رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا بطرس فيهم: توحيد الأعياد لا علاقة له بالعقيدة (حوار)

جريدة الدستور

بدأ حياته راعيًا للأغنام فى أسرة أرثوذكسية بإحدى قرى محافظة المنيا، ثم تحول للكنيسة الإنجيلية، قبل أن يستقر فى رحاب الكاثوليكية التى سُيم فيها كاهنًا وتدرج فى سلكها الكهنوتى.
إنه الأنبا بطرس فهيم، مطران المنيا للأقباط الكاثوليك، الذى أكد فى حواره مع «الدستور»، أن تجربته الفريدة جعلته يدرك أن ما يجمع بين الكنائس الثلاث، أكثر مما يفرق، وأن انتشار الفتنة الطائفية يرجع لتغلغل الأفكار غير المستنيرة فى بعض المناطق مع استغلال البعض الجهل والفقر. وعن رؤيته لأوضاع الأقباط حاليًا، أشاد مطران المنيا بما حدث من تطور فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ظل حرصه على عدم التفرقة بين المسلم والمسيحى، وما يبذله من جهود لتنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية، داعيًا الشعب إلى مساندته والتعاون فى الأعمال الخدمية.
■ بداية.. كيف تحولت من طفل أرثوذكسى إلى مطران كاثوليكى؟
- ولدت فى إحدى قرى محافظة المنيا لعائلة أرثوذكسية، وكان والدى فلاحًا ووالدتى ربة منزل، وكنت فى صغرى أرعى الغنم كل يوم قبل الذهاب إلى المدرسة وبعدها، وكانت الأسرة متوسطة الالتزام الدينى، لكنى رغم ذلك كنت أحمل مشاعر روحية عميقة.
ذات يوم، حدث خلاف بين أبى وراعى الكنيسة الأرثوذكسية التى نتبعها، ما جعله يتوجه للكنيسة الإنجيلية لمدة 3 سنوات، لكننا افتقدنا خلال هذه السنوات ما اعتدنا عليه من طقوس وأسرار فى كنيستنا القديمة مثل التناول والاعتراف، لكن أبى ظل مصممًا على عدم العودة إليها.
وأثناء مروره بالصدفة إلى جوار إحدى الكنائس الكاثوليكية، شعر بقوة تدفعه للصلاة داخلها، وتبعته الأسرة فى ذلك بعد إلحاح شديد منه على راعينا الجديد كى يقبلنا، لأن الراعى كان متخوفًا من أن يقول البعض إن الكنيسة الكاثوليكية تجذب إليها أبناء الأرثوذكس.
بعدها بعامين، طرح 3 كهنة مختلفين فى الكنيسة، فكرة سيامتى كاهنًا، لكنى كنت دائمًا ما أستبعد الفكرة.
■ لماذا رفضت سيامتك كاهنًا فى هذه السن؟
- لأنى كنت مثل باقى الشباب، أحلم بالزواج وتكوين أسرة، وأحب أن أستمتع بحياتى مع أصدقائى، كما أنى لم أكن متدينًا لهذه الدرجة، وكنت بالكاد أحضر القداس فى المناسبات، كما أنى كنت أسمع أن الكنيسة الكاثوليكية تشترط لقبول الكاهن، أن يكون حاصلًا على مؤهل عالٍ، وكنت حاصلًا على دبلوم تجارة.
وعندما كنت أقول ذلك كانوا يقولون لى إن المسيح حين اختار تلاميذه لم يختر المتدين والعالم، بل العشار الخاطئ والصياد البسيط، لأن لله مقاييس أخرى.
وظللت على ذلك حتى تجليس الأنبا أنطونيوس نجيب مطرانًا للكنيسة الكاثوليكية فى المنيا، ووقتها استدعانى لمناقشة سيامتى، عندما كررت رفضى منحنى عامًا كاملًا للتفكير فى الأمر، وبعده ذهبت إليه بنفسى، وقدمت طلبًا للالتحاق بالكلية الإكليريكية فى المعادى ودرست بها 6 أعوام، ثم أديت الخدمة العسكرية وتمت سيامتى كاهنًا عام 1988.
وبعد 3 سنوات فى الخدمة الرعوية بالمنيا، عيّنت فى هيئة التدريس بالكلية الإكليريكية فى المعادى، ثم سافرت إلى روما لدراسة الماجستير والدكتوراه فى الفاتيكان، وعندما عدت تدرجت فى السلك الكهنوتى حتى أصبحت مطرانًا للإيبارشية عام 2013.
■ عشت فى الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية.. فكيف أثر ذلك على رؤيتك للشأن المسيحى؟
- محبتى للكنيسة وللمسيح، تجعلنى لا أفرق بين الكنائس، خاصة أنى عشت فيها جميعًا ورأيت أن الكنائس فى داخلها أفضل بكثير مما يصدره عنها بعض قادتها فى الخارج.
والكنيسة الأرثوذكسية القبطية فى دمى، فأنا قبطى كاثوليكى، وقبطيتى تسبق كاثوليكيتى، لأنى أصبحت كاهنًا كاثوليكيًا على معمودية أرثوذكسية، لذا فحب الكنيسة القبطية أمر لا أستطيع إزالته من كيانى أبدًا.
كما أن هذه الرحلة جعلتنى أدرك أن أى هزة فى الكنيسة الأرثوذكسية، ستؤثر على المسيحية كلها فى الشرق، لأنها الأم ولأنها الأكثر عددًا، ولأنها تفرض احترامها على الجميع، نظرًا لتاريخها العريق وحضارتها وتقاليد آبائها ورهبنتها وطقوسها وتراثها وقديسيها.
■ تشتهر إيبارشيك بالمنيا بقوة القطاع التنموى بها.. ما أسباب ذلك؟
- قوة القطاع التنموى والخدمى بإيبارشية المنيا، ترجع إلى نحو 40 عامًا، عندما بدأ المطران الأسبق الكاردينال أنطونيوس نجيب هذا العمل، عقب عودته من دراسته للماجستير بروما، والذى كان فى تخصص العمل الاجتماعى فى الكنيسة الكاثوليكية.
وحينها طبق الكاردينال ما درسه على أرض الواقع تحت شعار «خدمة المحبة» لكل محتاج سواء كان مسيحيًا أو مسلمًا، وما نقوم به اليوم ما هو إلا امتداد لخدمته فى معاونة الدولة على تسديد احتياجات أكبر قدر من المعوزين.
■ ما مصدر تمويل كل هذه الأنشطة؟
- نعتمد بالأساس على أموال التبرعات، بالإضافة إلى الإعانات المقدمة من المنظمات التنموية المحلية والدولية المهتمة بهذه المجالات.
■ شهدت المنيا فى السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من حوادث الفتنة الطائفية.. فما أسباب ذلك؟
- الواقع المنياوى شديد الخصوصية، ورغم أن كل مسيحى يظهر إيمانه بلا خوف فى ظل قوة الكنائس الثلاث بها، لكن بعض المناطق بالمحافظة، تركت على مدار عقود لتغلغل الأفكار غير المستنيرة ما تسبب فى وقوع هذه الحوادث.
■ كيف يمكن تجاوز ذلك من وجهة نظرك؟
- المنيا فى أمس الحاجة إلى إطلاق منابر تنويرية وتوعوية وتنموية بشكل واسع، حتى تستطيع التغلب على مشكلاتها، خاصة أنها محافظة طاردة للسكان، نظرًا لمعاناتها من الفقر والبطالة، رغم غناها بالمقومات الزراعية والتعدينية والسياحية.
ومن واقع تجربتنا، فإن أفضل طريقة للتنوير وتصحيح المفاهيم هى مشاركة المسلمين والمسيحيين معًا فى الأعمال الخدمية والتنموية، لأن هذه الأمور تحظى بردود أفعال رائعة من الناس.
وفى إحدى التجارب، وجدنا الأطفال فى المدارس سعداء جدًا باستقبال أحد مشايخ الأزهر ومعه قسيس، وكان كل منهما يعلم الأطفال دين الآخر.
■ هل تنسقون مع الكنيسة الأرثوذكسية فى أنشطتكم؟
- فى الحقيقة هناك عدد من التجاوزات من بعض رجال الدين فى الجانبين، تسببت فى عدم التنسيق، وإن كنت لا أصف العلاقات بين الكنيستين فى المنيا بأنها متوترة، لأنى أُكن كل التقدير للأنبا مكاريوس، بل هناك عتاب على البعض بسبب آراء تقول بأن الكنيسة الكاثوليكية، دخلت مصر مع الحروب الصليبية، رغم أنها لم تغب يومًا عن مصر.
ومن جهتى أدعو الجميع إلى العمل لمجد الله وخير الإنسان والابتعاد عن هذه التجاوزات والحياة كما أراد لنا المسيح، خاصة أن ما بين الكنيستين أكبر بكثير مما يمكن للبعض أن يتخيله، فالمفترض أنهما واحد فى الإيمان بالله وفداء المسيح، كما أننا سبق أن وحدنا الطقوس والأسرار المقدسة وحسمنا الكثير من الأمور التى كانت موضع خلاف.
لكن البعض ما زال يصر على استخدام هذه القضايا باعتبارها نقاط خلاف عقائدية للتفريق بين الكنيستين، ولا أعلم ما المصلحة فى ذلك، لأننا نحتاج بكل صدق للشفاء من جروح الماضى والتحلل من قيوده، وألا يفسر كل منا التاريخ باعتباره ضد الآخر، بل قراءته معًا بشكل علمى ومنهجى، مع الالتزام بشجاعة الاعتراف بالخطأ، كما أننا بحاجة لبدء مشروعات إنسانية ورعوية مشتركة لخدمة الإنسان بما يقربنا من بعضنا البعض.
■ شاركت مؤخرًا فى اجتماعات السنودس الكاثوليكى.. فما أبرز القضايا المطروحة على جدول الأعمال؟
- «السنودس» كلمة يونانية مكونة من مقطعين، «سين» بمعنى معًا، و«هودس» بمعنى الطريق، لذا فهو يعنى: «نسير فى الطريق معًا»، وهذه الاجتماعات فى الكاثوليكية تقابل اجتماعات المجمع المقدس فى الكنيسة الأرثوذكسية، لذا فهى تناقش جدول أعمال موسع يضم عددًا من القضايا الإدارية والتنسيقية.
كما ناقش السنودس، بعض التحضير لفعاليات «سنة الشباب 2019»، وناقش أيضًا خلال التجهيز لـ«سنة الرسالة» المقرر أن تنطلق فى أكتوبر المقبل.
■ ماذا عن مناقشات مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية؟
- ما زلنا ندرس الأمر كما أعلنا، ونميل إلى أن يتضمن القانون الجديد مواد عامة تشمل الأمور المشتركة بين الكنائس، مع إضافة مواد أخرى تخص كل كنيسة على حدة، خاصة أن العرف المطبق فى القضاء المصرى، يقوم على أن القاضى يحكم بين الزوجين بحسب عقد الزواج والشريعة التى يتبعان لها.
وقديمًا كان البعض يستخدم تغيير الملة كمخرج لتحقيق الطلاق، وفقًا لمبدأ اللجوء للشريعة الإسلامية حال اختلاف شريعة الزوجين، لكن ذلك الأمر تغير حاليًا، ولم يعد القاضى يلتفت لتغيير الملة بعد الزواج، بل يطبق القاضى شريعة الزوجين حسب عقد الزواج الأصلى.
■ متى يمكن أن يقع الطلاق فى الكاثوليكية؟
- المبدأ العام فى الكنيسة الكاثوليكية يرى أنه لا طلاق على الإطلاق، كما أنه يفرق بين بطلان الزواج والانفصال، فالبطلان يقع إذا كان الزواج غير صحيح، وبنى على غش أو افتقد أحد أركان الزواج الصحيح، وهنا تعلن الكنيسة بطلانه، ويصبح كأن لم يكن ويسمح لصاحبه بالزواج من جديد.
أما الانفصال فيقع إذا طرأت مشاكل على الزواج الصحيح، ما يؤدى لاستحالة العشرة بين الزوجين، وحينها يمكن لهما الانفصال لخيرهما، لكن لا يحق لأى منهما الزواج مرة أخرى.
■ ماذا عن الطلاق لعلتى الزنا و«الزنا الحكمى»؟
- الإنجيل فى لغته اليونانية الأصلية أشار إلى حالة خاصة للزنا، وهى الاستمرار عمدًا فى علاقة آثمة حتى بعد الزواج، وحينها يصبح الزواج باطلًا، لأنه بنى على غش من أحد الزوجين.
أما عن «الزنا الحكمى»، فهو موضوع شديد الخطورة، وهو أمر نعترض عليه ككنيسة كاثوليكية فى مقترح القانون الجديد، لأن طبيعتى العمل والحياة تجعلان الإنسان يتواصل مع كثير من الأشخاص، وقد يستخدم فى ذلك لغة رقيقة قد يفهمها أحد الزوجين خطأ، وإن اعتبرنا ذلك فى حكم الزنا، فإن كل زواج يصير مهددًا.
■ كيف تقيم وضع الأقباط فى مصر منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
- أوضاع الأقباط أفضل كثيرًا فى عهد السيسى، فهو رجل محترم جدًا وعف اللسان ولم يكذب يومًا على شعبه أو يتطاول حتى على العدو، ويعلمنا دائمًا أن نحترم الآخرين، وهو يحب المصريين مسلمين ومسيحيين بحق، ويعمل من أجلهم، ويبذل مجهودًا جبارًا للارتقاء بالبلد.
وأنا أحييه بشكل خاص، نظرًا لأنه لم يقل أبدًا «مسيحى ومسلم»، لذا علينا كشعب أن نساعده فى جميع المجالات، خاصة بعدما أعلن أن أولويته فى الفترة المقبلة هى الاهتمام بالفقراء، وبعد مجهوده فى المشروعات القومية الكبرى فى مجالات البنية التحتية والتعليم والصحة، بالإضافة إلى محاربته الفساد والبيروقراطية، وهذا ما نحن فى أمس الحاجة إليه.
■ كيف انعكست هذه التطورات على كنيستكم بالمنيا؟
- لدينا 37 كنيسة كاثوليكية منها 10 فقط مرخصة رسميًا، أما الباقى فهى كنائس قديمة يصلى بها الأقباط الكاثوليك منذ ما يقرب من مائة عام، وسبق أن قدمنا طلبات كثيرة للنظر فى ترخيص هذه الكنائس، لكن اللجنة المختصة لم ترد علينا بعد.
ورغم ذلك أحب أن أسجل أن المسئولين بالمحافظة حاليًا يتعاونون معنا بشكل كبير فى بناء وترميم الكنائس، ومنحونا 8 تصاريح لبناء كنائس جديدة، و4 لتجديد وتوسعة وتعلية بعض الكنائس القائمة.
■ كيف تنظرون إلى قضية توحيد مواعيد الأعياد؟
- تاريخ الأعياد مسألة لا علاقة لها بالعقيدة على الإطلاق، بل هى أمر يخص التقويم والحسابات الفلكية والتاريخية والتقديرية لميلاد السيد المسيح، والحقيقة أننا جميعنا لا نعلم بدقة متى ولد «المسيح» بالتحديد، وهل ولد فى شهور الشتاء كما نحتفل اليوم أم فى شهور الصيف؟، وهل نحتفل بيوم ميلاده وفقًا للتقويم القبطى أم التصحيح الغريغورى، وكذلك هناك خلاف حول سنة الميلاد، لأن بعض الدارسين يعتقد أن المسيح ولد فعلًا بين السنتين الرابعة والسادسة قبل الميلاد، لذا أدعو الجميع للتمسك بمعنى العيد لا توقيته، لأن هذا هو الأهم.