رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدى عبدالتواب يكتب: عش وكأنك "مصطفى فهمى"

حمدى عبدالتواب يكتب
حمدى عبدالتواب يكتب

أقف مشدوها مدققا في تفاصيل الصورة الصادمة.. كل مكوناتها مخالفة لما تربيت عليه من عادات وسلوكيات محافظة، فالرجل السبعيني وقد زين الشيب رأسه يجلس مبتسما بجانب زوجته الفاتنة، مرتديا قميصه المزركش، وكأنه ابن العشرين.. أصمت برهة، وأعيد النظر للصورة مدققا فى تفاصيلها فلا أجد إلا تلك الابتسامة المشرقة، أشعر بغصة فكثير من أقراني لم يحظوا بها طوال عمرهم الذي لم يتجاوز مرحلة الشباب.. فأتيقن أنه هو من يقف في جانب الحق، أنه استطاع حقا أن يعيش حياته كما يريد وتركنا نحن للتنظير حول فلسفة الحياة، ومعنى السعادة وغيرها من المصطلحات التي لم نذق منها ولو رشفة.
جدل مستعر بين متابعي الفنان مصطفى فهمي، ما بين من يراه نموذجا يجب اتباعه للظفر بالحياة، وبين حاسد يرى أنه غنم من الدنيا أكثر مما يستحق إلا أن الجميع يقف أمام شخصه، فلربما لأنهم يرونه شجاعا في الإفصاح عن نفسه بجرأة زائدة عن الحد، أو أنهم يشعرون بصدق تصرفاته.. والثاني أقرب للواقع وإن كان لا يخلو من بهارات المصريين.
الحقيقة أن مصطفى فهمي وحتى يكون القول أكثر دقة هو وشقيقه حسين، يمثلان نموذجا نادرا في المجتمع المصري، فالاثنان يمتلكان القدرة على فعل ما يريدان في النور غير عابئين بآراء من حولهما، بل أنك تشعر بصدق تصرفاتهما الخالية من أى تكلف في الفعل أو القول، غير عابئين بكم اللغط المحيط بهما، فكل منا يضعهما على ميزانه الخاص، فمرة نجدهما من ولدا وفى فمهما معلقة ذهب، وأخرى يصنفان كمتصابيين وثالثة تعتبرهما فارسان للشقاوة.
تفسيرات كثيرة لا تخلو من بعض الحقائق وإن كانت مليئة بالكثير من الحقد، لكن يبقى السؤال الكاشف: من منا لا يتمنى أن يكون مصطفى فهمى؟.. والسؤال هنا ليس مقصودا به معيار الوسامة، أو مستوى الثراء، وإنما المراد منه هو من منا لا يتمنى أن يعيش حياته بنفس النهج يتمتع بكل لحظاتها، متجاهلا عيون الناس.. وليكن السؤال أكثر جرأة وهو من منا يستطيع أن يظهر على حقيقته أمام الناس؟.
حتى يكون الأمر مكتملا فأننى أدرك أن ما نراه من حياة الفنان الكبير ليست هى الصورة الكاملة، نعم.. فهناك أمور لا نعرفها بل أنه نفسه لن يسمح لأحد بالولوج إليها.. ولكن يبقى الأصل فى القضية هو قدرته على العيش بوضوح وصدق، وهو الاختبار الأصعب الذى يفشل أغلبنا فى عبوره، بل أننا نرتد عليه بالحجج والمزاعم، للحد الذى نضع فيه مصطفى فهمى فى نفس الخانة التي يقبع فيها أحمد حسن وزوجته زينب.
فى الواقع، فإن مصطفى فهمى وأمثاله يصنفون فى مجتمعات البشر كنموذج للأسوياء القادرين على مواجهة الحياة، واغتنام متعتها بما يملكونه من صدق وشجاعة على المواجهة.. نموذج لشخصيات نجحت فى ألا تكون أحمد وزينب.