رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة سادسة إلى الصين



موظفة سابقة فى وزارة الخارجية الأمريكية اعترفت، الأربعاء الماضى، بأنها منحت جاسوسين صينيين معلومات ونسخًا من وثائق داخلية تتعلق بالاستراتيجيات الاقتصادية الأمريكية، مقابل مبالغ مالية وهدايا بعشرات آلاف الدولارات، وشقة مفروشة بالكامل، ورحلات سفر دولية، ومنحة دراسية فى مدرسة للأزياء الصينية.
من البيان، الذى أصدرته وزارة العدل الأمريكية، عرفنا أن «كانديس مارى كليبورن» البالغة من العمر ٦٣ عامًا، بدأت العمل بوزارة الخارجية سنة ١٩٩٩ وشغلت مناصب فى عدد من سفارات وقنصليات الولايات المتحدة، بينها السفارة الأمريكية فى بكين وقنصليتها فى شانغهاى. كما عرفنا أيضًا أن «كليبورن» حاولت تضليل المحققين بشأن اتصالاتها بالعميلين الصينيين، وأمرت المتواطئين معها بحذف الأدلة التى تربطها بهما. لكنها أقرت فى النهاية بتهمة التآمر.
فى اليوم نفسه، أصدرت النيابة العامة العليا فى الصين، بيانًا ذكرت فيه أن إلقاء القبض على مينج هونجوى، رئيس الشرطة الجنائية الدولية «الإنتربول» السابق، كان سببه الاشتباه فى قبوله رشاوى، حين كان نائبًا لوزير الأمن العام. ومن المفترض أن يعيد هذا البيان الجدل الذى بدأ أواخر سبتمبر الماضى عندما اختفى مينج أثناء قيامه برحلة إلى الصين. ووقتها تصدر خبر اختفائه عناوين الصحف، قبل وبعد إعلان بكين، بداية أكتوبر الماضى، أنها ألقت القبض عليه. وأواخر الشهر الماضى، جرى استبعاد المذكور من الحزب الشيوعى، فى خطوة ترجح اقتراب موعد محاكمته.
مساء الأربعاء، أيضًا، وصل الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى العاصمة الصينية بكين، لمشاركة ٣٧ رئيس دولة وحكومة فى قمة «منتدى الحزام والطريق»، التى بدأت أعمالها الخميس وتستمر حتى السبت، ٢٧ أبريل الجارى. وغير أن الزيارة هى السادسة للرئيس إلى الصين، منذ توليه الرئاسة فى يونيو ٢٠١٤، فإنها الرابعة لحضور قمة تنعقد هناك، تلبية لدعوة الرئيس الصينى «تشى جين بينج»، بعد مشاركته فى قمة «بريكس»، قمة مجموعة العشرين، والقمة الصينية الإفريقية.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، سعت مصر إلى تعزيز علاقاتها مع القوى المهمة فى شرق آسيا، وأولت اهتمامًا كبيرًا للاستفادة من التجربة التنموية والخبرات الصينية. بدءًا من توقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، التى نقلت التعاون القائم بين البلدين إلى مستوى جديد، ومرورًا بالمشروعات القومية العملاقة التى تتعاون فيها شركات صينية مع الجانب المصرى، ووصولًا إلى إعلان شركة «هواوى» عن تطبيقها أولى تجارب تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس باستاد القاهرة خلال استضافة مصر بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم.
لم تلتفت مصر، إذن، إلى الحرب التجارية والتكنولوجية التى تشنها الولايات المتحدة ضد الصين، ضمن حرب أشمل تستهدف منع أى محاولة لكسر هيمنتها التكنولوجية، أو التفوق عليها فى سباق التسلح الرقمى. وكان لافتًا أن يستقبل الدكتور مصطفى مدبولى، الأحد الماضى، نائب رئيس شركة «هواوى»، والرئيس الإقليمى للشركة فى شمال إفريقيا، ورئيس شركة هواوى مصر، وأن يطالبهم بتعزيز استثمارات الشركة فى مصر، خاصة فى مجال تكنولوجيا المدن الذكية وغيرها من المجالات التى توليها مصر اهتمامًا متزايدًا. وما جعل هذا اللقاء لافتًا وليس عابرًا، هو أنه جاء بعد ساعات من قيام جريدة «تايمز» البريطانية، السبت الماضى، بنشر تقرير، نقلت فيه عن مصادر فى المخابرات المركزية الأمريكية، اتهامها عملاق التكنولوجيا الصينية، بالحصول على تمويل من لجنة الأمن الوطنى الصينية وجيش التحرير الشعبى الصينى وفرع ثالث فى شبكة المخابرات الحكومية الصينية.
الاتهامات الأمريكية لعملاق التكنولوجيا الصينية، ليست جديدة، كما أن التحركات والتدابير التى اتخذتها الولايات المتحدة ضد «هواوى»، لم تكن هى الطلقات الأولى فى الحرب التجارية والتكنولوجية ضد الصين، إذ تم فرض قيود جديدة على الاستثمارات الصينية فى شركات التكنولوجيا الأمريكية، وقامت «لجنة الاستثمار الأجنبى فى الولايات المتحدة» بإلغاء عدة صفقات صينية، وصدر «قانون إصلاح السيطرة على التصدير». بالإضافة إلى إجراءات وتدابير أكثر تستهدف حسم المعركة التى سيطول أمدها، والتى لن تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل تكلفة خسارتها، لأن كسر هيمنتها على قطاع التكنولوجيا، لا يعنى فقط أرباحًا أقل، بل سيهدد أيضًا سيطرتها على «أو احتكارها» لـ«صناعة المعرفة»، التى كانت أساس نمو اقتصادها، فى عصر ما بعد التصنيع، كما سيؤثر أيضًا على تفوقها المخابراتى والعسكرى.
فى أوقات سابقة، كنا نكتفى فى مثل تلك الحروب، بالجلوس على مقاعد المتفرجين، ولم نكن نستطيع، تشجيع اللعبة الحلوة. غير أن الوضع اختلف، الآن، وأصبحنا لاعبًا أساسيًا ورقمًا مهمًا، فى تلك الحروب، وفى الترتيبات والمعادلات المرتبطة بها، بعد أن استردت مصر عافيتها، وأعادت صياغة علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، واستعادت مكانتها فى إقليمها وقارتها والعالم كله.