رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في الذكرى الـ 37 لتحرير سيناء.. المصريون يصنعون المستقبل بثقة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تأتي الذكرى الـ37 لعيد تحرير سيناء والمصريون يصنعون المستقبل بثقة وسط أشارات مظفرة لانتصار "ثقافة الدولة الوطنية المصرية" بعد أن خاض جند مصر الأبرار حربا مجيدة لتحريرها من الإرهاب العميل تماما كما حرروها من الاحتلال الأجنبي.

ومع الحفاوة الثقافية الرسمية بذكرى يوم تحرير سيناء الذي يوافق الخامس والعشرين من ابريل، فان إيقاعات اللحظة المصرية الراهنة تعلي من قيم النصر وثقافة ثقافة الأمل والعمل على امتداد المجتمع كله في استلهام لمعاني استكمال عملية تحرير التراب الوطني المصري في سيناء التي بدأت بالقرار التاريخي بخوض حرب السادس من أكتوبر 1973 بقدر ما تعيد اللحظة المصرية الراهنة للأذهان قدرة المصريين على رفض الامتلاءات الخارجية والأجندات الأجنبية.

وفيما تحل هذه الذكرى المجيدة في لحظات يستعد فيها المصريون الذين قدموا مشهدا خالدا أثناء الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية لمرحلة جديدة من التنمية الشاملة والإصلاح السياسي، فان المشهد المصري ككل يعيد للأذهان مقولة شهيرة للمفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان ذهب فيها إلى أن أعظم سياسة خارجية ممكنة لمصر إنما تقوم على البناء الداخلي.

وفى منجزه الثقافى الشامخ:"شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان" تتجلى سيناء بحضورها عبر المكان والزمان والإنسان- فيما يقول" الحاضر الغائب جمال حمدان":"ان تكون مصريا فهذا يعنى فى الواقع شيئين فى وقت واحد:الأرض والشعب".

وجمال حمدان الذي قضى في السابع عشر من ابريل عام 1993 قدم أيضا للمكتبة العربية كتاب"سيناء في الإستراتيجية والسياسة"، ولعل أفكار هذا المثقف الوطني المصري والمفكر الاستراتيجي الكبير تتجسد الآن على الأرض المصرية وهو الذي قال إن المشروع القومي "ليس إلا بناء مصر القوية الكريمة: أي العمل والإنتاج المادي والسلعي مع إعادة توزيع العائد بعدالة" مضيفا:حين نقول مصر القوية فنحن نقصد مصر القوية العزيزة الكريمة في الداخل والخارج والداخل.

وإذا كانت الاستراتيجيات إملاء جغرافيا وتاريخ وقد تتغير السياسات المعبرة عنها لتتلاءم مع متغيرات الظروف، فان العقل المصري المبدع في تعامله مع الثوابت والمتغيرات يمضي في ملحمة وطنية جديدة للتنمية الشاملة في سيناء.

إنه "صراع كفاحى مصري جديد"، كما قال جمال حمدان من اجل التقدم على قاعدة العلم والتخطيط الرشيد وبروح تحرير سيناء وهو جدير بأن يفتح عصرا جديدا مجيدا وعالما جديدا شجاعا فى سيناء التي تشكل بامتياز أمثولة لجغرافيا الشهداء في أقدم واعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم.

وإن احتفظت الذاكرة الثقافية التاريخية وضمير مصر بالصيحة التي هتف بها ذات يوم مثقف مصرى كبير هو الراحل الدكتور لويس عوض معبرا عن الضمير الوطنى فى الطريق الى حرب رمضان:"سيناء..سيناء..سيناء" فان المثقفين الوطنيين المصريون يقفون الآن مع جماهير شعبهم على قلب رجل واحد مساندين جيشهم الوطني او "خير أجناد الأرض" في مواجهة الإرهاب والحرب النفسية-الدعائية الداعمة للإرهابيين والتي تطلق سهامها المسمومة من قنوات فضائية عميلة لقوى الشر تقوم على "لعبة محاولة تغيير المفاهيم والحقائق" في سعيها الآثم ضد الأمة العربية كلها ومحاولة هدم دولها الوطنية.

وإذا كان الأديب النوبلي المصري الراحل وكبير الروائيين العرب نجيب محفوظ قد قال:"ان روح أكتوبر لا تنطفئ فقد فتحت لنا طريقا بلا نهاية..وليس العبور سوى أول قفزة في تيار تحدياته"، فان تحرير سيناء بالكامل جاء تتويجا لحرب السادس من أكتوبر.

ورغم مضي أعوام طويلة سواء على حرب السادس من أكتوبر أو تحرير سيناء في الخامس والعشرين من ابريل عام 1982، فما زال الشعور العام سواء على مستوى الشارع المصري او النخب الثقافية بأن الأعمال الإبداعية عن هذين الحدثين المجيدين، مازالت اقل كثيرا مما ينبغي بل انه لم يظهر حتى الآن عمل واحد يشكل علامة خالدة في أدب او دراما الحرب بما يرقى لمستوى هذا الحدث أو ذاك وكلاهما يرتبط بقيمة الأرض المقدسة عند المصريين.

وهذه الظاهرة غريبة حقا لأن وقائع وقضايا الحرب والسلام، تشكل دراما إنسانية ومصدر الهام لا ينضب للمبدعين حول العالم بل وقد تكون سببا في ذيوع شهرتهم وهي على أي حال تعيد للأذهان مجددا حاجتنا الثقافية لأعمال إبداعية على مستوى صفحات مضيئة في تاريخنا وتحرير التراب الوطني المصري.

كما انطلقت دعوات تؤكد الحاجة لإنتاج أعمال درامية عن أبطال مصر الذين يحاربون الإرهاب في ملحمة وطنية مصرية جديدة بجوانب إنسانية وفكرية وسياسية واجتماعية جديرة بأعمال إبداعية ودرامية لخلق تيارات من الوعي تبني الوجدان الوطني.

وحتى على الإلهامات الإبداعية للطبيعة في سيناء، ثمة حاجة لأعمال تضارع ما يشهده أدب الصحراء من إنتاج مميز في أعمال بثقافات أخرى فواقع الحال ان الصحراء تعد مصدر الهام لمبدعين في الغرب والشرق وفي بلد كالولايات المتحدة تدخل بعض كتابات "أدب الصحراء" ضمن الجهود الثقافية الرامية لبناء "ثقافة مضادة لثقافة التسليع والإفراط الموغل في المادية".

وهكذا تقام سنويا مهرجانات ثقافية في مناطق صحراوية ومن بينها مهرجان، يقام في شهر أغسطس كل عام بمنطقة "صحراء الصخرة السوداء في نيفادا" وهو مهرجان يشارك فيه نحو 70 ألف شخص ليتحول هذا المكان الى "واحة ثقافية وبراح يضمد جراح الروح".

والإنتاج الثقافي الأمريكي يتضمن بعض الكتب اللافتة عن الصحراء مثل كتاب "جوهرة الصحراء المتفردة" للكاتب ادوارد آبي الذي قضى في الرابع عشر من مارس عام 1989، وكان من كبار المثقفين الأمريكيين المهمومين بالدفاع عن قضايا البيئة بقدر ما عرف بكتاباته التي "تمجد الصحراء"، وهذا النوع من الكتابة في السرد الثقافي الأمريكي ينزع نحو بناء منظور جمالي للصحراء مع تركيز على ابعاد السمو بالروح وتجاوز منغصات الحياة المعاصرة بإيقاعاتها اللاهثة.

وفي كتاب جديد صدر بالانجليزية بعنوان:"عالم بلا حدود: رحلات في أماكن صحراوية"، يطرح المؤلف ويليام اتكينز السؤال:"ما الذي يجذب الكثير من الفنانين والكتاب نحو الصحراء"، فيما يتحدث عن بعض المناطق الصحراوية في الغرب التي يمكن ان تتحول الى "واحات ثقافية".

والكاتب البريطاني ويليام اتكينز عرف بشغفه في الكتابة عن الصحراء ورحلاته في المناطق الصحراوية والنائية حول العالم حتى ان كتاباته على هذا المضمار، تشكل جزءا هاما من "أدب الصحراء في الثقافة الغربية المعاصرة"، فيما تضم سيناء مناطق قابلة بامتياز للتحول الى "واحات ثقافية" وبؤر جذب للسائحين والمبدعين من كل أنحاء العالم.

والصحراء التي قد ينظر لها البعض بخوف ووجل كمناطق لصخور قاسية ورمال متحركة وافق بلا نهاية وبلا حياة هي في نظر بعض المبدعين "موئل للإبداع وملاذ آمن من ضجيج الحياة وسط زحام لايطاق في المدن " وهاهو الكاتب ويليام اتكينز يعتبرها بمثابة "وجود مغاير في المكان والزمان".

وسيناء في الحقيقة مكون أصيل في التنوع الثقافي المصري داخل الجماعة الوطنية بهويتها الجامعة ومشتركاتها الثقافية ودماء الشهداء دفاعا عن كل ذرة رمل فيها تحت علم مصر فيما باتت الحرب على الإرهاب لا تقل أهمية عن الحرب ضد المحتل الأجنبي وكلاهما من اجل تحرير الأرض والإنسان المصري.

وإذ يتفق المثقفون المصريون على أهمية العملية التنموية الشاملة في سيناء، قال الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ان "توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعودة إلى ملف التنمية في سيناء مازالت الطريق الأمثل لمواجهة الإرهاب" مضيفا:"وسوف تسقط حشود الإرهاب أمام حشود البناء والتنمية".

وجند مصر الذين يحاربون الإرهاب الآن هم من نبت طاهر للمقاتلين في حرب السادس من أكتوبر 1973 التي توجت بتحرير سيناء بالكامل ويكتبون صفحة مجد جديدة في "جغرافيا الشهداء" وهم يدحرون الإرهاب الظلامي العميل ويردون غائلته وشروره عن التراب الوطني المصري.

ولأنه عاشق لمصر بالعاطفة والعقل معا فقد وصف الدكتور جمال حمدان ارض الكنانة "بمستودع القوة البشرية الطبيعي وخزان الطاقة الحيوية الأول في المنطقة ومن ثم آلة الحرب الأساسية وقلعة العروبة الحامية وقوتها الضاربة. إنها القلعة والحصن والدرع والترس جميعا وعلى كتفيها وقع عبء الدفاع عن المنطقة كلها عبر التاريخ".

وفي سياق قراءة للمشهد الإقليمي، يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إن الإرهاب مازال يحاصر المنطقة " فيما تساءل:"هل تبقى حدود دول المنطقة كما هي أم أن هناك خرائط جديدة؟" ليخلص إلى أنه "وسط هذه العواصف والمؤامرات فان جيش مصر سيبقى قلعة أمنها وحامي مستقبلها".

وعشية الذكرى السابعة والثلاثين لعيد تحرير سيناء يلاحظ الكاتب الكبير في جريدة الأهرام مرسي عطا الله ان "هناك محاولات مستميتة لإعادة بعث رياح الفوضى المحملة بجراثيم اليأس والكراهية في بعض دول المنطقة"فيما رأى انه "ليس هناك في المنطقة من هو مؤهل للنصح والإرشاد سوى مصر".

إنها مصر التي وصفها جمال حمدان بأنها "تشكل أقدم واعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم وهى غير قابلة للقسمة على اثنين او أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة"، وإذا كان أعداء مصر والمصريين قد سعوا عبر الإرهاب الأسود العميل لفرض التشاؤم واليأس على أوجه الحياة المصرية فإن أمانيهم المريضة لن تتحقق أبدا لأن اليأس لم يكن أبدا ولن يكون خيارا للمصريين الذين قدموا في تحرير سيناء ملحمة كتبها التاريخ بأحرف من نور.

وهي سيناء وكم ردت من عوادي وأعداء..هي سيناء أنشودة الكبرياء والدم الزكي وروعة الانتماء لمصر الكنانة..هي الأرض المصرية المباركة الحاضرة في التين والزيتون وفي طور سنين وفي ورق الدفلي وعطر الياسمين..في السهول والجبال الشم وابتهالات أم وابتسامة طفل في ضوء قمر مصري..وفي الذكرى المجيدة يصنع المصريون اليوم مستقبلهم بثقة ويتوهج العهد الخالد بين الشعب والأرض وبين الزمان والمكان.