رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأسرة تقتل أحيانًا.. كيف دفع أهل طبيب الأقصر نجلهم إلى الانتحار؟

طبيب الأقصر
طبيب الأقصر

لماذا يقبل الأشخاص على الانتحار؟ أصبح هذا التساؤل محل للجدل حول العالم، للكشف عن أسباب هذه الظاهرة المخيفة التي تتصاعد طرديًا مع التطور والتكنولوجيا، ووفق واحدة من إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن شخص يموت منتحرًا كل 40 ثانية، وفى المقابل لكل شخص منتحر يوجد أكثر من 20 شخصًا أقدموا على محاولة الانتحار.

 

على مدار اليومين الماضيين أفزعت حكاية الدكتور مايكل هلال، الشاب في مقتبل عمره، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قرر في لحظة تصوير نفسه غارقًا وسط بركة من الدماء بعد تقطيع شرايينه، وتصوير هذا المشهد ونشره على الفيسبوك، ولأنه طبيب يعرف جيدًا ما المدة التي تستغرقها وفاة من قام بتقطيع شرايينه، فقال: "بمشرط تالم.. قدامي 4 ساعات".

 

بدأت رحلة البحث حول مايكل الشاب الوسيم الذي لا يبدو عليه ظاهريَا شيء سوى الراحة النفسية، وهو فى الحقيقة عكس ذلك، وتفاعل الجميع مع قصته، سواء المقربون الذين تعاملوا مع الأمر بجدية ومنهم من بقي معه بمستشفى الأقصر لانقاذه، وآخرون لا يعرفونه، دفعتهم القصة للتساؤل: "ما الذي دفعك يا مايكل للإقدام على الانتحار؟".

 

• صغار السن الأكثر اقبالًا على الانتحار.. والأهل المتهم الأول

- "ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه.. وبين أقربائه وفي بيته".. هذه الكلمات قالها السيد المسيح تعبيرًا عن ضعف إيمان المقربون منه، وإشارة بوجود حالات لا يمثل فيها المقربون مصدرًا للأمان بل العكس هو الصحيح؛ المقولة أثبتت صدقها فى العديد من روايات الصغار الذي أقبلوا على الانتحار بدافع انهاء قسوة العنف الذي يتعرضون له، وهو ما حدث أيضا مع مايكل.

 

قادت أسباب البحث عن سبب اتجاه طبيب الأقصر لهذا الحل البائس إلى وجود العديد من الرسائل المكتوبة على حائطه الإلكتروني كلها تشير إلى مصدر واحد للإحباط واليأس فى حياته وهم أقرب الناس إليه "أهل بيته" وبالتحديد أمه وأخيه الأصغر، ووفق المتداول عنه كان السبب هو عدم التقدير والتقليل منه، وعدم شعور أمه وأخيه بما يمر به من اكتئاب وألم، فكتب يقول: "أخويا كل يوم يشتمنى.. مش أقل من ٥ مرات فى اليوم.. وأمى كل يوم تعنفني وتستفزني لحد ما الضغط بتاعى يعلى فوق الـ٢٠٠.. عايزين يقتلوني بأى طريقة بس مش لاقيين طريقة أسهل من كده".

 

وكشف تقرير صادر عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في عام 2017 أن معدل الانتحار بين الفتيات المراهقات تضاعف من عام 2007 إلى عام 2015، وارتفع بنسبة 30% بين الأولاد، حيث انتحر حوالي 5000 شاب تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عامًا في الولايات المتحدة بسبب تصرفات الآباء.

 

• روفيدا ومحمود.. "الأهل" كلمة السر وراء الانتحار

- لم يكن مايكل القصة الوحيدة التي تشير أصابع الاتهام فيها إلى الأهل، فهناك حالة الدكتور الصيدلي محمود باسم كانت فى شهر أغسطس الجارى، والذى وجدت جثته بعد ثلاثة أيام من وفاته تطفو على النيل، والرواية المشهودة هو أنه ألقى بنفسه من أعلى كوبرى دمياط فى النيل بسبب رفض أهله تزويجه من الفتاة التى يحبها.

 

كان الطب الشرعى أكد وقتها أن وفاته نتجت عن اختلال توازنه على الصخور وخبط رأسه فيها، مما أدي إلى عدم ضبط قدرته على التحكم بنفسه، ولكنه كتب منشورًا فى 10 أغسطس فهم منه أنه سوف يقدم على فعل ما وقال: "ربي إنك تعلم أني أحببتها فيك، فاجعلها هديتي في الدنيا يارب العالمين، ياربي إنك تعلم أني قد صنتها من أجلك، فاجعلها لي حورًا في الآخرة يارب يا حليم"، وعلى الرغم من رفض الأهل لهذه الرواية، إلا أن هناك الكثيرون مما ثبت انتحارهم بسبب أقرب أقربائهم".

 

"روفيدا" قصة انتحار أخرى لطالبة فى السابع عشر من عمرها، حيث أنهت حياتها عن طريق شنق نفسها بالإيشارب، بسبب خلافات عائلية مع أهلها، بعد أن منعها والدها من الخروج أو استخدام الهاتف المحمول.

 

ويبلغ عدد المنتحرين سنويًّا 800 ألف منتحر، مع ملاحظة عدم تسجيل كثير من حالات الانتحار؛ لأسباب تتعلق بالثقافة المجتمعية وعدم إفصاح الأهل بأن الوفاة كانت انتحارًا.

 

• قسوة الأوامر تدفع بالعلاقات إلى "الإحباط"

- "عدم تمييز الأهل لشخصيات أبنائهم يقودهم إلى الإحباط" هذا ما أكده الدكتور محمد هانى، استشارى الطب النفسى والعلاقات الأسرية، وقال إن انتحار المراهقين يرجع للعديد من الأسباب المتعلقة بالأهل، والتى تبدأ بعدم قدرتهم على التمييز الجيد للشخصية التى يتعاملون معها، ووضعها فى مقارنات دائمة مع الغير، بل لا يدركون أحيانا مميزاتهم، وكيفية تنمية مهارات أبنائهم، وكل تلك الأمور التى تبدو هينة، تحمل فى باطنها العديد من الأزمات النفسية المركبة التى تحول بين علاقة سليمة بين الابن وعائلته، وتؤدى به للتفكير بأبشع الطرق من أجل التخلص من الدائرة المفروضة عليه بحكم صلة الدم.

 

وأشار "هانى"، إلى أن بعض الآباء يرون الأمور المادية المستقرة التى يتم توفيرها تعنى أن أدوارهم قد اكتملت، بل يعلقون دائما أن تلك التصرفات الهوجائية للأبناء تكون بمحض إرادتهم، ولابد من معاقبتهم عليها، ربما لأن هذا ما كان يحدث معهم فى طفولتهم، ولكن الخطأ الذى لا يتم إدراكه يكمن في أن التكنولوجيا الجديدة سمحت بفكر يختلف كليا عن الماضى، ولذلك فإن التعامل ينبغي أن يختلف عن الماضي.

 

وأضاف أن معظم أولياء الأمور الذين تعرضوا لمشاكل أثناء فترة المراهقة، يتعاملون بقسوة مع أبنائهم، وتترجم الأفعال فى هيئة أوامر كدافع ظاهرى للإصلاح، والتربية بطريقة يحكمها العقل بعيدا عن العاطفة، لكن ما يحدث هو عكس ذلك، فقد يفقد الابن حينها القدرة على الاستمتاع بالحياة، ويعتريه الفشل الذي سيدخله فى أشد موجات الاكتئاب والذي يعتبر من أكثر الأمراض التي تؤدي إلى الانتحار.

 

أشارت العديد من الدراسات الأخرى إلى أن الانتحار من جانب أحد أفراد الأسرة يزيد من خطر الانتحار من بين آخرين داخل نفس الأسرة، كما يمكن للصراعات العائلية المستمرة والإيذاء والعنف، والافتقار إلى الارتباط الأسري، ومشاكل الصحة العقلية للوالدين أن تزيد من خطر الانتحار لدى المراهق، لذلك كان الانتحار هو السبب الثاني الأكثر شيوعًا للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عامًا.

 

كما هناك ما يشير إلى أن الانتحار يعد ثاني أسباب الوفاة للفئة العمرية التي تترواح بين 15 إلى 29 عامًا.

 

• الضغوط وقسوة المقربين.. تشكيلة ما قبل الانتحار

- نشر الأخصائى النفسى، على عبد الراضى، بحثًا له فى الجمعية الأمريكية لعلم النفس أوضح فيه أن الانتحار ينتج عن عدد من الضغوط البيئية والنفسية، والتى تؤدى إلى الإحباط والقلق والتوتر والاكتئاب فيما يطلق عليها " تشكيلة ما قبل الانتحار"، ثم تأتى الخطوة الثانية، وهى أن الشخص المنتحر يضع نفسه مكان الأشخاص المقربين له، فيفكر بمنظورهم، وبالتالى يصيغ خطته المناسبة من أجل التشفى منهم.

 

ويكون هدفه الرئيسى هو التلذذ بما سيخلق لديهم من حالة الشعور بالندم، نتيجة الضرر النفسى والاجتماعى الذى تعرض له منهم، وفى الأغلب يكون هذا الشعور غير حقيقى يرسمه خياله المريض من أجل التماس العذر للفعل الشنيع الذي يقبل عليه.

 

وأضاف عبد الراضى لـ"الدستور" إن ضعف لجوء المجتمعات الشرقية والعربية للطب النفسى خلق حالة من عدم المصداقية، فجعلت دواعى التهديد التى يقبل عليها المنتحرين، وتعامل الأهل معها باستهزاء وسخرية "انت مش هتعمل كده.. هتموت كافر" هى مجرد أدوات تشجيعية تدفعه جديا إلى الانتحار.