رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فِطنة طائفية!


لقد صار أمرًا ضروريًّا الكشف عن التحدي الصارخ الذي تواجهه الدولة مع نمط المحتجين على وجود دار عبادة في محيط سكنهم، والكشف عن الانتهاكات التي تصدر منهم وطبيعة إدارة الأزمة؛ حفاظًا على حقوق المواطن الأساسية في الحياة وفي المعيشة الآمنة وفي عدم التمييز الديني، وحرصًا كذلك على وحدة الشعب المصري الذي يُثبت من حين إلى آخر مدى قوته وصلابته.

بعد مشهد افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، وأيضًا بعد قرار الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، مع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس، بحضور وزراء العدل، وشؤون مجلس النواب، والتنمية المحلية، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية لتقنين أوضاع أغلب الكنائس، تؤكد الدولة على جديتها رئيسًا ومؤسسات في أداء مهمتها ومواجهة خطورة التمييز الديني على شعبها، والمساواة بين جميع المواطنين أيًّا كانت ديانتهم، ولكن هناك من لا يؤمن في الواقع وعلى الأرض بهذه الأفكار ويهدد السلام والعيش المجتمعي الآمن، تحت سيطرة من لا يعرفون معنى المواطنة ولا يعترفون بقوانين الدولة وحقوق المواطن الأساسية.

هناك ظاهرة في الأرياف والقرى نراها عندما ينتشر خبر أن أقباط القرية يصلون في مبنى لعدم وجود كنيسة، فحينها يتوجه بعض المتشددين من أهالي القرية باتجاه الهدف ويعتدون عليه وأحيانًا على الأقباط أنفسهم، حتى يتدخل أي أحد تحت أي مسمى ليبرم صلحًا عرفيًّا ما تحت راية الجلسات العرفية، وغالباً ما تؤدي هذه الجلسات إلى إغلاق الكنيسة، في حين قد يتجنب المهاجمون الملاحقة القضائية، وأحياناً تتعرض منازل أو متاجر الأقباط للهجوم على نحو مباشر.

وهذا يؤكد أنه مهما حرصنا على وحدة الوطن وسلامته، فإنَّ هذه الوحدة لن يمكن الحفاظ عليها على نحو دائم إذا لم نقضِ على الأسباب التي تهدد وجودها، وإذا لم تتخذ الدولة إجراءات حاسمة ضد هؤلاء الخارجين عن الدستور والقانون، وتكون الأولوية لديها -بل لدى كل مؤسساتها- مواجهة التمييز الديني الذي يرتكبه أفراد من الشعب نفسه، وقد يكونون من مؤسسات الدولة ذاتها، وأيضًا إدراك أنَّ الفصل بين الطرفين بالقوة المادية وحدها لن يكفي للقضاء على هذه الفُرقة بين المواطنين.

وجديرٌ بمؤسسات الدولة السعي الدائم إلى إزالة الفوارق بين أبنائها، لتأكيد المساواة بين جميع المواطنين التي من أهم صورها حق الجميع في ممارسة العبادة بحرية كاملة أيًّا كانت ديانتهم، والتأكيد على خطورة التمييز الديني على كيان الدولة من خلال اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف منصات ومنابر التعبئة الفكرية المتطرفة.

إن أي تراخٍ أو استهانة بالحدث من أية جهة معنية بإدارة الأزمة في الإعلان بوضوح أن مَن يعتدي على دور العبادة سيُقَدَّم إلى العدالة وبسرعة، وأنه لا يوجد أي قانون في الدولة يمنع حرية العبادة وحرية ممارسة الشعائر الدينية أو يُعلي الصلح العرفي وحلول التهدئة المؤقتة على الدستور والقانون، سوف يؤدي إلى زعزعة استقرار الوطن، وستظل فِطنة الطائفية بيد المتشددين والمتعصبين.