رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أحمد برين".. صوت يوحد بين الأديان

جريدة الدستور

بعد صلاة الفجر، يتناول الشاي، ثم يتمدد في غفوة قصيرة حتى السادسة صباحًا، وعندما يستيقظ يكون مستعدًا لاستقبال ضيوفه الذين يتوافدون عليه من مشرب ومأرب.

ولد «محمد محمد أحمد برين» وفي قرية السلوى مركز كوم امبو بأسوان، عام 1939، رحل عنه والده وهو لم يتجاوز السنتين، وأصيب بحمى أفقدته بصره، سافربعدها بصحبة إخوته البنات الأربعة إلى قرية الحليله مركز إسنا، تزوج وأنجب بنتين وولدين، له شقيق وحيد رحل إلى السودان في عمر الـ 12عام ولم يعد.

لم يخلُ بيت الشيخ «أحمد برين» 76سنة، من أهل الفن والطرب، خاصة الفنان «إبراهيم الحجار» الذي كان يدوام على زيارته دومًا، ويهديه شرائط أم كلثوم، وفريد الأطرش، والشيخ محمد رفعت، ونصر الدين طوبار.

التحق«برين» بالكتاب، وحفظ القرآن الكريم في السادسة عشر من عمره، ثم رحل إلى بلدة «دير شرق» مركز إسنا، شارك مع كبار المشايخ فيما يسمى بـ «الورد» أو«الجارد» وهو عبارة عن حلقات من الذكر تُنشد فيها الأذكار والرواتب بشكل أسبوعي، وساعده ذلك في أن يحفظ العديد من قصائد الشعر والمواويل،إلى ان إستحسنوا صوته أثناء مشاركتهم في إقامة الحفلات الصغيرة بالقرية.

ورغم أنه لم يتعلم القراءة ولا الكتابة، إلا أنه كان مواظبًا على حفظ وتأليف الشعر والموال، والعجيب حسبما يقول ابنه «علي برين» أنه كان ينشد موالًا أو أغنية جديدة كل ليلة، يجلس في غرفته الخاصة، ويؤلف ويحفظ ثم ينادى لأحد أصدقائه أو أبنائه، أو الأقرب منه قائلًا:«تعالى أسمعكم الموال الجديد»، ألف موال بمناسبة إنشاء مترو الأنفاق، وحادث نجاة الرئيس الأسبق مبارك في أثيوبيا، وخروج المك فؤاد من مصر وثورة يوليو52.

حفظ الشيخ «برين» الإنشاد القبطي، بل وأحيا ليالي وحفلات في مناسبات قبطية، مثل مولد السيدة العذراء في الدير المسمى باسمها في قرية «درنكة» بالقرب من مدينة أسيوط، كما استخدم آلة «المثلث» التي تستخدم في العزف الكنسي.

حظيت مواويله مع تلميذه وابن أخته «محمد العجوز» بشهرة واسعة لعل أشهرها فرش وغطا، كما لم تحظى بعضها بأى شهة نتيجة لضياعها أو عدم تسجيلها أو إهمالها كالتسجيل الكامل لجلسته بقرية المهدات بالأقصر مع الشيخ «عبد الموجود» وسُجلت بدون عنوان،بحسب ابنه«علي برين».

كان«برين» أو«بريم» كما ينطقها بعض أهالى الصعيد، سريع البديهة وظريف الطابع، أتقن اللغة العربية ومخارج حروفها رغم أنه لم يتعلم الكتابة ولا القراءة،كان مداومًا على سماع إذاعة القرآن الكريم والبرنامج العام وحريص على متابعة الأخبار والأحداث أول بأول، حتى أنه غنى بعض المواويل التى تناسب بعض الأحداث السياسية الهامة مثل حرب العراق والكويت، وحرب أكتوبر1937 الذي خصص لها شريط تسجيلي كامل. وصدر له عام 2003 ألبوم واحد فقط بعنوان «أغانى صوفية» عن معهد العالم العربي بباريس، وهو معهد أنشئ خصيصًا للظواهر المحلية العربية.

أراد الشيخ أن يرحل إلى مدينة الأقصر لإقامة حفلات مولد النبي، وكون فرقت الخاصة من بعض المنشدين مثل: «صالح حفني، عبد الرضي الحايق، محمود أحمد كلود».

زادت شهرته في تلك الفترة بين مركز الأقصر وإسنا وقوص، ثم انتقل إلى محافظة قنا، وأسوان، وقراها لإقامة الحفلات إلى أن شاهده في مدينة الأقصر السياح فأعجبوا به، وبدأت العروض تأتيه من خارج مصر، فسافر إلى فرنسا للمرة الأولى عام 1985 للمشاركة في «أيام الموسيقى العربية» في مدينة نانتير.

قال «علي برين» إن والده كان لا يتخلى عن محفظته أبدًا،كان يعرف ما يحتويه كل جيب فيها، بالإضافة إلى شرائط الكاسيت الخاصة به، التي كان يستمع من خلالها لأغانى أم كلثوم والأطرش وعبد الوهاب وغيرهم بالإضافة إلى أصوات المشايخ الكبار كطوبار ومصطفى إسماعيل ومحمد رفعت، مضيفًا أن والده كان إذا سلم على احد وسمع صوته وقابله فيما يعرفه على الفور مهما طالت المدة.

قبل وفاته بأربع سنوات كان الشيخ متوجهًا لإحياء حفلة بقرية "دراو" بأسوان وفجأة في حالة من التيه وغاب عما حوله وبدأ يرتعش، ومع ذلك لسانه لم يتوقف عن المديح والإنشاد، فذهبا به ابنه «علي» - المرافق له - إلى أقرب مستشفى ليعرفا أن«الشيخ برين» أصيب بجلطة، أثرت عليه لفترة قصيرة فعاود إحياء الحفلات مرة أخرى، وبعدها بسنة ونصف تقريبًا تكالب عليه المرض، فأصيب بمرض النقرس بالإضافة إلى قصور في الدورة الدموية ومشاكل الضغط والقولون، وكان إذا جلس القرفصاء استعدادًا للغناء والإنشاد، يصرخ من شدة الألم والتعب فتوقف مباشرة عن كل شىء، ولزم بيته وحياته الخاصة إلى أن وافقته المنية 30 يونيو 2015.