رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: اتفضلوا فى الصالون

أميرة ملش
أميرة ملش



تابعت الجزء الثالث من مسلسل نصيبى وقسمتك.. المسلسل الذى يكتبه عمرو محمود ياسين فى جزءيه الأول والثانى كان جيدًا وحقق شهرة واسعة.. والجزء الثالث بدأ بحلقات خمس عن قصة تسمى «اتفضلوا فى الصالون» بطولة هنا شيحة.. حيث يتكون المسلسل من قصص مختلفة كل قصة خمس حلقات.. ولكن بصراحة صدمتنى الفكرة المطروحة، وهى فكرة بائسة عن الفتاة الشابة الجميلة التى ترفض عرسان كتير وفى الآخر لم تتزوج، وتعيش وتموت بمفردها على طريقة «خطبوها اتعززت وتركوها اتندمت».. تم طرح الفكرة بسذاجة شديدة وسطحية، حيث لم يعد هذا ممكنًا هذه الأيام.
لذلك كانت لى عدة ملاحظات على هذه القصة، أولًا: تناول الكاتب القصة على طريقة جدتى، فقد جعل من الفتاة شخصية تافهة لا يشغلها شىء سوى الزواج فقط، لا يشغلها علم ودراسة، أو عمل ومستقبل مهنى، ولم يشغلها استقلال مادى وبناء شخصيتها واعتمادها على نفسها حتى ولو كانت من أسرة ثرية.. فهى نموذج سلبى للفتاة المصرية التى تلخص حياتها كلها وأهدافها فى الفوز بزوج فقط.. لا تفعل شيئًا ولا تفكر بشىء غير الحصول على الزوج فهو كل طموحها، صحيح أن هذا النموذج موجود ولكنه قليل، وقد يوجد أكثر فى الريف والأقاليم، وليس فتيات المدن اللاتى حصلن على قسط وافر من التعليم والتحضر يجعلهن يفكرن فى المستقبل بطموح فى تحقيق الذات، عن طريق العمل والتطور، وليس همهم الأول والأخير هو الزواج فقط.
ثانيًا: أسباب رفض الفتاة خُطابها مرة علشان خطيبها يريد الاحتفاظ بالكلب، ومرة لأنه عنده فوبيا من الطيارات، ومرة لأنه غيور، ومرة لأن لديه صداقات كثيرة مع الفتيات بحكم عمله فى الجيم.. ما هذه الأسباب التافهة؟! فلم ترفضهم لأن أحدهم نصاب أو سيئ السمعة أو فاشل، أو لأن أحدهم بخيل ويريد منها أن تنفق عليه، أو خائن أو عنيف، أو اكتشفت أن واحدًا منهم يعمل تاجر مخدرات أو زعيم عصابة أو قوادًا وسينفق عليها من الحرام.. أسباب الرفض التى طرحها الكاتب كانت غريبة جدًا وغير واقعية.
ثالثًا: ما هذه القسوة فى الطرح، كيف يكتب مسلسل بهذه المباشرة والقسوة والبشاعة فى بلد به ارتفاع فى نسبة العنوسة لأسباب كثيرة على رأسها الفقر، كم فتاة فى مصر الآن والدول العربية فى الثلاثينات والأربعينات من العمر ولم تتزوج لأسباب خارجة عن إرادتها، لتشاهد مصيرها نفس مصير البطلة التى قالت لها خالتها «هتبصى فى المراية تشوفى نفسك قرد».. ثم ينتهى المسلسل بمشهد بائس للغاية ومرعب حيث البطلة وهى تطفئ شموع عيد ميلادها الخمسين وقد طال الشيب رأسها، وهى تعيش وحيدة بعد أن مات أهلها جميعًا.
منذ أعوام تناولت أعمال أخرى فكرة العنوسة وتأخر سن الزواج، ولكن بمنطق وعقلانية وثقافة مثل «عايزه أتجوز» لهند صبرى، و«نعم ما زلت آنسة»، الذى قامت ببطولته الفنانة إلهام شاهين، ولكنها أعمال ناقشت العنوسة بمنطق أن الفتاة متعلمة وعاملة وتشغل مركزًا مرموقًا، لم تتزوج لأنها لم تجد العريس المناسب، والنهاية كانت إيجابية حيث تزوجت فى النهاية، ولكن بالرجل الذى يصلح لهن، وليس أى رجل والسلام لمجرد أنها تتزوج فقط.. ولكن فى «نصيبى وقسمتك» فإن الطرح كان بشكل غشيم وبصورة قاتمة. فكيف لم يدرك المؤلف أن الزمن تغير والظروف أيضًا، والفتاة الآن أصبح لديها طموح فى أشياء كثيرة تجعل من الزواج آخر همها، والغريب أنه جاء بنموذج فتاة ثرية ومن مستوى اجتماعى مرموق، والدتها وزيرة ووالدها مستشار، حيث تعيش فى فيلا بكمبوند الأثرياء وتمتلك سيارة فارهة والفتاة نفسها جميلة جدًا، ولكنها تختصر كل حياتها فى الحصول على عريس، لا تعمل ولا تشغل نفسها بشىء آخر، ليس لها هدف أو طموح وأمها وخالتها توجهان إليها النصائح بضرورة الزواج وليس بضرورة العمل مثلًا، خاصة أن أمها وزيرة، وإلا سينتظرها مصير خالتها البائس بأن تعيش وتموت وحيدة وتشوف نفسها قرد فى المراية، فكان أولى بأسرة مثقفة مثل هذه أن تشجع ابنتها على العمل وتحقيق الذات والطموح المهنى وليس الفوز بعريس فقط.. فإن الحياة بها أشياء كثيرة الآن أهم من الزواج وتكوين أسرة، أعرف فتيات كثيرات لا تشغلهن فكرة السن والعمر وضرورة الزواج، لأن حياتهن ثرية بما يرضيهن ويسعدهن، فالأهم أن يكون الإنسان سعيدًا بحياته أيًا كانت هذه الحياة، العمل يحقق السعادة، والمال يحقق السعادة، والحرية والانطلاق والسفر تحقق السعادة، والعلم والثقافة والنجاح تحقق السعادة، ومحيط الإنسان أيضًا يحقق السعادة مثل الإحاطة بالأهل والأصدقاء والأحباب، أكلة حلوة تحقق السعادة، اقتناء شىء نريده حتى ولو كان بسيطًا، وكذلك الحب والزواج والأطفال تحقق السعادة.. فلا يوجد قانون ليكون الإنسان سعيدًا، مصادر السعادة كثيرة، ومن يلخص حياته فى ترتيب وشىء بعينه إذا لم يحققه يشعر بالفشل أو يكون تعيسًا، فهو إنسان ضعيف وبائس وجاهل، ويضيع عمره هباء.
فمن أنجب فتاة فليشجعها على النجاح فى العلم والدراسة والعمل والسفر والثقافة ومعرفة الناس وتحقيق ذاتها وإثبات وجودها، يشجعها على أن يكون لها كيانها وشخصيتها المستقلة، وألا تتزوج إلا إذا وجدت الشخص المناسب الذى يصلح لأن تعيش معه، الذى يملأ قلبها وعقلها، من يتوافق معها ثقافيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، وإذا لم تجده فعليها ألا تتزوج أبدًا، لا تتزوج لمجرد الزواج ولكن تتزوج لأنها تريد أن تعيش بجانب هذا الشخص وأن تكمل معه حياتها.. وإلا فإنها ستعيش تعيسة وفاشلة طوال حياتها.