رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

1000 ليلة وليلة.. ملهمة الغرب التي يراها العرب خادشة للحياء

جريدة الدستور

في كتابه المعنون بــ"كتب عربية ألهمت العالم" والصادر حديثا عن الهيئة المصرية للكتاب٬ يشير مؤلفه سامح كريم إلي الدور الخالد الذي لعبته الكتب والمؤلفات العربية في تكوين ونهضة أوروبا وغيرها في العصور الوسطي٬ وهو دور واسع المدي عميق الأثر٬ شمل العلوم والصناعات٬ كما شمل الفنون والآداب. ومن أهم تلك الكتب التي أثرت علي الأدب العالمي حديثه وقديمه٬ تأتي حكايات "ألف ليلة وليلة" والتي يذهب "كريم" إلي أنها تلك الحكايات التي امتزج فيها الواقع بالخيال٬ والطبيعي بالغريب٬ والعقلاني بالخارق٬ لم ينشئها كاتب بعينه٬ وإنما أنشأتها الأجيال العربية المتعاقبة لتنتقل من عصر إلي عصر٬ وتطبع مئات المرات بعشرات اللغات٬ وتبقي تراثا خالدا يعترف بفضله أئمة الفكر العالمي٬ فيبعثون بكلماتهم من وراء القرون.

يدلل المؤلف على الأثر البالغ الذي تركته ألف ليلة علي الأدب العالمي٬ من خلال آراء المفكرين والفلاسفة والأدباء الغربيين. فيقول عنها"فولتير": إنه لم يزاول فن القصة إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة 14 مرة.

بينما يؤكد "برناردشو" علي أنه: وضع الإنجيل وألف ليلة في مقدمة الكتب التي أثرت في نفسه وفي إنتاجه الفكري.

الباحث الشهير "هنري وبر" يكتب في مقدمته للحكايات قائلا: عندما نطالع ليالي السمر العربي٬ نتمكن من الإحاطة التامة بالعادات الشرقية. فيما يري المستشرق "جب" بأنه لولا ألف ليلة وليلة ما استطاع "سويفت" أن يسجل رحلات جاليفر٬ ولا ديفو أن يؤلف رواياته.

ويكتب الزعيم الهندي"نهرو" في كتابه "لمحات عن تاريخ العالم" رسالة موجهة إلى ابنته أنديرا غاندي يقول فيها: "ألا تتذكرين بغداد وهارون الرشيد وشهرزاد٬ وقصص ألف ليلة وليلة الممتعة."

وفارمر الذي يعتبر من أشهر المؤرخين للموسيقي في أوروبا٬ ينشر كتابا موضوعه الموسيقي في كتاب ألف ليلة. والأدباء الرومانسيون في أوروبا وفي مقدمتهم شاتوبريان ولا مارتين٬ جيراردي وهوجو قد تأثروا في كتاباتهم بأسلوب الحكايات.

وفي أوائل القرن 18 يتسع الاهتمام الأوروبي بالحكايات فتأخذ مجراها عبر الآداب العالمية٬ منذ أن نقلها للفرنسية المستشرق "جالان" فتأثر بها الأدباء الفرنسيون تأثرا عظيما٬ شمل العنوان والمحتوي٬ كما شمل التفصيلات٬ حين أصبحت شهرزاد وشهريار مثالا يحتذي لعدد من الروائيين في اختيار شخصيات رواياتهم.

وفي الأدب الإنجليزي أحدثت قراءة ألف ليلة تغييرات في النقد والإبداع٬ حتي أن "شكسبير" قد تأثر في كتابته لمسرحيتي عطيل وترويض النمرة بالحكايات٬ وكذلك جون راسكين وضع كتابا بعنوان "السمسم والزئبق علي غرار ألف ليلة وليلة.

أما الأدب الألماني فقد تأثر تأثيرا واضحا بالحكايات فيما كتبه الأدباء الألمان٬ وفي مقدمتهم فيلهلم هاوف٬ الذي كتب عددا من القصص يندرج بعضها في إطار القصص الشرقي والآخر في إطار الحكايات الشعبية٬ متتبعا طريقة السرد في ألف ليلة.

وفي الأدب الأمريكي نجد صدى للحكايات الشرقية العربية لدى "لونكفلو" خاصة في قصص "خان بمنعطف الطريق" حيث نلمح أسلوب ألف ليلة بوضوح يدعو للدهشة والعجب لهذا التأثير المباشر.

وعلى النقيض من هذا الاحتفاء والتأثير الذي تركته الليالي على الأدب العالمي٬ نجد أن العرب رأوا حكايات ألف ليلة وليلة خادشة للحياء! يوضح "كريم" مثلت محاكمة ألف ليلة وليلة منذ أكثر من عشرين عاما حدثا مأساويا وخطيرا يثير الإنفعال والمرارة٬ حين يتهم كتاب عمره 1000 عام وله مكانته علي المستويين القومي والعالمي مثل ألف ليلة وليلة بأنه يخدش الحياء ويطالب بالحكم عليه حكما ليس بمصادرة العبارات التي تخدش الحياء أو حتي بمصادرته بأجمعه٬ إنما بالإعدام حرقا في ميدان عام ليكون عبرة وعظة لغيره من الكتب. وحكاية اتهام كتاب ألف ليلة لا تقل في إثارتها عن إثارة حكايات الكتاب نفسه٬ أمرا يجعلها جديرة بأن تضاف إلي حكايات الليالي الواحدة بعد الألف٬ لتكون هي حكاية الليلة الثانية بعد الألف. مكانها إحدي محاكم الآداب إلي جانب غيرها من حكايات الاغتصاب والاختطاف وهتك العرض.

وعن ملابسات اتهام الكتاب بتهمة خدش الحياء العام يقول "كريم": قدم بلاغ لنيابة الآداب عن اكتشاف كتاب يدعي ألف ليلة وليلة٬ يتداوله الناس جهارا نهارا في الأسواق والمنتديات٬ وبالاطلاع علي الكتاب المذكور وجد أنه يتضمن عبارات خادشة للحياء٬ وعلي الفور تصدر النيابة أمرها بضبط النسخ المطبوعة٬ التي تقوم بتوزيعها الدار المصرية اللبنانية بعد استيرادها مطبوعة من الخارج. وفي يوم الأحد الأول من مارس 1989 نظرت قضية الكتاب أمام محكمة الآداب. وأثناء المحاكمة يتلو وكيل النيابة بعض من عبارات الكتاب أمام المحكمة معلقا بأن العبارة الواحدة تكفي ليس بمصادرة الكتاب٬ بل بإعدامه حرقا في ميدان عام. حتي يري الشعب ما يناله المتهمون من عقاب. وبالفعل يطالب بتوقيع أقصي العقاب علي المتهمين ومصادرة الكتاب.