رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: ماذا تفعل السعادة

وائل خورشيد
وائل خورشيد


حينما كتبت قبل أيام تلك الحلقة الجديدة، ضمن سلسلة أنشرها هنا، لم أخطط أن أكتب عن هذا الطفل المجهول، الذي يعيش في أفغانستان، أحد أشد مناطق الصراعات سخونة في العالم، أحد أحلك الظلمات على وجه الأرض، حيث تكون الفرحة هناك لدى الطفل مختلفة عن أي مكانٍ آخر. ولكنه فرض نفسه، خصوصا وأن السردية عن الموضوع عينه.

نشرت الإعلامية الجزائرية وسيلة عولمي مقطع فيديو عبر حسابها على "تويتر" يظهر طفل صغير ربما لم يتجاوز الـ6 سنوات، يرقص فرحا داخل غرفة بأحد المستشفيات، لماذا؟ فرحا بتركيب ساق صناعية جديدة. تحتار أمام الطفل، أن تبتسم أم تشعر بالأسى.

ولكن هذا ما تفعله السعادة، من وجهة نظره، جعلته يقفز فرحا، بساق خلق بها وساق خلقت له. هؤلاء الأطفال الذين ولدوا وتربوا تحت القصف وسبحوا داخل بحور الدماء، لن يفرحون بلعبة كأي طفل في مكان آخر منطقي في هذا الكوكب، بل يفرح لأنه اقترب من وضع الإنسان العادي!

نعود لسيرتنا...

كنت أسير في شوارع وسط القاهرة في الواحدة بعد منتصف الليل، والجو كعادته في تلك الفترة من العام - الربيع - يكون مخادع بشكل كبير، لذا فقد كنت أشعر ببعض البرد. على الرصيف الآخر كان شابين وفتاتين يسيران معا، بغض النظر عن رؤيتك الخلقية للأمر - لا يهمني الحقيقة - فهم كانوا سعداء للغاية.

بهجة الآخرين الصادقة في حد ذاتها أحد أسباب السعادة، هؤلاء الشبان نقلوا لي تلك الطاقة مع الهواء البارد.

بينهم كان هناك شاب، ممسك بعصا يتعكز عليها، ليس معاق، لمن يحب أن يتخيل، ولكن يبدو أن يمناه معتلة نتيجة كسر أو ما شابه، الولد كان سعيدا للغاية، كان يضحك بصوت مرتفع يلفت الأنظار.

ماذا تفعل السعادة؟

رأيته الوحيد من بينهم الذي يركض ويلعب، كان يقفز على قدما واحدة، وتساعده خفة وزنه، كان كالعصفور الذي يشدو، يطير للأمام ثم يعود، حتى أنه إذا شعر بالتعب، ويا للعجب، كان يتكئ على يمناه العليلة. السعادة تهديك قدم تركض بها وقت أن تخذلك الحياة.

ماذا تفعل السعادة!

إن لم أكن أسيرٌ لنفس النور الذي مسهم، لما استغل عقلي اللحظة، وجعلها إضافة لما أملك من مخزونٍ، فأحولها لكتابة الآن، أنا على يقين من أن ما بين السطور وما يفعله الخيال سينقله لكم.

أنت لن تفهم السعادة أبدا يا لوسيفر، أنت تعيش أبدا حاقد، لا تملك أحاسيس أخرى، والحق أقول لك، أنا أتعمد إيلامك بحديثي يا ملعون.

سأقرئك بعض السعادة. أب يزف ابنته باكيا، ولاعب كرة قدم أحرز هدف هام لمنتخب بلاده في آخر ثوان من مباراة نهائية. هي أم تحمل رضيعها الذي أجهدها للمرة الأولى، وجد يحمله أيضا.

السعادة هي اليوم الذي تكتشف أن كابوس مرضٍ انزاح عن أحد أحبائك. أو يوم تنظر الجميلة إلى السماء وترفع ذراعهيا، فيأتها في المنام زائر كان على عتبة دارها ينتظر. فتفتح له الباب.

عيبها؟ أنها تجعل الأمور على غير حقيقتها، تجعلك ترى الجانب الجميل من كل شيء، ترفع سقف طموح روحك. المؤسف، أنه حينما تعود لوضعك الطبيعي، تشعر بالحزن، لأن النزول من تلك المنطقة صعب، ما بالك أن ينقلب الحال.. أمر سيئ جدا.

السعادة تصل حتى شغاف القلوب، ولكن فقط تلك القلوب النقية، التي لا تضمر شرا، وبالطبع يا لوسي أنت لست منهم، ولا تدعي دور الحزين وكأنما الدمعة ستفر من عينيك، فلن أصدقك، ارحل الآن لنا حديث آخر.