رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: سيد قطب و«وهم تأسيس جيل قرآنى فريد»

جريدة الدستور

يسجل صاحب السيرة الحلبية، أن أبا بكر خطب فى اجتماع السقيفة قائلًا للأنصار: «أنتم الذين آمنوا ونحن الصادقون، وإنما أمركم الله أن تكونوا معنا، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). والصادقون هم المهاجرون، قال الله تعالى (للفقراء المهاجرين) إلى قوله (أولئك هم الصادقون). وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين، وأنتم أحق بالرضا بقضاء الله، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، أيهما شئتم وأخذ بيد عمر ويد أبى عبيدة بن الجراح. ولما كثر اللغط وعلت الأصوات حتى خشيت الاختلاف- الكلام على لسان عمر بن الخطاب رضى الله عنه- وقلت سيفان فى غمد واحد لا يكونان، وفى رواية هيهات لا يجتمع فحلان فى مغرس، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، وكذا قال له من الأنصار زيد بن ثابت وأسيد بن حضير وبشير بن سعد رضى الله عنهم، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، وأنكروا على سعد أمره وكادوا يطئون سعدا فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر رضى الله عنه: اقتلوا سعدا قتله الله، ثم قام عمر رضى الله عنه على رأس سعد، وقال: قد هممت أن أطأك حتى تندر عيونك، فأخذ قيس بن سعد رضى الله عنهما بلحية عمر رضى الله عنه وقال: والله لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة، فقال أبوبكر: مهلًا يا عمر الرفق الرفق، ها هنا أبلغ، فقال سعد: أما والله لو كان لى قوة على النهوض لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع».
وما دام سيد قطب استدعى شخصية عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى هذا الفصل، وأشار إلى ما فعله معه النبى حين وجد فى يده صحيفة من التوراة، يصح أن نذكر هذه الواقعة التى تشير إلى العلاقة التى ربطت بين كعب الأحبار أكبر دساس للإسرائيليات على التراث الإسلامى. أسلم «كعب» فى عصر عمر، وقربه الأخير منه وجعله جليسًا له يسمع من حكاياته وأخباره. يقول «ابن كثير»: «أسلم كعب الأحبار فى زمن عمر وكان ينقل شيئًا عن أهل الكتاب، فكان عمر رضى الله عنه يستحسن بعض ما ينقله لما يصدقه من الحق، وتأليفًا لقلبه، فتوسع كثير من الناس فى أخذ ما عنده». كان «عمر» البوابة التى نفذ منها «كعب» إلى عقل المسلمين. ويتعجب المرء وهو يتأمل هذه العلاقة وقد رُوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى فى يد عمر شيئًا من التوراة فغضب وقال: «أفى شك أنت يا ابن الخطاب؟. لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعى». كيف يقرب عمر «كعبًا» ويمكّن لسانه من آذان المسلمين ليسمعوا منه حكايات التوراة وقد سمع هذا الكلام من النبى؟.
ولست أجدنى فى حاجة إلى سرد المزيد من الوقائع التى تؤشر إلى أن الصورة المثالية التى رسمها سيد قطب لصحابة النبى- أكرر مع أفضليتهم- تفارق الواقع الذى يحكيه التاريخ. فارق كبير بين الطريقة الأدبية التى عالج بها «قطب» صورة الصحابة، والطريقة التى تعامل بها طه حسين مع تفاعلاتهم بعد وفاة النبى فى كتاب الفتنة الكبرى بجزءيه. فسيد قطب اعتمد على الصورة الموروثة شعبيًا، فى حين حاول طه حسين الاشتباك بأدوات المنهج التاريخى مع الأحداث خلال تلك الفترة، وخلص إلى نتائج قد تتفق أو تختلف معها، لكنها فى النهاية تعتمد على الاستدلال التاريخى. ولعلك تعلم أن جزءًا من الصورة المثالية للصحابة التى اجتهدت أدبيات الإخوان عمومًا فى رسمها، ارتبطت بترفعهم عن الحكم وزهدهم فى السلطة. وأحداث سقيفة بنى ساعدة تقول غير ذلك. ويبين تركيز الإخوان على هذا البعد من أبعاد صورة الصحابة جانبًا من أسلوب المراوغة الذى تعتمد عليه الجماعة. وشعار «لسنا طُلاب حكم» من الشعارات الأساسية التى ترفعها الجماعة لرسم صورة مثالية لها لدى الجمهور، رغم أن تجربتها داخل وخارج مصر تقول عكس ذلك. فالجماعة لم تفوت عبر تاريخها فرصة للجلوس على أى من مقاعد السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية إلا واهتبلتها.