رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاشور: نحتاج إلى تجلية سلوك الفقهاء في إدارة الخلاف بين المذاهب

الدكتور مجدي عاشور
الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي

أكد الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لفضيلة مفتي الجمهورية أن العالم الإسلامي في حاجة إلى تجلية المناهج والآداب التي قررها الفقهاء الكبار والسلف الصالح في إدارة الاختلاف الفقهي فيما بينهم نظرًا وعملًا؛ حيث أصبح الاختلاف في العصر الحاضر شقاقًا وتجريحًا وتشريحًا، جراء انحسار تلك المناهج والآداب السامية عن واقع الأمة.

وقال مستشار مفتي الجمهورية، في بحث له تحت عنوان "منهجية المذاهب الفقهية في إدارة الخلاف الفقهي" قدمه إلى مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد بالقاهرة في الفترة من 15 - 16 أكتوبر الجاري بعنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي" إن غياب الآداب التي قررها السلف الصالح والفقهاء الأكابر في إدارة الخلاف الفقهي تسبب في تلاشي الفرق بين الثوابت والمتغيرات أو عدم إدراك مساحة كلٍّ منهما في الشرع في الوعي الشائع لدى كثيرين، ما أنتج فريقين متطرفين متضادين: أحدهما: لا يعترف بثوابت ويريد كل شيء قابل للتغيير ولو كان في الاعتقاد والمبادئ ومنظومة الأخلاق والقِيَم، والثاني: يُضَيِّق على الناس دينهم ودنياهم بإدراج جُلِّ ما ورد في الشرع تحت الثوابت حيث الرأي الواحد، وهو رأيه وقراره غالبًا، ومن ثَمَّ فمن خالفه فهو آثم أو فاسق أو مبتدع، وقد يكفِّره بعضهم ويستحل دمه.

وأضاف قائلًا: إنها لمحة طيبة من القائمين على هذا المؤتمر المبارك في الدخول إلى هذه المناطق الشائكة والملتهبة من خلال استنفار همم العلماء والباحثين إلى استخراج المناهج والأنماط التي قررها العلماء على تنوع مدارسهم الفقهية في ضبط عمليتي الاجتهاد والتقليد، وكذا في إدارة الخلاف الفقهي في المسائل التي لم يتفقوا حولها، ما يسهم مساهمة كبيرة في تحقيق الاستقرار في المجتمعات المعاصرة وتوفير مناخ علمي بين المدارس المختلفة، واستجلاء الواقع الحضاري الذي كان يعيشه سلف هذه الأمة في التكامل بين الآراء المختلفة واستثمارها في التوسعة على الخلق والرحمة بهم.

وتابع مستشار المفتي قائلا: وتتضح من خلال هذه المباحث بموضوعاتها السابقة الأطر العامة لمفهوم "إدارة الخلاف الفقهي" وسماته وضوابطه، كما تظهر المناهج المنضبطة والإجراءات الحكيمة التي وضعها أئمة الأمة الأكابر بشأن التعامل مع المسائل الفقهية التي لم يتفق عليها في شتى المجالات من أجل توجيه هذا الخلاف الهائل بمسائله والمتنوع بآرائه إلى أن يكونَ اختلاف تكامل وتنوع وتعدد وإثراء، وليس اختلاف تناقض وصراع وعنف وإراقة دماء، ومن ثَمَّ بنوا الإنسان وعمروا الأرض وصنعوا الحضارة وأطاعوا الله ورسوله فرضى الله عنهم ورسوله الأمين صلى الله عليه وسلم وكانوا محل تبجيل واحترام وثناء على لسان الأمة جيلا بعد جيل!

وقال مستشار المفتي إن الوقوف على هذه القواعد والعمل بها سمات حضارية تساعد العلماء المتخصصين في التعامل واقع الأمة المعاصر؛ حيث نشأ عن غياب ذلك جماعات التطرف والإرهاب والتيارات المتشددة التي تُضَيِّق على الناس دينهم ودنياهم بإدراج جُلِّ ما ورد في الشرع تحت الثوابت وإلزام الكافة بمذهب واحد، ومن ثَمَّ فمن خالفهم فهو آثم أو فاسق أو مبتدع، وقد يكفّر بعضهم ويستحل دمه، وهذا شيء من الواقع الذي يكتوي العالَمُ بناره الآن، بين أناس لا يريدون دِينًا يُرَسِّخ القيم ويحافظ عليها، وآخرين يُنَفِّرون البشر من الدِّين الحنيف ومن مُرْسِلِه وهو الله تعالى الرحمن الرحيم ومن المُرْسَل به وهو رحمة الله للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.