رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة حياة جماعة ميتة «١-٢»


الحلم الذى عاش الإخوان من أجله هو «حلم الحكم» إذ يكاد أبناء جماعة الإخوان يتفقون فى المشاعر والرؤى والطموحات، يزعمون أن مشاعرهم هذه دين، وطموحاتهم دين، ورؤاهم دين، أليسوا هم فى ظنهم «قلب الدين وجوهرته النقية» وكيف لقلب الدين هذا ألا يصل للحكم، وقد أتفق معهم فى شىء واحد هو أنهم «قلب الدين» بمعنى الانقلاب عليه لا مضغة القلب، وتبًا لهؤلاء الذين جعلوا الدين «جماعة» ثم جعلوا للجماعة طريقًا واحدًا لا طريق سواه هو طريق الحكم.

هل هناك أدل على ذلك من أن هذه الجماعة «المزعجة» منذ أن اندلعت فى عشرينيات القرن العشرين، وهى تبحث عن الحكم.. تتشوق له وتتوق إليه وتحاول أن تتنسم عبيره ولو بالاقتراب من الحكام والملوك والرؤساء والتخلى عن طموحات الشعوب، لأن طموحات الإخوان فى تقديرهم أكثر قداسة وأهم من أى شىء آخر.
وحين وقعت الواقعة رأينا جماعة الإخوان التى كانت تزعم أنها «تتاجر مع الله» وهى تتاجر بالله! بل وتعتبره سبحانه بضاعة تعرضها على المخدوعين لكى يقعوا فى مصيدتها، هل هناك فى عيون المخدوعين أغلى من أن ترفع الجماعة شعار «فى سبيل الله قمنا» وهى فى عيون الحقيقة تمارس «فى سبيل الله كذبنا وقتلنا وسرقنا»! أما الحقيقة الكبرى فهى أنها عاشت عمرها كله تطبق شعارها السرى «فى سبيل الحكم قمنا»!.
ولكى يصل الإخوان للحكم يجب أن تكون لديهم قوة، فحسن البنا فى رسائله كان يقول لهم «الإسلام ليس نظرية يؤمن بها من يشاء ويرفضها من يشاء ولكن الإسلام حكم والحكم لا يقوم إلا بالقوة» ثم أضاف البنا قائلًا: «وذات يوم سنستخدم القوة لا محالة وسنتحمل نتائجها»!.
إذن فكرة الحكم هى الفكرة الأعلى عند تلك «العصابة» والوصول إليه يتطلب القوة، والقوة لا تكون إلا بالسلاح، وكان طريق السلاح الأول لحسن البنا هو حين أنشأ التنظيم السرى عام 1939، إذ لكى يتم تكوين الفرد الإخوانى الذى سيساعد الجماعة على الوصول للحكم يجب أن يكون الطريق إلى ذلك طريقًا عسكريًا، فالإخوانى هو فرد فى جيش، واحد فى جماعة، لا يجوز له أن يفكر بعيدًا عن قياداته، ولا يجوز له أن يبرم أمرًا بعيدًا عن مسئوله، حتى لو كان هذا الأمر من شئون حياته الخاصة، وهذا الفرد العسكرى سيتم تأهيله روحيًا عن طريق تلقينه عقيدة زائفة، ثم سيتم تدريبه بدنيًا إلى أن يصل إلى مرحلة التدريب بالسلاح، من أجل هذا كله اعتبر البنا أن التنظيم السرى هو ابنه البكرى، ومن الغريب أنه أخفى خبر هذا التنظيم عن قيادات الجماعة التى كانت تشاركه وقتها فى إدارة الدفة، وجعل الخبر فقط عند بعض رجال ائتمنهم على سر ذلك التنظيم المسلح، إلى أن افتضح أمر التنظيم السرى المسلح أمام العالم عندما قاموا باغتيال المستشار أحمد الخازندار عام 1948 وقتها دخل البنا فى صفقة تجارة بالوطنية، حيث زعم أنه شكل تنظيمه السرى من أجل الدفاع عن فلسطين ومقاومة الاحتلال الإنجليزى، وكم من الجرائم ترتكب الآن باسم فلسطين!.
كان الشيطان حاضرًا فى مشاهد حسن البنا كلها، فأوحى له شرًا بأن يكون جيشه المسلح موازيًا للجيش المصرى، حتى إذا حان الوقت ودقت ساعة العمل المسلح اصطدم السيف الإخوانى بالسيف المصرى، ولكن هل كان هذا يكفى؟! أدرك البنا أن التفوق فى السلاح سيكون لمصلحة الجيش المصرى، ساعتها لن يكون هناك أى تكافؤ، إذن ما الحل؟.
نتوقف لحظة لنعود بالزمن إلى حرب 1948 تلك الحرب التى ادعى الإخوان أنهم قاتلوا فيها دفاعًا عن فلسطين ضد عصابات الصهاينة، والحقيقة هى أنهم قاتلوا فيها فعلًا، ولكن بشكل رمزى تدريبى، فلم يتجاوز عدد المتطوعين من الإخوان عن مائة فرد تجمعوا كلهم فى المناطق الدفاعية لمنطقة غزة، ولم يذهبوا إلى مواقع القتال الحقيقية، أما الذين ذهبوا بالفعل إلى المواقع القتالية فهم المتطوعون من جمعية «مصر الفتاة» وعشرات من الشباب الذين تطوعوا بشكل فردى، وقد كتب «أحمد حسين» صاحب مصر الفتاة هذا الأمر فى مقال هاجم فيه حسن البنا واتهمه بالاتجار بالقضية الفلسطينية وحرب فلسطين ليحقق مصالح لتنظيمه!.
ولكن ما قصة المهمة التدريبية هذه؟ فلنربط الأحداث والأفكار بعضها ببعض، نعرف أن حسن البنا كان يسعى لإنشاء جيش، وجيشه لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا إذا اشترك فى حرب، لا يفقد فيها جنوده، ولكن يكتسب فيها خبرات قتالية، لذلك عندما عاد هذا الجيش الإخوانى يحمل قصصًا خرافية عن قتال خرافى للصهاينة، بحيث لو صدقت قصصهم لكان التاريخ قد تغير حتمًا، ولكنا الآن نقرأ عن سذاجة هؤلاء الصهاينة الذين حاولوا احتلال فلسطين ولم يستطيعوا بسبب جنود الإخوان الذين كانت الملائكة تقاتل معهم!.
المهم عاد الإخوان ليُنشئ لهم البنا معسكرًا تدريبيًا فى صحراء العباسية «مدينة نصر فيما بعد» وليصبح الشاب «مهدى عاكف» أحد الكوادر التى تتولى تدريب العائدين من فلسطين على رياضات الملاكمة والمصارعة، وحين اكتشف رئيس الوزراء النقراشى باشا خبر هذا الجيش الذى كان نواة لجيش مناوئ للجيش المصرى أصدر قراره التاريخى بحل جماعة الإخوان ومصادرة أملاكها وأموالها، ولأن هذا الأمر دونه الموت فكان الموت، حيث قام التنظيم السرى بقتل النقراشى جزاء وفاقًا على قراره، ومن بعد ذلك بأزمان يتذكر الجميع أنه كانت هناك عدة قضايا شهيرة فى مصر فى فترة الثمانينيات والتسعينيات أطلق عليها الإعلام «العائدون من أفغانستان» و«العائدون من ألبانيا» و«العائدون من البوسنة» وغيرها، وكان الكل يظن أن جماعة الإخوان بعيدة كل البعد عن هذه التنظيمات الدينية الجهادية، ولكن الحقيقة أنها كانت هى، نعم كانت هى الراعية والداعمة والممولة، فكل هذه التنظيمات كانت هى جيش الإخوان، وحين كان الكل يظن أن تنظيم «القاعدة» بعيد كل البعد عن الإخوان كانت الاتفاقات تتم بينهما بشكل سرى وخاص، إذ إن صاحب فكرة إنشاء «القاعدة» هو مصطفى مشهور المُكَنى بين التنظيمات الإرهابية بـ«أبوهانى» وأظن أنه بات يقينًا لدى الجميع أن جيش حماس الفلسطينى ما هو إلا جيش للإخوان، تم تكوينه ليكون ساعدًا للإخوان فى مصر لا لكى يكون حربًا على اليهود الصهاينة!.