتى لم تعد تتحمل طبيعة هذا العمل، وأحمد الله أننى وجدت من يوظفنى فى هذا العمر»، مشيرًا إلى أن مهمته تتركز فى الحفاظ على الآلات والمعدات الموجودة فى الموقع، مع تقسيم فترات العمل بينه وبين أحد زملائه الذى يستلم منه الموقع ليلًا. ويضيف: «مشاركتى فى تنفيذ مشروع بحجم المحور الجديد شرف لى، لأننى تحديت الجميع لأثبت أننى ما زلت قادرًا على العطاء، وأن العمر مجرد رقم.. طوال فترة تجنيدى فى الجيش تعلمت أن العطاء ليس له عمر، لذا حرصت على الحصول على عمل رغم أننى تعديت الـ٦٠ من عمرى».
من تجنيده فى الجيش تعلم «يوسف» أيضًا الالتزام بمواعيده، لذا يحضر إلى الموقع فى الثامنة صباحًا، ويظل هناك حتى انتهاء فترة عمله، مختتمًا بقوله: «عملت كفرد أمن فى العديد من مشروعات الإسكان، فى مايو وأكتوبر، لكن هذه المرة الأولى التى أشارك فى حراسة مشروع خاص بالطرق».




مشرف: عازمون على إنهائه فى موعده.. ومدير تنفيذى: أعمالنا تلقى إشادات على المستوى الدولى
شهد المشروع تنفيذ جزء كبير من أعمال الحفر والخرسانة، وفق عبدالرحمن عمرو، مشرف تنفيذ، الذى يوضح أن عمله يتركز فى توزيع مهام العمل بين عمال الحفر والنجارة واللحام، ومراقبة أداء كل عامل دوره بمنتهى الدقة، حتى الوصول إلى نتيجة مرضية فى الوقت المحدد.
ويشير إلى تحدى العمال كثيرًا من الظروف البيئية الصعبة، لتنفيذ المشروع وسط كتلة سكنية ضخمة، وتحت الحرارة المباشرة للشمس فى أكثر أوقات العام ارتفاعًا فى درجة الحرارة، مضيفًا: «العمال كان لديهم شغف للانتهاء من المشروع فى وقته». ويتابع: «مشروع محور ترعة الزمر من أضخم مشروعات الطرق التى يتم تنفيذها حاليًا، ونشعر بأهمية عملنا عندما نراه يكبر أمامنا، ويتحول من أرض فراغ إلى محور ضخم يخدم الآلاف من سكان المنطقة». فى الصباح يذهب كل عامل إلى موقعه لأداء عمله، كما حدده «عبدالرحمن»، لكن ملاحظة العمال وكيف يؤدون العمل، ومواعيد حضورهم وانصرافهم، هى مهمة رئيس العمال، محمد عبدالعليم، رئيس عمال فى إحدى شركات المقاولات العاملة فى تنفيذ المحور، الذى يوضح ذلك بقوله: «دورى يتلخص فى توزيع مهام العمل على العمال الموجودين فى الموقع، والإشراف عليهم للتأكد من إتمامهم العمل دون تكاسل أو استهتار». ويضيف: «رغم المشكلات التى تواجه العمال خلال فترة عملهم، والشمس الحارقة التى تظل فوق رءوسهم قرابة ٨ ساعات يوميًا، فإنهم يعملون بكد للانتهاء من المشروع»، متابعًا: «فى مثل هذه المشروعات التى تلقى اهتمامًا كبيرًا، يكون لدى العمال شغف للمشاركة بها، لذا أغلب الفضل فى التنفيذ يعود إلى هؤلاء العمال». ويرى المهندس أحمد، مدير تنفيذى بالمشروع، أن المشاركة فى مشروع قومى ضخم يختلف عن المشروعات العادية، لأنها تخدم شريحة أكبر، ويكون رد الفعل عليها أوسع، ويقول: «شاركت فى عدة مشروعات قومية، أبرزها محور روض الفرج، وعندما أشاهد فرحة المواطنين به أشعر بالفخر، لأننى كنت جزءًا من هذا المشروع العظيم، وهذا نفس إحساسى الآن». ويضيف: «بدأنا فى تنفيذ المشروع منذ ما يقرب من ٤ أشهر، ونعمل طوال الوقت للانتهاء منه فى أسرع وقت»، مشيرًا إلى تنفيذه، مع الشركة التى يعمل بها، العديد من الكبارى الضخمة، التى لاقت استحسانًا كبيرًا، ليس على المستوى المحلى فقط، ولكن دوليًا، مثلما كان محور روض الفرج، الذى تم تسجيله فى موسوعة جينيس، كما يعمل حاليًا فى مشروع كوبرى الجلاء، بجانب محور ترعة الزمر.

المشروع يربط جنوب وشمال الجيزة.. يحل أزمة المرور بالمحافظة.. وتكلفته الإجمالية تصلى إلى 3.8 مليار جنيه

يستهدف تنفيذ محور ترعة الزمر «محور الملك سلمان» حل العديد من المشكلات المرورية فى المحافظة، عبر ربط مناطق الشمال والجنوب، وإعادة توزيع الحركة المرورية لتخفيف الاختناقات المرورية الحالية بميدان الجيزة، ومحور ٢٦ يوليو، ومحور صفط اللبن. ويعد أول محور مرورى حر يربط بين شمال وجنوب الجيزة، ويتم حاليًا العمل فى تنفيذ القطاع الأول من المشروع، فى المسافة من دائرى المنيب جنوبًا حتى محور صفط اللبن بطول ٥ كم، وتم تقسيم القطاع الأول إلى ٣ أجزاء للعمل بالتوازى بطول هذا القطاع الذى يشكل رابطًا بين دائرى المنيب، وشوارع «مستشفى الصدر- خاتم المرسلين- الثلاثينى- الهرم- فيصل»، ومحور صفط اللبن، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذ هذا القطاع خلال عام. ويقع المحور المرورى الجديد على المسار المغطى لترعة الزمر فى المسافة بين القوس الجنوبى للطريق الدائرى بالقرب من ميدان المنيب، والقوس الشمالى للطريق الدائرى بمنطقة إمبابة بطول ١٢ كم، وتبلغ تكلفته التقديرية ٣.٨ مليار جنيه. ويتقاطع المحور مع كل من: «شارع مستشفى الصدر- شارع الثلاثينى-شارع خاتم المرسلين- شارع الهرم-شارع فيصل-محور صفط اللبن- شارع جامعة الدول العربية - شارع ناهيا- محور ٢٦ يوليو- شارع مطار إمبابة». ويتضمن المشروع إنشاء محور حر فى اتجاهين بعرض ٣- ٤ حارات مرورية فى كل اتجاه، بالإضافة إلى تطوير الطريق السطحى لخدمة الحركة المرورية للأهالى بالمناطق التى يمر بها المشروع، وبعرض ٢- ٣ حارات مرورية فى كل اتجاه، بجانب إنشاء تقاطعات حرة للربط مع الطريق الدائرى والشوارع والمحاور المرورية الرئيسية المُتقاطع معها، ويعتبر استكمالًا لطريق دائرى حول مدينة الجيزة بالتكامل مع محور المريوطية والقوس الغربى من الطريق الدائرى.
ويوفر المحور مداخل جديدة لمدينة الجيزة، التى تعانى من قلة مداخل الربط مع القاهرة، ما يقلل زمن الرحلات وأزمنة التأخير للحركة المرورية بين المحافظتين، كما يشكل طريقًا دائريًا حول محافظة القاهرة يقلل الوقت والمسافة من استخدام القوس الغربى للطريق الدائرى، ويوفر نصف مسافة الرحلة بين شمال وجنوب الطريق الدائرى باستغلال القوس الغربى للطريق الدائرى، ما يوفر استهلاك الوقود وتقليل وقت الرحلات وخفض التلوث. ويتم تنفيذ مشروع محور ترعة الزمر، لأول مرة فى مصر، باستخدام طرق خرسانية، بدلًا من الطرق الأسفلتية، لأن الخرسانة ذات قوة تحمل عالية، ويعد من المحاور الحرة وضع تصميمه أكبر مكاتب الاستشارات الهندسية، بمساعدة أكبر مصممين فى مصر، وينفذ المشروع عدد من شركات المقاولات الكبرى ذات الخبرة العالمية، مثل «المقاولون العرب» و«السعداء».