رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبلة

جريدة الدستور


«اتصل بى للأهمية.. عبلة»، هذا ما قرأته فى هاتفى المحمول، ظهر اليوم، وبفحص رقم المرسل وجدته رقم هاتف محمول مصرى، اتصلت بالرقم، فإذا بصوتها الدافئ، الذى عهدته، وبعد بداية تقليدية لمكالمة تليفونية، أبديت لها استغرابى برسالتها، ما الذى دعاها اليوم للاتصال؟.. قالت: اليوم عيد زواجى الثالث.. قلت: هل تزوجت؟ قالت: نعم، تزوجت بعد أن تركتنى بعشرة أيام.. ألم تقل لى إننى مبالغة فى أمر فراقنا، وأن الأيام ستمحو من قلوبنا أى عاطفة، ضحكت قائلًا: أنا قلت الأيام، وكنت أقصد بها السنين، أما أن تتزوجى بعد عشرة أيام فقط من رحيلى.. عمومًا ألف مبروك، فليس للعشق عدة، قالت: تزوجت ونسيت وعشت مع رجل يشبهك فى كل شىء.. جسمه الطويل، وشعره الأسود الناعم.. وعقله المشتعل دومًا بالفكر.. ثمة اختلاف بسيط بينك وبينه.. إنه رجل غير أنانى، قلت لها بصوت ضعيف النبرة مغيرًا الموضوع: وهل أنجبت؟ قالت: نعم، بنتًا، وسميتها «بسنت»، كما كنت تود أن تسمى ابنتنا أيام وعودك لى بالزواج.. وعلى فكرة شعر بسنت كثير التموج كشعرى، وكثيرًا ما تداعب أصابعى موجات شعرها، وأمازحها قائلة نفس ما كنت تقوله لى: «الموج الأزرق فى شعرك ينادينى نحو الأعمق».. لكنها لم تكن تضحك كما كنت أضحك وأنا بين يديك، فهى لا تعرف نزار ولا عبدالحليم، ولا تعرفك أنت.
فكرت فى أن أغير الموضوع، فسبقتنى هى هذه المرة قائلة: هل تزور مصر؟ قلت لها: لم أسافر إلى مصر منذ وداعنا الأخير.. ولم تتزوج؟ قلت: مؤكد لم أتزوج، قالت: لماذا؟ قلت لها: لأن وداعنا كان درسًا قلب موازين عمرى.. ولم ينبض قلبى من يومها لامرأة غيرك.. ليس كله من باب الوفاء لك، إنما خوفًا من أن تنتهى علاقة أخرى بما انتهت إليه علاقتنا.. لقد فضحت علاقتى بك أنانيتى المفرطة وحبى لذاتى.. وأصبح لك عندى رصيدان: الرصيد الأول أنك عبلة، والثانى أنك سبب تطهير نفسى من نرجسيتها المجنحة، قالت: ولماذا لم تتصل بى؟ قلت لها: لم يكن عندك يومها هاتف محمول، واتصلت برقم البيت فوجدته مرفوعًا من الخدمة.. قالت: صحيح، لقد قامت أمى بتغيير الرقم بعد إلحاح شديد منى.. قلت لها: وماذا سيفيد اتصالى وقد تزوجت بعد عشرة أيام من فراقنا؟ قالت: أنا موجودة اليوم فى بيت أمى، وبطارية هاتفى المحمول توشك على الانتهاء، كلمنى على رقم بيت ماما «٠٠٢٠٤٧٠٠٠٠٠١»، وإذا ردت عليك ماما قل لها: أعطينى «أم بسنت».. اتصلت على الرقم، وقد صدق توقعها، حيث ردت على أمها، قلت لها بعد التحية: ممكن تعطينى «أم بسنت»، قالت وقد ارتبك صوتها: من تقصد بأم «بسنت»؟ قلت لها: أقصد مدام عبلة.. قالت: اليوم ذكرى وفاتها الثالثة يا بنى.. وقد ماتت دون زواج....!!!