رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا مستقبل لميت


هذا السقوط لم يترتب عليه سقوط الإخوان فى مصر فقط، ولكن التنظيم الدولى كله قد سقط مع الجماعة الأم، ولكن التنظيمات الكبيرة المتشعبة إذا ما انهارت فإنها لا تقع مرة واحدة ولكنها تنهار على مهل، والتنظيم الدولى الآن سيبدأ فى السقوط، جماعة الإخوان ماتت، ولا مستقبل للميت.

حقيقة تاريخية لا يستطيع أحد أن يمارى فيها، هى أن حسن البنا حين أنشأ جماعته لم يكن ينوى جعلها مقصورة على مصر فقط، ولكنه كان ينشىء منذ البداية تنظيما دوليا تغيب عنه فكرة الوطن، حيث يتحول التنظيم على يديه إلى وطن يمتد فى العديد من بقاع الأرض توطئة للسيطرة على العالم كله تحت راية حسن البنا.

من أجل هذا أطلقتُ على تنظيم الإخوان فى بعض ما كتبته اسم «دولة الإخوان غير المنضمة لمنظمة الأمم المتحدة والمتحالفة مع مجلس الأمن فيها» وقد بدأ حسن البنا خطواته ناحية تكوين تلك الدولة بعد أشهر من تكوين جماعته حينما أرسل مبعوثين منه لفلسطين واليمن وسوريا ولبنان من أجل نشر تنظيمه فى هذه البلاد، وكان عبد الرحمن الساعاتى شقيق حسن البنا هو أول مبعوث تطأ أقدامه أرض فلسطين حيث تقابل مع الحاج أمين الحسينى مفتى فلسطين ودعاه للانضمام إلى الجماعة وجعلها راية المقاومة ضد عصابات إسرائيل التى كانت تحط رحالها هناك، ثم ذهب عبد الرحمن الساعاتى بعد ذلك إلى دمشق وهناك اجتمع مع بعض الشخصيات الإسلامية فى المسجد الأموى وشرح لها فكرة تنظيم الإخوان ودعاها إلى الانخراط فيه والعمل تحت قيادته .

وبعد أن تشعبت الجماعة خارج مصر أنشأ حسن البنا عام 1934 شعبة فى الجماعة سماها «شعبة الاتصال بالعالم الإسلامي» وكان لهذه الشعبة الدور الأكبر فى استغلال موسم الحج السنوى لتجميع الشخصيات الدينية وضمها للجماعة، وكانت الفكرة الجاذبة التى استخدمها البنا لمد التنظيم خارج مصر هى فكرة «استعادة الخلافة» وبها أخذ يداعب المشاعر ويُخضع القلوب، وفى تاريخ البنا نقطة يعتبرها الإخوان هالتهم المضيئة نحو عالمية التنظيم، إذ يقولون إن حسن البنا عندما ذهب للحج عام 1936 عرف أن مؤتمرا يُعقد فى نهاية موسم الحج يسمى «مؤتمر الشباب العربى السعودي» وأنه ذهب ومجموعة من الإخوان لهذا المؤتمر، وبعد أن ألقت الوفود الرسمية كلماتها تقدم حسن البنا للمنصة فأفسحوا له الطريق « لمهابته ووقاره» وألقى كلمة كانت محط إعجاب الحاضرين، وكانت ـ كما يقول الإخوان ـ الكلمة الوحيدة التى أيقظت الهمم - التى يصورونها على أنها كانت نائمة- !! .

وكما يقول الإخوان فى جريدة الإخوان الأسبوعية فى عددها الرابع إنه لم يأت عام 1937 إلا وأصبح لجماعة الإخوان فروع فى احدى عشرة دولة منها «الحجاز والشام وفلسطين والمغرب العربى واليمن وجيبوتى» وإذ أصبحت هذه الشعبة ذات تأثير جعلها البنا أحد الأقسام الرئيسية للجماعة وسماها بذات الإسم «قسم الاتصال بالعالم الخارجي» وكان المسئول الأول لهذا القسم هو الأخ / عبد الحفيظ سالم الصيفى الذى كان عضوا بمكتب الإرشاد وقتها، وحين نشأ هذا القسم قام رئيسه عبد الحفيظ الصيفى بإنشاء عدة لجان، اللجنة الأولى هى لجنة الشرق الأدنى وتضم الدول العربية والدول الإفريقية الإسلامية، واللجنة الثانية هى لجنة الشرق الأقصى وتمثل دول شرق أسيا ووسطها، واللجنة الثالثة أطلقوا عليها لجنة الإسلام فى أوروبا وأمريكا .

اتسع نشاط هذا القسم اتساعا كبيرا، وعلى مدار سنوات استطاع الإخوان مد أنشطتهم إلى بلاد مختلفة، ولكن الكيان الكامل للتنظيم الدولى للإخوان لم ينشأ إلا على يد الرجل الصامت « أبو هاني» والذى كانوا يلقبونه فى الجماعة بـ»الصقر» فبعد سنوات طويلة من إنشاء هذا القسم جاء الرجل الذى حوله من قسم إلى دولة تضم فى طياتها كيانات الإخوان فى كل العالم .

فقبل أن يصدر السادات قرارات الاعتقال للرموز السياسية فى سبتمبر من عام 1981 حدث أن اتصل بعض الجواسيس المندسين فى قلب الحكم، بالرجل الملقب بالصقر « ابو هاني» وأخبروه أن اسمه سيرد فى قرارات اعتقال على وشك الصدور، أخفى « أبو هانى» الخبر عن الجميع حتى عن إخوانه فى التنظيم، وجمع حاجياته على عجل، وغادر البلاد إلى اليمن ثم الكويت ومنها أخذ يجوب بلاد العالم من شرقه إلى غربه فى رحلة استمرت عدة سنوات كان هدفها الرئيسى إنشاء كيان التنظيم الدولى للجماعة، كان مصطفى مشهور هو الصقر الذى طار من فوق قمة جبل التنظيم ليبحث لجماعته عن أعشاش تأويها فى أوروبا وأمريكا، كان هو «أبو هاني» الذى أنشأ هذا الكيان بشكله الحديث، وما أن جاء عام 1983 حتى وضع مصطفى مشهور لائحة للتنظيم الدولى للجماعة، وقد ساعده فيها مهدى عاكف الذى كان وقتها مسئولا عن الإخوان فى ألمانيا، وفى هذه الرحلة استطاع مشهور ضم بعض الشباب إلى جماعته كان منهم محمد مرسى من أمريكا ـ وخيرت الشاطر ـ من لندن ـ وغيرهما، وأصبح كل مسئول عن أى تنظيم من تنظيمات الإخوان فى أى دولة من الدول يسمى المراقب العام للجماعة، وسمح مشهور لكيانات الجماعة أن تطلق على نفسها أسماء تتوافق مع ظروف الدول التى نشأت فيها، ومن بعدها تم تكوين مكتب الإرشاد الدولى الذى يرأسه دائما مرشد الإخوان فى مصر ويضم مجموعة من قيادات الإخوان من غير المصريين، وأذكر أن بعض مراقبى الإخوان فى البلاد العربية والأوروبية كان منهم قيادات أصولهم مصرية مثل الراحلين الشيخ مناع القطان الذى كان مسئول الإخوان فى المملكة السعودية، والشيخ حسن أيوب فى الكويت، والأستاذ عبد المتعال الجابرى فى أمريكا .

ومن وقتها درجت الجماعة عند اختيار المرشد العام للإخوان فى مصر أن يتم إعلام المراقب العام للإخوان فى كل دولة من الدول التى فيها تنظيمات للإخوان كى يقوم هذا المراقب نيابة عن الإخوان فى بلده بإعطاء البيعة لهذا المرشد الجديد، ومن خلال هذا التنظيم الدولى استطاعت الجماعة أن ترتب أوراقها وتعقد صفقاتها مع الغرب من خلال أجهزة المخابرات والمراكز البحثية، وحين حدثت تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى أمريكا، تلك التفجيرات التى أفزعتهم وأقلقت مضاجعهم، كان هناك قرار أمريكى وبريطانى بتصدير الإرهاب إلى البلاد العربية، من خلال التنظيم الدولى، وكأن لسان حال الغرب يقول : «فلنضعهم فى بلادهم كحكام فتنشأ بينهم الخلافات على أساس عقائدى وينشغلون آنذاك عنا بهذه ىالخلافات، ومن خلالها أستطيع أن أقسمهم وأفتتهم، وأصنع على عينى شرقا أوسطيا جديدا، يقوم على الفوضى المنظمة، وبهذه الفوضى أقوض بسهولة مذهلة بنيانهم وأستولى على ثرواتهم، وليساعدنا فى ذلك التنظيم الدولى للجماعة الذى ينتظر لحظة سانحة يحكم فيها، وسيعيشون ـ كما عاش اليهود ـ على وهم أن هذه الجماعة هى شعب الله المختار، والتنظيم الدولى هو مبعوث العناية الإلهية، ولكنه فى الحقيقة سيكون مبعوث أمريكا العظمى» .

وذات يوم عندما استطاع الإخوان بمساعدة أمريكا الوصول للحكم فى مصر، ظنوا أن مصر خضعت لهذه الجماعة، إذ كان الناس ينظرون لها على أنها جماعة مضطهدة تريد رفع الراية الإسلامية وتطبيق الشريعة، ولكن حدث لهذه الجماعة ما لم يحمد عقباه، فلا هم ولا الأمريكان استطاعوا قراءة الشعب المصرى قراءة صحيحة، فالشعب المصرى من الشعوب الصبورة الهادئة، استمد شخصيته من نهر النيل الذى يسير على صفحته هادئا رقراقا، ولكنه عندما يفيض لا تستطيع قوة إيقافه، والشعب المصرى يثور دائما وسريعا ضد من يخدعه، وقد شاءت إرادة الله أن يفضح الإخوان أنفسهم بسلوكهم فى الحكم فلم يطق الشعب عليهم صبرا فأسقطهم.

■ قيادى منشق عن جماعة الإخوان