رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا كنيسة مسطرد.. حكاية مسلم يدق صلبان لزوار السيدة العذراء

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الحكايات الخاصة بالسيدة العذراء مريم لا تنتهى، فهى فى نظر كثيرين «القبلة التى يتوجه إليها المرضى والمأزومون والحالمون فتشفع لهم عند الله فيحقق لهم مطالبهم»، كما يقول أحد الواقفين على بابها فى الكنيسة الأثرية الشهيرة التى تحمل اسمها فى منطقة مسطرد، ويزورها مئات الألوف سنويًا فى هذه الفترة من كل عام، التى توافق أيام «صوم السيدة العذراء». بدأ الأقباط «صوم السيدة العذراء مريم»، الأربعاء الماضى، وذلك لمدة ١٥ يومًا حتى ٢٢ أغسطس الجارى. «الدستور» زارت كنيسة السيدة مريم العذراء بمسطرد، والتقت الكثير من المسيحيين والمسلمين الذين حملوا آمالهم ودعواتهم إلى «العدرا»، فى المكان الذى شهد، قبل أكثر من ألفى عام، زيارة السيدة مريم وطفلها وهو فى عمر العامين، بجانب يوسف النجار، خلال رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، حيث شربوا واستحموا وغسلوا ثيابهم من البئر الموجودة هناك.

الدعوات مكتوبة.. توزيع أكياس من «المياه المقدسة » مجانًا على الزوار.. و«تعميد » الرضع يوميًا

بعد اجتياز الحاجز الأمنى فى الطريق المؤدى إلى الكنيسة، تجد مدخل حارة تعلوها لافتة زرقاء اللون مكتوب عليها: «كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بمسطرد»، وبجوارها الصورة الشهيرة للعذراء وهى فاتحة ذراعيها بالرداء الأزرق.

وبينما تسير فى تلك الحارة الصغيرة متوجهًا إلى بوابة الكنيسة، تجد على يمينك بائعى الحمص والحلوى، وعلى اليسار رسامى الوشوم والصلبان، وما إن تجتاز البوابة الحديدية للكنيسة حتى تجد نفسك فى فناء، على يمينه مطعم يقدم الطعمية والفول والبطاطس باعتبارها أشهر مأكولات الصوم، وبجواره بائع حمص ومثلجات، فضلًا عن معرض لبيع منتجات لذوى الاحتياجات الخاصة.

وتجد كذلك مكتبة الكنيسة، وعددًا كبيرًا من الزائرين المصطفين فى الفناء الرئيسى، متوجهين إلى مغارة تنزل إليها بدرج صغير حتى تصل لفراغ ضيق يحتوى على صورة السيدة العذراء مريم الملكة، وبجوارها كيس أبيض اللون يحوى أوراقًا مدونًا بها «طلبات» مكتوبة من الزائرين المسيحيين والمسلمين، ممن جاءوا لطلب شفاعة العذراء لتحقيق هذه الطلبات.

وفى الجهة المقابلة، تجد أمامك «البئر المقدسة»، التى لا تنضب أبدًا، وتفور على فترات متقطعة، فتعلو المياه بداخلها ثم تعود إلى منسوبها الطبيعى، وهى مياه لها مذاقها الخاص الذى يختلف تمامًا عن مذاق ماء ترعة الإسماعيلية التى تقع على مسافة ٦٠ مترًا منه. وحول «البئر المقدسة» تجد أطفال الكشافة بالزى الرمادى اللون، يملأون أكياسًا من مياه البئر ويهدونها للزوار. وعند الخروج من بوابة المغارة، وعلى بعد خطوات قليلة توجد «غرفة المعمودية»، التى يتم فيها «تعميد» الأطفال الرضع كل يوم خلال فترة صوم السيدة العذراء مريم، تزامنًا مع إقامة القداس الإلهى، من ٨ حتى ١١ صباحًا.

وبدخول الكنيسة من الباب الغربى، تجد ٣ هياكل، الأوسط بحامل أيقونات يرجع إلى قرابة ٧ قرون، تعلوه أيقونة للعذراء وهى تحمل الطفل يسوع ومحاطة بـ٤ ملائكة، والهيكل القبلى برسم مار جرجس، والبحرى برسم يوحنا المعمدان، موضوع على كلٍ منهما حامل أيقونات، يرجعان إلى قرابة ٦ قرون، وتعلوهما أيقونات مختلفة لتلاميذ المسيح والعشاء الأخير والصلب والقيامة والصعود.

وبجوار الباب داخل الكنيسة، توجد أيقونة كبيرة لـ«العذراء الملكة»، يشعل أمامها الزائرون الشموع ويقفون فى خشوع مصلين وطالبين شفاعتها ومقدمين النذور، وبالجهة الأخرى تجد أيقونة الشهيد مار جرجس.

منصورة: جئت سيرًا من عزبة النخل طلبًا للإنجاب.. وعادل: «بقضى معاها اليوم»



«عندى يقين إنها هتسمعنى وهتراضينى وتدينى طفل».. بهذه العبارة بدأت السيدة الأربعينية «منصورة» حديثها عن السبب الذى دفعها لزيارة كنيسة السيدة العذراء فى مسطرد.

وروت السيدة «منصورة» حكايتها قائلة: «أنا من عزبة النخل، وكل سنة خلال صوم العذراء، آتى سيرًا على الأقدام إلى مسطرد، وذلك لمدة ساعة كاملة أو تزيد، لكى أنذر لها نذرًا وأدعوها أن تعطينى طفلًا». وعن سبب مجيئها سيرًا على الأقدام، قالت: «المجىء إلى هنا بالمواصلات، سواء ميكروباص أو توك توك أو غيره يجعلنا لا نشعر بأخذ البركة من المكان، بعكس المجىء سيرًا على الأقدام».

وبابتسامة عريضة قالت شقيقة «منصورة»، التى كانت تجلس بجوارها على الدرجات فى فناء الكنيسة: «أنا من سوهاج وأعيش فى عزبة النخل، وتلك هى المرة الأولى التى أزور فيها هذا المكان البركة، بصحبة شقيقتى».

وأضافت: «أنا اسمى أم جرجس، ولى ابنان وابنة، وطلبت من العذراء أن تصلى إلى الله كى يرزق ابنتى خريجة الصيدلة بزوج صالح، ترضى عنه وترتاح له، وذلك بعدما رفضت العديد من المتقدمين للزواج منها، على مدى سنوات طويلة، بداعى عدم شعورها بالراحة تجاه أى منهم».

أما عم «عادل عياد»، عامل النظافة الذى يزور الكنيسة، فجاء إلى هنا «محبة فى العذراء.. وعشان يقضى معاها اليوم»، موضحًا: «أنا من الخصوص، وطلعت على المعاش من فترة، ولدىّ ٦ أبناء، وعلى مدى الـ١٥ يومًا من صوم السيدة العذراء مريم، آتى إلى الكنيسة، منذ الصباح الباكر، لأقضى مع السيدة العذراء اليوم ثم أغادر فى المساء».

وأضاف: «خلال زيارتى العذراء مريم، لا أطلب منها سوى أن تصلى لله ليقف معنا ويهب لنا الستر ويقوينا ويكفينا شر الشر.. واللى يقف قدامنا ويعادينا هى تصليلنا.. ربنا موجود».

وفى فناء الكنيسة، جلست السيدة «خيرية»، البالغة من العمر ٦٥ عامًا، وبجوارها عكاز حديدى، وفى مواجهتها تجلس إحدى بناتها، وسط زغاريد وتصفيق مع تراتيل «العذراء» التى تقول: «مريم اسمك غالى عليا» و«مريم اسم جميل».

وقالت السيدة «خيرية»: «أنا من إمبابة، وأزور كنيسة السيدة مريم فى مسطرد مرتين خلال فترة الصوم، فى بداية الصوم وفى آخر أيام الاحتفالات»، موضحة أنه «منذ سنوات طويلة كنت كلما أنجب يموت الطفل، حتى مات ٥ من أطفالى، فجئت إلى العذراء، وطلبت منها أن تصلى من أجل أن يعطينى الله أطفالًا يعيشون، مقابل أن أصوم صوم العذراء على الماء والملح فقط، وأكتفى بالقليل من المأكولات، واليوم لدىّ ولدان و٣ بنات». وأضافت: «لم أكتف بنذرى للعذراء بالماء والملح فقط، بل ظللت كل عام آتى إليها لأقدم إليها نذرًا مختلفًا، وفى زيارتى الأولى سنويًا أقدم لها النذر، وفى الزيارة الثانية آتى لاحتفل معها، ومع أبنائى الذين وهبنى إياهم الله وعاشوا، وأكمل نذورى كى يظلوا بجوارى دون أن يحرمنى منهم».


3 راعى الكنيسة: تشديدات أمنية غير مسبوقة.. وتوزيع لحوم الأضاحى على الفقراء

قال القمص عبدالمسيح بسيط أبوالخير، راعى كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية فى مسطرد، إن الكنيسة يزورها عشرات الآلاف من الزوار خلال أسبوعى الصوم، موضحًا أن «ذروة الزيارة» تكون يوم الأحد، يليه الجمعة، حيث تكون الكنيسة مزدحمة ومملوءة عن آخرها.

وأضاف: «نستقبل كل عام أكثر من ١٠٠٠ حالة تروى لنا ما صنعته السيدة العذراء مريم معها من معجزات»، موضحًا أن الطلب الأكثر ترددًا بين الزائرين هو: الزواج والرزق بطفل، وأنه يرد عليهم جميعًا بقوله: «ربنا يديكم ويرضيكم، سيبوا ربنا يرتب ليكم الصالح ولا تملوا عليه حلًا بعينه أو شيئًا واحدًا ولا غيره رافضين عمله وتدبيره».

وتابع: «الكنيسة خلال فترة الصوم تسير على النظام الذى وضعه الأنبا مرقس، مطران شبرا الخيمة وتوابعها، قبل أكثر من ٢٠ عامًا، من حيث تخصيص كاهن مسئول عن كل عمل، مثل صندوق التبرعات واستقبال الأضحية الحية، وتوزيع الأضحية المذبوحة، والتنسيق مع الأمن».

واستكمل: «من عادة الأنبا مرقس رئاسة الصلوات فى الكنيسة، أول أيام الصوم من كل عام، فيما يتناوب كهنة المطرانية على العظات خلال عشيات الصوم، التى يسبقها منذ الصباح الباكر ويلحقها حتى الساعة الـ١١ مساءً، المدائح والترانيم العذبة فى تمجيد العذراء».

وخلال حديث «الدستور» مع القمص، كان يستقبل الزائرين بكثافة لـ«نيل البركة»، ولكى يحصل الأطفال على الحلوى، وكان يعرف أكثرهم بالاسم، وروى أنه «على مدى ٣٤ عامًا مدة خدمته ككاهن فى مسطرد، قام بتعميد وتزويج نسبة كبيرة من أبناء الكنيسة، حتى زوج من عمدهم يومًا وعمد أولادهم من بعدهم، ولهذا يعتبرونه أباهم».

وأشار إلى أن هذا العام يشهد تشديدات أمنية غير مسبوقة، تتضمن إقامة عدة كمائن فى المسافة بين كوبرى مسطرد والكنيسة، نظرًا لما تعرضت له الكنيسة، العام الماضى ٢٠١٨، من محاولة تفجير خلال صوم العذراء، وأيضًا لما تعرض له معهد الأورام، قبل أيام.

وكشف عن أن المحال الواقعة فى الحارة المؤدية لبوابة الكنيسة ليست تابعة لها أو تقع تحت إشرافها، بل هى مؤجرة من أصحاب المنازل الموجودة بها.

وقالت إحدى الخادمات فى الكنيسة التى تجمع التبرعات: «فى عيد السيدة العذراء مريم تأتى إلى الكنيسة أعداد غفيرة من الزوار، خاصة أصحاب النذور، ممن يحضرون أضحية حية للكنيسة، وفاءً للنذر، وتذبح الكنيسة تلك الأضحية وتوزعها على الفقراء».