رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهزائم لا تأتى فرادى


يقولون إن «المصائب» لا تأتى فرادى، ويبدو أن الهزائم التى لحقت بما يسمى المشروع التركى القطرى لم تأت- خلال الأيام الأخيرة- فرادى، بل جاءت بالجملة وبصورة متلاحقة، لتؤكد أن المال وحده لا يصنع النفوذ فى عالم السياسة، وأن السباحة ضد التيار على طول الخط نوع من الانتحار السياسى، دون أدنى شك.
فبعد ضبط عدة سفن تحمل أطنانًا من الأسلحة المهربة من تركيا إلى ليبيا بتمويل قطرى، وبعد ضبط العديد من العناصر الأمنية التابعة للبلدين هناك، وبعد سنوات طويلة من الوقوف مع إرادة الفوضى فى هذا البلد الشقيق، جاءت ساعة اليقين التى اعتقدوا أنها لن تأتى، وبدأت معركة تحرير طرابلس، وفشلت جهود المتآمرين- وعلى رأسهم بريطانيا- باستصدار إدانة من مجلس الأمن لقائد الجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر.
صرخات الإعلام التركى القطرى المتتالية والمتوجعة، عكست انتصارات حفتر فى معركة تحرير طرابلس، لكن الطامة الكبرى كانت في الاعتراف الأمريكى به من خلال المكالمة الطويلة التى أجراها معه الرئيس الأمريكى ترامب، وما تلاها من تصريحات أكدت دور حفتر لدحر الإرهاب فى ليبيا، وهو اعتراف أسقط وهمًا تم الترويج له لعدة سنوات، وهو أن العالم لا يعترف إلا بحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، الذى فقد السيطرة على عاصمة الدولة الليبية.. وأصبح أسيرًا لقرارات الميليشيات الإرهابية هناك.. الحقيقة المؤلمة بالنسبة لأصحاب المشروع الفاشل أن حفتر لم يفرض نفسه على مسرح الأحداث بالمليارات، كما يحاولون، وإنما بقوة السلاح والرجال الذين وضعوا أرواحهم فوق أكفهم، لأنهم يخوضون معركة شريفة من أجل وطنهم.
الهزيمة السياسية الثانية للمشروع الأردوغانى التميمى الفاشل، كانت بعد الإعلان الأمريكى الذى أكد أن أراضى سيناء ليست- بالقطع- ضمن ما يُعرف بصفقة القرن.. وهى صدمة ألقمت قنوات الكذب والتضليل المنطلقة من البلدين آلاف الأحجار، فقد ظلت هذه القنوات تتحدث بلغة الواثق عن أن هذه الصفقة المزعومة ستقتطع عشرات الكيلومترات من سيناء لإضافتها لدولة فلسطينية عاصمتها غزة، ناسين أو متناسين أن هذا هو المستحيل بعينه، فمصر دولة لها شعب يتمسك بأرضه ولها جيش قادر على حمايتها.. كما أن كل زبانية الموت وميليشيا التطرف الذين أرسلتهم قوى الشر فى العالم دفنت أجسادهم وأحلامهم الشيطانية فى رمال سيناء.
الخونة والإخوان فى القنوات الإعلامية الضالة فى كلا البلدين، كانوا يروجون أن مصر ستبيع جزءًا من سيناء فى هذه الصفقة المزعومة، من منطق أنهم خونة باعوا أوطانهم من أجل المال، والخائن يرى الدنيا «بعينى طبعه»، محاولًا إقناع نفسه بأنه ليس الوحيد الذى باع أهله ووطنه، لكن الحوادث أكدت أن فى مصر رجالًا لا يخضعون، رجالًا يعرفون قيمة الوطن ويدافعون عن ترابه ورماله بأرواحهم، دون أن يهتز يقينهم حتى لو سقط آلاف الشهداء.
الهزيمة الثالثة والحاسمة كانت من خلال الإقبال الكبير على صناديق الاستفتاء، هذا الإقبال صفع بقوة كل المشككين وكل الأفاقين الذين حاولوا التشكيك فى التفاف المصريين خلف وحول قائدهم ورئيسهم عبدالفتاح السيسى، فقد خرجوا ليقولوا رأيهم، وقد أعلنها الكثيرون أمام وسائل الإعلام وعلى صفحات السوشيال ميديا، أن أهم التعديلات بالنسبة لهم هو الخاص بمد رئاسة الرجل الذى يسابق الزمن وينتصر عليه، من أجل أن يضع بلده على طريق المستقبل.
لقد قطع هذا الإقبال وسط أجواء المرح والغناء- والرقص أيضًا وهذا ليس عيبًا- بأن المصريين لا ينصتون إلى خونة الإعلام التركى القطرى، لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم مأجورون لا قيمة لهم حتى لدى من يستأجرونهم، ويوجه حناجرهم بالأكاذيب سعيًا لهدم أوطانهم.
لقد قالها المصريون، مرارًا وتكرارًا، وأعادوها خلال أيام الاستفتاء فى الداخل والخارج، إن حبهم لبلدهم ليس له نظير، وإنه لا يقدر بالمال أو حتى بالذهب، وإنهم متمسكون بوطنهم على مدى قرون الزمان الطويلة التى بقيت فيها مصر، وصمدت أمام كل الغزاة الذين لم يهزموا مصريتنا، وعشقنا لترابنا وأرضنا.
الهزائم المتتالية، وهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، تؤكد أن المال وحده لا يصنع الزعامة، ولا يمنح النفوذ السياسى، فالصغار سيبقون كذلك، وإن أغدقوا بالمليارات على كل العصابات والميليشيات فى المنطقة أو فى العالم، وأن جنون العظمة لن يصنع من الأفاق سلطانًا.