رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الليدى والفلاح.. كيف وقعت «جين» بنت الذوات فى حب عاطل هارب من السجن؟


جيهان: انبهرت بشخصية السادات قبل أن أراه.. وكان بطلى قبل أن يصبح زوجى

على كثرة ما تمتلئ به كتب التاريخ من قصص الحب والغرام، إلا أنها دائمًا ما يحكيها الرجال، إما عشاق أو مراقبون، متابعون أو كُتّاب وصلتهم أخبار المحبة. وربما كانت العاشقة الوحيدة التى وصلتنا روايتها لما أصاب القلب من سهام الوجد هى «رابعة العدوية»، الملقبة بـ«شهيدة العشق الإلهى»، لذا فإنه عندما تحكى الآنسة «جين» البريطانية الأم، والتى لم تعرف أن لها اسمًا آخر إلا عند دخولها المدرسة، ولم تمض سنوات معدودة حتى كانت تقاتل من أجل حبها للفلاح المصرى الهارب من الشرطة، والمتهم المفصول من عمله، والذى حملت اسمه طوال حياتها معه، وظلت تحكى عن حبهما حتى بعد «اغتياله»، فعلى الجميع أن ينصت، ويسمع، لأن من تتحدث لن تكون سوى جيهان السادات، سيدة مصر الأولى، الطفلة التى هاجمها الغرام فى الخامسة عشرة من عمرها، وواجهت الجميع من أجل حبها، فكان لها ما أرادت، وكانت لنا قصة حب أسطورية جديدة، نضيفها إلى تراث المصريين والعرب من حكايات الحياة، والإصرار على تحقيق الهدف مهما كان صعبًا، وحتى لو كان هو والمستحيل سواء.
كانت من عائلة ميسورة الحال، تنتمى إلى الطبقة المتوسطة، وكان فقيرًا.. كانت فتاة صغيرة لم تكمل عامها الخامس عشر، وهو رجل فى الثلاثين من عمره، متزوج ولديه ثلاث بنات.. كانت لها أم إنجليزية، وهو يحارب من أجل إخراج الإنجليز من مصر.. كانت فى مقتبل حياتها، وهو مفصول من عمله، وكانت جميلة بيضاء، وكان أسمر داكن السمرة، يزحف الصلع إلى رأسه الذى يفتقر إلى الوسامة، فكانت بوادر قصة حب أسطورية، كتب لها القدر أن تستمر.
فى كتابها «سيدة من مصر»، تقول جيهان صفوت رءوف كل شىء عن حبها للرئيس الراحل محمد أنور السادات، تحكى عن كل شىء بالتفصيل غير الممل، بلا مواراة، ولا خجل، ولا تردد، فهى المرأة التى أحبت، وأخلصت، وعانت بعد رحيل حبيبها، بل حبها الوحيد، تقول: «كم كان حظى سعيدًا بأن أزف إلى رجل أعرف أننى أحبه، وهذا شىء لا يعرفه إلا القليل من صديقاتى، وقد شعرت زميلاتى فى المدرسة بالدهشة حين أخبرتهن، وعرضت عليهن صورة أنور، وبدأن يسألننى: هل هو غنى؟ فنفيت ذلك، فقلن هل يتولى منصبًا كبيرًا؟ فكان الرد ليست عنده وظيفة، ثم قلن وهن يتضاحكن: إذن لماذا تزوجته وهو أكبر منك سنًا؟ ولكن شخصيته جذبتنى.. هكذا كان ردى.. كانت البنات تحلمن بنجوم السينما وكان هو بطل أحلامى».
وعن بداياتهما معًا فتقول: «خامرنى فى البداية افتتان بأنور السادات، فقد كان بطلًا عظيم الشأن، وكنت فتاة صغيرة أحلم بالزواج منه، حتى قبل أن تلتقى عيناى به، وحين التقينا بالفعل فى هذا اليوم المحتوم، وقعنا فى الحب من أول نظرة، وإن كنت واثقة من رفض والدى، فالسادات بالنسبة لهما فقير ومطلّق وسياسى وأكبر منى بسنوات عديدة». وتقول: «كان حب حياتى، شريكى الأبدى، كان أنور السادات بطلى قبل أن يصبح زوجى، سجنته السلطات البريطانية بسبب حملاته المتواصلة على البريطانيين، واحتلت محاكمته عام ١٩٤٨ فى قتل أمين عثمان، وزير المالية المصرى آنذاك، العناوين الرئيسية للجرائد، وقد تابعت القصة مبهورة الأنفاس، وحين ظهرت براءته، وخرج من السجن، سيطرت علىّ البهجة، وما لبثت أن قابلت أنور وجهًا لوجه مذهولة فى بيت أحد أبناء أعمامى، وعندها وقعنا فى الحب من أول نظرة».
وتقول أيضًا: «تعرفت عليه قبل أن أراه، وتأكدت أنه يملك روح البطولة وليس شخصًا عاديًا، كانت سنى صغيرة، ولم أكن أتصور أن أرتبط به أو أتزوجه، كل الموضوع أنى انبهرت بالشخصية قبل أن أراها»، والحكاية أنه عندما خرج السادات من السجن، ذهب مع زوج عمتها، حسن عزت، إلى السويس، ورأته لأول مرة، فأبدت انبهارها بصمته، وهدوئه، والتزامه، ورغبته فى سماع من حوله، لكنها بدأت تسأل نفسها: لماذا لم يعد إلى بيته ما دام متزوجًا ولديه أولاد؟، وعرفت فيما بعد أنه منفصل عن زوجته، وهناك اتفاق على ذلك، وكان الطرفان ينتظران خروجه من السجن ليصبح الانفصال رسميًا، فى ذلك الوقت شعرت بأنها حرة فى عواطفها نحوه، لأنه لم يعد مرتبطًا بأحد، لذلك لاحقته بالأسئلة عن كل شىء فى حياته داخل السجن، كيف كان يقضى يومه؟ وما الأمور التى كانت تشغله؟.
وفى أحد حواراتها الصحفية كشفت جيهان السادات عن المرة الأولى التى قررت خلالها أن ترتبط بالسادات قائلة: «كان ذلك فى عيد ميلادى الخامس عشر، إذ تقابلنا فى كازينو بالإسماعيلية، وكان يومًا جميلًا، سألت فيه السادات عن فترة السجن التى قضى خلالها عامين ونصف العام بين الجدران، ولم أشعر مطلقًا فى داخله بنوع من المرارة مثل كل السجناء السياسيين، بل كان يعتبر الأمر نوعًا من التضحية والتحدى».
يومها قدّم لها السادات «أغلى هدية»، بحسب وصفها، فلم يكن يملك مالًا كى يشترى لها هدية، ولا يملك شيئًا ثمينًا كى يقدمه، فقرر أن يغنى لها أغنية فريد الأطرش «يا ريتنى طير وأطير حواليك»، وكانت تلك هى الهدية الأغلى لفتاة مراهقة يغنى لها بطل أسطورى، فبدأ الحب يتسلل ويتمكن من قلب كليهما، فاستطاعت الخروج معه أكثر من مرة، والمشى معه فى الفجر على شاطئ السويس، ثم دبرت ظروفها وقابلته فى الإسكندرية العديد من المرات، لكن المشكلة الأكبر كانت إقناع والدتها الإنجليزية المتشددة بالموافقة على علاقتها به.
وقفت أمام أهلها وأصرت على الزواج قائلة: «لو ما اتجوزتوش مش هتجوز غيره»، فتم الزواج، وارتضت الحياة فى أسوأ الظروف، فقط من أجل العيش مع حبيبها الذى أصبح بعد أكثر من عشرين عامًا رئيس أكبر دولة عربية، فأصبحت هى سيدة مصر الأولى، لتحكى للعالم كله، وللأجيال المقبلة عن ليلة عقد قرانها قائلة: «كانت أكثر الزغاريد ارتفاعًا فى يوم زفافى هى زغاريدى أنا، إذ لم أستطع أن أملك زمام نفسى حين سأل المأذون أبى إذا كنت قد قبلت أنور زوجًا؟.. وحين سأل المأذون هل وافقت على الزواج؟ نظر أبى إلىّ وهو يفخر بابنته، فهززت رأسى بشدة حتى أحسست أننى أكسر رقبتى وقلت: نعم، وأضاف أبى: إنها توافق».
وتحكى عن المرة الأولى التى ظهرت فيها كسيدة أولى لمصر، حيث كان ذلك فى أول حفل لأعضاء السلك الدبلوماسى المعتمد فى القاهرة بقصر عابدين، يومها لم يدع الرئيس السفراء فقط، بل دعا زوجاتهم أيضًا، وهو ما لم يكن متعارفًا عليه فى ذلك الوقت، يومها كانت المرة الأولى التى يدخل فيها الرئيس المصرى قاعة الحفل وبجانبه زوجته، وتصف «جين» هذه اللحظة قائلة: «خيم الصمت والذهول على الضيوف عندما شاهدونا، ليعلن أنور بهذا الفعل البسيط وعلى الملأ، أن رئيس مصر، القائد الجديد فى العالم العربى، يدعم المساواة بين الرجال والنساء، قولًا وفعلًا، وقتها كنت أسبح فى الهواء فخورة ببيان زوجى للعالم».
أما عن الحكايات اللطيفة فى حياتهما معًا فتقول إنهما كانا فى زيارة إلى الولايات المتحدة، وكانا على موعد لزيارة استديوهات هوليوود، فصحت على حلم باختيارها للتمثيل فى أحد أفلامها، وأرادت أن تختبر إذا ما كان سوف يغار عليها أم لا، فحكت له بمجرد استيقاظهما عن تفاصيل الحلم، وقالت إنهم ربما يختارونها للتمثيل فى هوليوود، فضحك بصوت مرتفع وهو يقول لها: «يا ريت».