رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إرهابيون بلا مأوى!



لا فائدة من أى نقاش موضوعى، أو عبثى، بشأن ضمانات إصدار أحكام الإعدام وضوابط تنفيذها، لأنك حتى لو افترضت وجود سبب منطقى، أو ثأر بائت، يجعل قضاة الجنايات والنقض العشرين (٦+١٤) يتفقون جميعًا على التواطؤ ضد التسعة، الذين تم إعدامهم، صباح الأربعاء، أو من سبقوهم، فإن مداخلات ذويهم التليفونية، على شاشات تموّلها المخابرات التركية والقطرية وربما الإسرائيلية، تكفى وزيادة لإثبات أنهم أيضًا إرهابيون مثلهم.
على الحقوقيين، إذن، ومنظماتهم، سواء كانت تحت مستوى الشبهات أو فوقها، أن يولوا وجوههم وأموالهم شطر الإرهابيين ونسائهم وأطفالهم فى دول أخرى، بعد أن قالت الأرقام إن تحت يد الأكراد، الآن، حوالى ١٥٠٠ امرأة أجنبية وأطفال فى المخيم الموجود شمال سوريا، من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى أكثر من ٨٠٠ مسلح داعشى تم إلقاء القبض عليهم، وطالب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الأحد، الدول الأوروبية باستعادتهم وتقديمهم للمحاكمة.
على الخط، دخل الإسرائيليون، وذكرت وسائل إعلام عبرية، بينها موقع «واللا»، أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية، رفعت تقريرًا إلى هيئة الأركان العامة، أعربت فيه عن قلقها من عودة مقاتلى «داعش» إلى بلادهم، بزعم أنهم سيحاولون شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية. ومع أن «داعش» لم يكن له أن نشاط، سابق، فى الأراضى العربية المحتلة، إلا أن الإسرائيليين يعتقدون أن عناصر التنظيم قد تستهدفهم بسبب تقارير وسائل الإعلام حول ضلوع المخابرات الإسرائيلية فى إحباط هجمات للتنظيم، أو قيام الجيش الإسرائيلى بشن هجمات ضده.
فى تغريدة الأحد، هدد الرئيس الأمريكى الأوروبيين بأن قواته، ستضطر إلى إطلاق سراح الإرهابيين، وحذر من أن بلاده «لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلى التنظيم المعتقلين فى سوريا يتغلغلون فى أوروبا». ومع ذلك، توقعنا، فى مقال سابق، ألا يتم تنفيذ التهديدين، لأن كليهما، الصريح والضمنى، يتناقض مع ما سبق أن أعلنه بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكى للتحالف ضد «داعش»، بأن مهمته الأساسية ضمان مقتل كل مقاتلى التنظيم الأجانب.
ما توقعناه صار مؤكدًا، بعد أن فعل الرئيس الأمريكى، نفسه، عكس ما طالب الأوروبيون بفعله، ولا تفسير غير ذلك، لتلك التغريدة التى كتبها، الأربعاء: «أمرت وزير الخارجية مايك بومبيو، وهو موافق تمامًا، بعدم السماح بعودة هدى مثنّى إلى البلاد، من سجنها فى شمال شرق سوريا». والغريب، هو أن تلك التغريدة جاءت بعد ساعات من رفض متحدّث باسم الخارجية الأمريكية التعليق على حالة «مثنّى»، بزعم وجود موانع تتعلّق بسلامتها، مكتفيًا بالإشارة إلى أن وضع المواطنين الأمريكيين، فى سوريا، قضية بالغة التعقيد، وأن بلاده ما زالت تدرس هذه الحالات «لفهم التفاصيل بشكل أفضل».
هدى مُثنّى «٢٤ سنة» وصلت إلى الرقة عبر الحدود السورية- التركية فى نوفمبر ٢٠١٤، قالت فى حوار مع شبكة «إيه بى سى» الأمريكية إنها انضمت إلى تنظيم داعش بـ«الزواج» من أسترالى، ولما مات بعد ٣ أشهر من الزواج، تزوجت من تونسى، مات أيضًا بعد سنة، وهو والد طفلها الوحيد «١٨ شهرًا» الذى تخاف على مصيره. وبعد أن أبدت ندمها وزعمت أنها تعرضت لعملية «غسل دماغ»، جددت مطالبتها بالسماح لها بالعودة إلى بلدها، غير أن الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا قالت فيه إن هدى مثنّى ليست مواطنة أمريكية. فى حين أكد محاميها أنّها مواطنة أمريكية، مولودة فى ولاية نيوجيرسى!.
كثيرون، مثل هدى، تم منعهم من العودة بسبب مخاوف أمنية، أحدثهم شاميما بيجوم «١٩ سنة» التى ناشدت السلطات البريطانية بأن تتعاطف معها وتسمح لها بالعودة، فأصدر ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطانى، قرارًا بتجريدها من الجنسية، مع أنها وضعت مولودًا، الأحد الماضى، فى مخيم الهول للاجئين فى شمال شرقى سوريا، من حقه الحصول على الجنسية البريطانية، ومع أنها لا تحمل جنسية أخرى، ما يجعل قرار «جاويد» مخالفًا لمعاهدة نيويورك الموقعة فى ٣٠ أغسطس ١٩٦١ والتى صادقت عليها بريطانيا، والتى تمنح للدولة حق إسقاط الجنسية عن أى شخص إذا اعتبرت أن ذلك يخدم «المصلحة العامة»، بشرط ألا يجعله ذلك بدون الجنسية.
أخيرًا، ومع استمرار تجاهل الحقوقيين ومنظماتهم تلك الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان، سيظل الإرهابيون مشردين، بلا مأوى، حتى يذهبوا إلى الجحيم، إما بفعل الجوع والمرض أو بقذيفة من قوات الدول التى صنعتهم وظلت تستعملهم، حتى اضطرت إلى غسل أيديها منهم. وتلك هى النهاية الطبيعية، التى توقعها المثل القديم، لـ«خدمة الغز». لكن، كالعادة، لن يكون لهذه الأمثال أو العبر أى تأثير أو أثر على «أقفية» لديها مناعة، قد تكون طبيعية أو مكتسبة، مع مكتسبات أخرى، يحصل عليها الإرهابيون وعملاؤهم وحلفاؤهم والمركوبون منهم.