رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"زمن الكرامة".. مشردون بعد انتقالهم لـ"دور رعاية": "أخيرًا حد افتكرنا وجبر خاطرنا"

جريدة الدستور


محمد عوض- مصطفى دياب-عمرو الحوتى- محمد أبوشادى - على حسين- محمد حفيظ- همت الحسينى- شريف عبدالغنى - حسام جبر- معوض هويدى- هبة عويضة

اختاروا الإقامة فى الشوارع، واتخذوا من أرصفتها مأوى لهم، وسط نظرات المارة وتقلبات الطقس وصعوبة المعيشة، تسألهم عن سبب قبولهم تلك الحال، فيردون سريعًا: «اللى رماك على المر.. الأمر منه».
استمر هؤلاء على تلك الحال، حتى انتشلتهم فرق إنقاذ المشردين، التابعة لمبادرة «إحنا معاك»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرًا، لإنقاذ المشردين والأطفال بلا مأوى من «جحيم» الشارع. «الدستور» تحدثت مع هؤلاء المشردين من الأطفال وكبار السن، عن حياتهم داخل دور الرعاية التى انتقلوا إليها، بالإضافة إلى الأسباب التى تجعل بعضهم يرفض الانتقال إلى تلك الدور.

عم عيد: هربت بسبب زوجة الأب.. وأتابع مباريات الأهلى مع زملائى

فى إحدى الحدائق العامة بمحافظة الإسكندرية، كان «عم عيد» يفترش الأرض التى أصبحت مسكنه منذ سنوات طويلة، حتى إنه لم يعد يعرف كم يبلغ من العمر، بعد أن قضى أيامه هائمًا فى شوارع المدينة، لا يعرف غير هؤلاء الذين يمدون له يد العطف بالمال أو الملابس أو الغطاء فى أيام الطقس السيئة.
يروى «عم عيد» حكايته قبل انتقاله مؤخرًا لدار رعاية قائلًا: «قضيت عمرى كله بين مؤسسة الأحداث والشارع. قصتى تبدأ بقسوة زوجة والدى التى دفعتنى إلى ترك المنزل فى العاشرة من عمرى، بحثًا عن مكان آخر لا أعانى فيه من الذل وسوء المعاملة. دخلت بعدها إحدى مؤسسات الأحداث، لكنها كانت أصعب من البيت، ففيها تعرضت للضرب وعدم الرعاية، حتى أكملت السن القانونية، وخرجت منها إلى الحياة لا أعرف شيئًا».
ويضيف: «فى المؤسسة لم أتعلم أى شىء، لا مهنة ولا صنعة أستطيع أن أعمل بها، فأصبح الشارع ملاذى الوحيد، وفيه وجدت العطف من بعض الناس بالطعام أو الكساء، وقضيت عمرى كله على هذه الحال».
وعن تجربته بعد الانتقال من الشارع إلى دار الرعاية، يقول إن المسعف الذى وجده قال له: «نريدك أن تدخل الدار لتتلقى فيها العلاج والرعاية، فقبلت خاصة أننى أعانى من إصابة فى قدمى»، مضيفًا: «عندما جئت إلى الدار، ومنذ أول يوم لى فيها، لاحظت تعامل الفريق معى بحب، ووجدت بها المعاملة الحسنة وأصبح لدىّ لأول مرة فى حياتى وسائل الترفيه، حتى إنى أشاهد مباريات الأهلى مع زملائى».

الحاج على لأبنائه الثلاثة بعد طرده: «ربنا مش هيسيب حقى»
يجلس «الحاج على» بجوار منطقة «المشحمة» فى مدينة المحلة بمحافظة الغربية، بعد أن تجاوز عمره ٧٤ عامًا، عمل خلالها موظفًا بإحدى الهيئات الحكومية، ورغم أنه لديه ٣ أبناء نجح فى إلحاقهم بالتعليم الجامعى وتزويجهم داخل منزل يمتلكه بواقع شقة لكل منهم، طرده هؤلاء الأبناء بتحريض من زوجاتهم.
وجد «الحاج على» نفسه فى الشارع حتى تدخل فريق إنقاذ سريع تابع لوزارة التضامن الاجتماعى، ونقله إلى إحدى دور المسنين. ويختتم حديثه بمطالبة أبنائه بإعادة النظر فيما فعلوه معه قائلًا: «دوام الحال من المحال.. وربنا مش بيسيب حق حد فى الدنيا».
جابر بكرى: شقيقى استولى على ميراثى.. وأريد عملًا

«تركت منزلى بعد وفاة والدى ووالدتى، واستغلال شقيقى لعدم قدرتى على القراءة والكتابة، وأخذ حقى فى منزلنا، ولأنى لم أكن أملك أى شىء وجدت نفسى فى الشارع».. بهذه الكلمات يبدأ جابر بكرى، البالغ من العمر ٥٤ عامًا، رواية حكايته فى الانتقال إلى «حياة الشوارع».
يضيف: «بعد انتقالى إلى الشارع حاولت أن أجد أى عمل لأعيش منه، وبالفعل عملت على عربة كارو، وعلى فرش لبيع الشاى، وكنت أحيا اليوم بيومه، وغالبًا لم يكن ما أحصل عليه يكفى إلا الطعام والشراب، ولم أجد مكانًا أنام فيه إلا الشارع».
ويتابع: «كنت أنام كل يوم فى حديقة محطة مصر، وأخرج بالنهار لأسعى على أى عمل باليومية، حتى التقيت فريق الإيواء، الذى وفر لى مكانًا يحمينى من برد الشارع، لكنى ما زلت أريد أن أعمل، لأنى اعتدت أن أكسب من عمل يدى، حتى لو كان كسبًا لا يكفينى لأعيش جيدًا».
أحلام.. مشردة فى جلباب رجالى ولا تذكر شيئًا عن حياتها
عثرت الدكتورة فاطمة الخياط، وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بأسيوط، على سيدة ترتدى «جلباب رجالى»، حليقة الرأس على طريقة الذكور، وتجلس على محطة القطار، حيث تطلب من المارة لقمة عيش أو شربة ماء، وأحيانًا أخرى تطلب السجائر. إنها السيدة «أحلام»، التى تبلغ من العمر ٥٠ عامًا، وهى من مركز «منفلوط»، ولا تتذكر من حياتها السابقة شيئًا سوى اسمها، عثر عليها فريق إنقاذ المشردين والأطفال بلا مأوى التابع لمديرية التضامن بأسيوط، وتوقعت وكيل الوزارة أنها أمام رجل أنهكته الأيام، وبالحديث معها تبين أنها سيدة ترتدى ملابس الرجال. ولم تتردد السيدة «أحلام» ثانية واحدة فى الذهاب إلى دار رعاية المشردين قائلة إنها لا تريد سوى المأكل والمشرب فقط.
جمعة حسنين: أولادى رمونى.. وشباب الإيواء حمونى من البرد
لم يجد إلا المسجد ليأوى إليه، بعد أن انتزعت الرحمة من قلوب أبنائه، فتركوه فى الشارع دون أى عطف أو شفقة.. إنه جمعة حسنين، البالغ من العمر ٥٧ عامًا، والذى يقول: «كان لدىّ بيت وعائلة وأبناء، لكن كبر سنى ومرضى لم يردهم عن إلقائى فى الشارع، الذى كان أحن علىّ منهم، لأنى وجدت فيه العطف من أهل الخير». ويضيف: «بعد سنوات من المعاناة، اتصل أهل الخير بفريق الإيواء، الذى ذهب بى إلى دار الرعاية، وفيها تحولت حياتى من جديد، وأصبحت أعيش حياة طبيعية، أحصل فيها على ملبس نظيف وسرير لا يطاله البرد، كما أنى أصبحت أعيش مع بعض الزملاء، بعد السنوات التى قضيتها وحيدًا فى الشوارع».
الطفل طلعت: التحقت بـ«تالتة ابتدائى» وتعلمت «النجارة»
قال الطفل «طلعت. م»، البالغ من العمر ٨ سنوات، إنه ترك منزل أسرته منذ أكثر من ٥ أشهر، وأقام على رصيف الكورنيش بمحافظة المنيا لمدة شهر كامل، وذلك بسبب المشكلات التى ضربت المنزل بعد انفصال والديه.
ظل «طلعت» مقيمًا على رصيف الكورنيش، حتى عثر عليه بعض أفراد حملة «أطفال بلا مأوى»، وأقنعوه بالإقامة بدار الرعاية، بعد أن ظل متخوفًا من الذهاب إلى الدار خشية المعاملة السيئة. وأضاف الطفل الذى يحلم بأن يكون حارس مرمى مشهورًا، أنه وجد فى دار الرعاية كل ما حُرم منه، من ملبس ومأكل وألعاب، كما جرى إلحاقه بالصف الثالث الابتدائى، إضافة إلى تعليمه صنعة النجارة فى الغرف الموجودة بالدار.
السبعينية جمالات: أتقاضى معاشًا 320 جنيهًا.. و«هاموت هنا»
تقول السيدة جمالات إن لديها ٤ من الأبناء غير الأشقاء، انتقلت إلى مدينة العاشر من رمضان للإقامة مع أحدهم بعد وفاة زوجها الثانى، منذ عام ونصف العام، حتى فوجئت بتركها وحيدة بعد مغادرة نجلها وزوجته المنزل، بحجة أنه غير قادر على تدبير احتياجات المعيشة.
ظلت تبحث عن مأوى لكنها فى النهاية اضطرت إلى النوم فى الشوارع والمساجد والطرقات، دون أن تتلقى الرعاية من أحد، لكنها تقيم الآن فى غرفتها بمركز الاستضافة، وتتقاضى معاشًا بمبلغ ٣٢٠ جنيهًا، بعد أن أنقذها أحد أفراد الحملة، أثناء وجودها بجوار المسجد الكبير بشرق النيل. تقول: «مش عايزه أمشى من هنا لأنه ده المكان اللى نفسى أرتاح فيه من زمان».

ناصر: هربت إلى الرصيف حتى لا أكلف أسرتى أعباء
على مدى ٣ سنوات، اعتاد أهالى مركز سمالوط بمحافظة المنيا، على رؤية ذلك الشخص المسمى ناصر الذى يقيم على الرصيف المجاور لـ«موقف مصر»، ويؤكد الأهالى أنه روى لأحدهم قصته ذات مرة، موضحًا أنه ولد لأسرة فقيرة للغاية، وكان يعمل فى محل حلوانى بمدينة سمالوط، ومنها سافر إلى القاهرة التى عمل بها بعض الوقت، إلى أن تعرض لحادث أسفر عن إصابته بكسر فى العمود الفقرى والقفص الصدرى، وعاد إلى أسرته فضاقت بأعباء علاجه، ليقرر ترك منزله ويلجأ للإقامة فى الشارع منذ عام ٢٠١٢.
وناشد الأهالى فرق الرعاية بالتوجه إلى المنطقة، والبحث فى حالة «ناصر» من أجل نقله إلى إحدى دور الرعاية المشاركة فى مبادرة إيواء المشردين.
عم متولى.. تسليم عم متولى إلى شقيقته فى قرية طناح بالدقهلية
بعد بلاغ من بعض أهل الخير إلى إحدى الفرق العاملة فى مجال إيواء المشردين، نجحت الفرقة فى الوصول لرجل مسن اعتاد على النوم فى الشارع إلى جوار مستشفى دكرنس العام بالدقهلية، وتبين أنه يدعى «متولى»، ويبلغ من العمر ٨٠ عامًا. نقلته فرقة الإيواء إلى المستشفى للحصول على الرعاية الطبية اللازمة لحالته، مع إعادته تدريجيًا إلى حالته الطبيعية، ما سهل الحصول على بعض بياناته. وبعد البحث خلف المعلومات، توصل فريق الرعاية إلى أن «عم متولى» ينتمى لقرية تسمى «طناح»، وتبين أن شقيقته المقيمة بالقرية كانت تبحث عنه، لذا تمت إعادته إلى بيتها بعد سنوات من الغياب.

سامى: لم أستطع دفع الإيجارو«فرق التضامن جاتلى من السما»

«أنتم جيتولى من السماء.. أنا عاوز مكان أرتاح فيه.. تعبت كتير فأنقذونى».. تلك كانت كلمات «سامى» الأولى إلى مديرة فرق الإنقاذ بمدينة دمنهور فى محافظة البحيرة، التى تتجول فى شوارع المدينة على مدى الساعة، بحثًًا عن المشردين. يقول «سامى»، إنه بدأ سكنى الشارع بعد أن فشل فى دفع إيجار الشقة التى يسكنها، مشيرًا إلى أنه بحث طويلًا عن مكان بعدما أتعبه النوم فى الشارع، لكن «ماليش أهل يسألوا عنى خالص، أنا طول عمرى فى الشارع، الحمد لله إن ربنا بعتكم ليا».
بلاغ لفرق المنيا: أنقذوا حالتى مديرية التعليم ونادى القضاة

فى شارع «سعد زغلول» بجوار مخازن مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا، يقيم شخص مجهول الاسم والهوية، يبلغ من العمر نحو ٥٠ عامًا، وفى المرات القليلة التى سمح فيها لبعضهم بتبادل الحديث معه، صرح بأنه أحد أبناء مركز العياط بالجيزة، دون أن يكشف أى شىء آخر عن بياناته.
هكذا يكشف المهندس صبحى وليم جاب الله، صاحب أحد محال قطع غيار السيارات فى المنطقة، قصة الرجل المسالم الذى يمضى يومه بالكامل إلى جوار سور مخازن مديرية التربية والتعليم، ثم ينتقل ليلًا للمبيت فى «خرابة» مجاورة.
يضيف المهندس صبحى: «بعد انطلاق المبادرة، اتصلت بمديرية التضامن الاجتماعى، وأبلغتها بالحالة، فأكدت له أنها قادمة إليه، لكنها لم تحضر، لذا حررت محضرًا عن الحالة فى ١٩ يناير ٢٠١٩، وحمل رقم ١٤٧٣١١٤، وما زلت فى انتظار فرق الإنقاذ للقيام بدورها». ويتابع: «لاحظت أن هناك سيدة خمسينية تنام إلى جوار سور نادى القضاة بكورنيش النيل بالقرب من كوبرى المنيا، لكنها تتحرك فى الصباح إلى داخل المدينة، وبعدها تعود للمبيت فى نفس المكان، ولما حاولت مساعدتها بمنحها بعض الملابس رفضت بشدة، وأكدت أنها ليست متسولة، لذا أرجو من فرق الإنقاذ نقلها إلى إحدى دور الرعاية».