رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يونيو.. الإنجاز والانتصار


يونيو الذى شهد الهزيمة مرتين فى التاريخ الحديث، شاءت الأقدار أن تمنحه الفرصة مرة أخرى لمسح لمسات الحزن من ذكرياته.. وما بين الخامس من يونيو 1967 والسابع عشر من يونيو 2012 التاريخين اللذين ما زالا عالقين بأذهاننا جميعًا.
فى الأول كانت هزيمة قاسية لجيش لم يدخل الحرب فعليًا، بسوء تقدير قيادات سياسية للموقف. ولكن هذا الجيش لم ينحن للهزيمة، ولم يستمر فى الاستسلام سوى أيام معدودات لينتفض أبناؤه فى معركة رأس العش والمدمرة إيلات وعمليات متتالية، وليبدأ حرب استنزاف تدرس فى كل الأكاديميات العسكرية، بعد أن قدم المصريون درسًا للعالم فى عدم الاستسلام والنهوض بقوة وإرادة وتصميم، واستمر هذا الجيش يقوى ويصمد حتى حرر سيناء ومحا عار الهزيمة عنه وعن الوطن وعن الأمة العربية كلها، ولم يكتف بذلك.. بل استمر نهوضًا وتدريبًا وحراسة للوطن وللشعب، حتى أصبح الجيش العاشر فى العالم، وأصبح هو الدرع والسيف للأمة، وامتدت سيطرته إلى الأبعد كثيرًا، ليحمى أمن مصر القومى فى أى مكان وزمان.
يونيو الذى حمل الذكرى الحزينة للجيش.. حمل أيضًا ذكرى حزينة للشعب يوم أعلن عن انتخاب محمد مرسى العياط رئيسًا لمصر فى غفلة من الزمن، استطاعت فيها جماعة الإخوان الإرهابية، أن تصل إلى كرسى السلطة، وفى حالة غياب أو تغييب للشعب، تسللت الإخوان إلى اللجان الانتخابية، واستطاعت أن تكون أغلبية غير حقيقية، ساعدها فى ذلك حالة التغييب التى عاشتها الجماهير بعد يناير وأيضًا حالة من الغياب السياسى لقيادات من الشارع، غامت أمامهم الأمور، وتخيلوا أن التغيير هو الارتماء فى أحضان جماعة إرهابية، ولكن يونيو كما أزال ذكرياته الحزينة عن الجيش أزالها أيضًا عن الشعب.. وأن الشعب الذى يمثل الجيش جزءًا منه ويملكان رصيدًا من القوة والإرادة، عاد وانتفض ولم يستمر طويلًا فى الاستسلام لحلم طائر النهضة، وأفكار الإخوان الذين كشفوا عن وجههم الحقيقى بالإعلان الدستورى وإحكام القبضة وخطة التمكين.. استفاق الشعب واستطاع أن يبدأ مسيرة أخرى، وكأنها حرب استنزاف مهمة على المستوى السياسى، تمكن فيها الشعب من دحر كل خطط الإخوان وكشفها، لتبدأ المظاهرات والتحركات والانتفاضات الشعبية، ويعود الشعب الحقيقى إلى ميدان التحرير، وتتكاتف مصر شعبًا وجيشًا، ليتم عزل الإخوان عن الحكم بإرادة وثورة شعبية، وليعود قادتهم إلى أماكن إقامتهم المفضلة فى سجون مصر.
يونيو أيضًا أراد الله فيه أن يزيل آثار الغمة وأن يدرك الجميع أن الله مع هذا الوطن. ولطبيعة الأقدار التى ترسل دائمًا رسائل متعددة، وفى نفس التاريخ الذى وقع فيه الشعب فى فخ انتخابات موجهة أفرزت لنا حكمًا إخوانيًا، وفى نفس التاريخ الذى اعتلى فيه مرسى الكرسى فى غفلة من الزمن، شاء الله أن يرحل فى ذات التاريخ واليوم والشهر، ليحمل يونيو ذكريات الحزن للإخوان فى كل مكان، ويصير شهر يونيو بالنسبة لها، شهر خروجها من الحكم، وسقوط الحلم ومرسى الذى لن يصل مرة أخرى إلى القصر لا الظهر ولا العصر.
يونيو الآخر الذى نحبه، بدأت ذكرياته الجميلة مرة أخرى معنا، بعد أن اختاره الرئيس السادات، ليكون أحد أيامه وبالتحديد يوم النكسة، يومًا لافتتاح قناة السويس مرة أخرى بعد تحرير سيناء، وليتحول اليوم الحزين إلى يوم فرح، ورسالة للعالم أن مصر لا تقهر، قد تمر بالأزمات والنكسات، ولكنها دائمًا ستظل مرفوعة الرأس، واستطاع الشعب بعد ذلك أن يحول يونيو أيضًا إلى ذكرى سعيدة يحتفل بها المصريون والعرب يوم انتفض المصريون لإسقاط الإخوان، وتحطيم حلمها فى حكم مصر، وتحقيق الخلافة المزعومة، ويرسل القدر رسالة طمأنة لمصر، فيرحل مرسى فى جلسة المحاكمة وأمام كاميرات التصوير، ليحمى الله مصر من فتنة ومحاولات الجماعة الإرهابية وعملاء الخارج من المتاجرة بقضية موته، وليذهب إلى دار الحق ليرى الشهداء الحقيقيين، ويدرك منزلتهم وليحمى الله مصر دائمًا.
ويأتى يونيو 2019 لتبدأ علامات الإرادة المصرية فى الظهور قوية جلية، فيفتتح الرئيس محور كوبرى روض الفرج الذى يربط بين شرق القاهرة وغربها، ويحقق طفرة فى حل مشاكل المرور والاستثمار، ليحقق عبورًا بريًا سبقه عبور مائى بأنفاق قناة السويس، وما بين العبورين مئات المشروعات والإنجازات تطل علينا فى كل أنحاء مصر، لتبدأ مرحلة هى أقرب إلى جنى الثمار بعد اجتياز العقبات بإرادة مصرية خالصة، وقيادة حريصة فقط على الوطن والإنجاز تحاول وتنجح فى رسم ملامح لمصر جديدة ستحتل مكانة رفيعة فى العالم.. ولأننا شعب وقائد يعشقان التحدى.. وفى نفس العام الذى اختارت فيه الأقدار مصر لترأس الاتحاد الإفريقى، تقام بطولة كأس الأمم الإفريقية ليقبل المصريون التحدى، وتبدأ خلال ساعات فعاليات دورة رياضية إفريقية تشارك فيها لأول مرة 24 دولة.. ويستطيع الشعب المصرى وقواته المسلحة أن يقدما 6 استادات عالمية تشهد على إرادة وقدرة المصريين على الإنجاز والتحدى.. استادات عالمية بالفعل وطرق تم تمهيدها ومبانٍ وملاعب بالمقاييس والمعايير العالمية.. آلاف العمال والمهندسين ظلوا ستة أشهر كاملة يصلون الليل بالنهار لتحقيق الإنجاز.. مشهد الملاعب والاستادات وتجربة التذكرة والكاميرات الحديثة وهى تصل بفرق هندسية عالمية ومبدعين مصريين فى الانتصار.. نظم بث حديثة واستعدادات وطنية وقنوات رياضية جديدة وتسهيلات، لكى يرى الشعب كيف صنع أبناؤه الإنجاز، ورئيس يتابع أدق التفاصيل ليس من مكتبه فقط، ولكن على الأرض فجرًا وليلًا.. مصر تغيرت بالفعل للأفضل وسيرى القادمون للمشاركة لاعبين وجماهير ذلك، وسيرى العالم كله من خلال عشرات المحطات والقنوات التليفزيونية، كيف تغيرت مصر ويحتفل العالم معنا هذا العام بالدورة الإفريقية وذكرى 30 يونيو المجيدة، وسيحتفل معنا العام المقبل أيضًا بالمتحف العالمى الجديد.. مصر تعود لتقود لا لتنظر إلى الخلف، وتدفن الذكريات الأليمة، وتقيم فوقها أفراحًا وإنجازات وبطولات.. انظروا ماذا يفعل أحفاد الفراعنة، واحفظوا كلمة السر «مصر بقيادة السيسى».