رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنز الأحفاد.. أنيسة حسونة: باجى على نفسى.. والتزاماتى تجاه من أحبهم تجعلنى أتحمل الكثير

 أنيسة حسونة
أنيسة حسونة

أصدرت مع أشقائى «مجلة البيت» من 4 ورقات لتسجيل اعتراضنا على الأكل
قمت بثورة وعلقت لافتات فى المنزل وأنا طفلة ضد تحديد مواعيد التليفزيون
تعرفت إلى زوجى شريف بالصدفة واتعلمت الطبخ من أهله


تُعرف النائبة أنيسة حسونة، الكاتبة والباحثة السياسية عضو مجلس النواب الحالى، بين عائلتها بـ«تيتا أنيسة»، وهى ملجأ الأسرة الآمن، وكنز الأحفاد الذين تقص عليهم القصص والحواديت. تشجع «تيتا أنيسة» النادى الأهلى لكن دون تعصب، وتربت داخل بيت قوامه الفن والثقافة والحب، والدها قاضٍ من أسرى حرب ١٩٥٦ ووالدتها عالجت الكثير من أطفال فلسطين.
«الدستور» التقتها فى حوار كشفت خلاله عن جوانب عديدة من طفولتها وشبابها، وروت عن الحب الذى نشأت عليه فى بيت الأسرة، وكفاحها خلال رحلتها العملية، فإلى نص الحوار.




■ بداية.. كيف كانت نشأتك؟
- ولدت فى القاهرة، تحديدًا داخل المستشفى القبطى، وانتقلت رفقة والدتى طبيبة الأطفال ووالدى القاضى إلى قطاع غزة التابع لجمهورية مصر العربية فى ذلك الوقت، حيث عملت والدتى بأحد مستشفيات القطاع وعالجت الكثير من أطفال فلسطين.
أما أبى فقد تم أسره مع مصريين آخرين فى حرب ١٩٥٦، وحينها عاشت والدتى أيامًا صعبة خلال العدوان الثلاثى على مصر، بعد ذلك تم تعيين والدى كأول محافظ غير عسكرى فى ذلك الوقت، وتولى المنصب فى أسيوط ثم بنى سويف ثم بورسعيد، وعمل على إنشاء المنطقة الحرة خلال توليه المنصب، حتى اختاره جمال عبدالناصر وزيرًا للعدل.
ونحن ٤ بنات أنا أكبرهن، ودائما ما عاملنا والدى دون تفرقة، وكنا نتناقش معه فى أى شىء، وكنا نجلس دائمًا على مائدة الطعام ويضع بجانبه نقودًا جديدة، ويطرح علينا أسئلة عامة، ويكافئ من تجيب منا على أسئلته، فى تشجيع منه على البحث عن المعلومات والاهتمام بالتفاصيل، وواصل هذه المهمة مع أحفاده.
وكانت لوالدى طريقة خاصة فى سرد الحكايات، وحتى الآن أحتفظ بخطاباته التى أرسلها لنا خلال سفره فى مهام العمل، فقد كان ملهمًا وأعطى لنا أفكارًا ومعلومات كثيرة عن البلاد الأجنبية التى سافر إليها، وهكذا تربيت أنا وأخواتى فى جو عائلى ملىء بالحب والثقافة، فضلًا عن حب الموسيقى والفن، صحيح أنه لم يكن فنانًا ولكنه كان مستمعًا جيدًا، وكل بنت من الـ٤ كانت لها موهبة خاصة، فأنا أعزف البيانو، بينما أخواتى يجدن العزف على آلات موسيقية أخرى.
■ ما أكثر المواقف الجنونية فى طفولتك؟
- أتذكر جيدًا أن والدتى كانت مهتمة بالنظام جدًا، وكانت تبحث فى الصحف عن مواعيد برامج الأطفال، وتخطط تحتها بالأحمر حتى نتابعها، فلم يكن مسموحًا لنا بمشاهدة التليفزيون فى غير المواعيد التى خصصتها أمى. وذات يوم خلال المرحلة الابتدائية تمردت على المواعيد المحددة وقمت بثورة داخل البيت، وعلقنا اللافتات الاحتجاجية فى مظاهرة لنشاهد التليفزيون فى غير المواعيد المحددة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أعددت مجلة سميتها «مجلة البيت»، كانت عبارة عن ٤ ورقات، أسجل فيها ما نعترض عليه أنا وأخواتى، سواء من حيث النظام أو الأكل، وكان والدى يشجعنى ويشتريها منى، وعندما تزوجت وأنجبت، صنع أبى نفس الشىء مع إحدى بناتى التى تجيد الرسم، وكان يشجعها وينظم لها معرضًا فنيًا فى المنزل، ثم يمر على الرسومات ويشترى منها لوحاتها كنوع من التشجيع، وكان يقول لها: «الرسمة دى ممتازة عايزة فيها كام؟». وهكذا كان والداى يستمعان إلى آرائنا فى كل شىء، لتشجيعنا على التعبير عن رأينا ومناقشتنا فيه، أحيانًا أتمنى لو أمنح فرصة أخرى لأقبل أيديهما، إذ كانا فى منتهى العطاء.
■ كيف كانت العلاقة التى جمعت بين والديكِ؟
- أبى وأمى جمعتهما قصة حب لم أر مثلها حتى الآن، فمنذ كنت طفلة لم أسمع فى بيتنا صوتًا عاليًا، بل كانا يناديان بعضهما بعبارات التدليل مثل «يا عينى» و«يا حبيبتى»، وعندما كانت تسافر أمى فى مهمة عمل، كان أبى يرفض الأكل ويفقد وزنه، ويحرص قبل عودتها أن يفعل أى شىء جديد فى المنزل، وكان البيت مليئًا بالورود، الذى ظل له مقام رفيع فى العائلة.
وأذكر أننى ذات مرة قلت لإحدى أخواتى «دى قلة أدب»، لينقلب البيت رأسًا على عقب، وانتهى الأمر باعتذارى لها، لأتعلم بعدها أن أعبر عن غضبى بأسلوب مهذب مثل «أنتِ أخطأتِ»، كما كان منزلنا ملجأ لكل العائلة فى حال حدوث أية خلافات، لتميز والدى بقدرته على النقاش الهادئ والمتسامح.
وكنا لا نهتم بدين الأشخاص، فقد انضممت لمدرسة راهبات، وتعلمت منذ طفولتى ألا أسال أى شخص عن ديانته، فهى أمر خاص بين العبد وربه، ولذلك أملى كبير أن تتغير الثقافة العامة إلى الأفضل، وأخشى أن يكون نفسنا قصيرًا، لأن البلد يحتاج لجهد كبير جدًا، ولا بد أن نساند بعضنا البعض.
■ ماذا عن فترة الثانوية العامة والجامعة؟
- كنا نتميز أنا وأخواتى البنات بأننا من «الطلاب الشاطرين» جدًا، وكنا نهتم بالدرجة النهائية، وأن نكون فى قوائم الأوائل، إذ كنت متفوقة فى مواد اللغة الإنجليزية والعربية والجغرافيا، وأذكر صديقة لى فى المدرسة كانت تقوم بتقليد معلمة الجغرافيا وهى تقول «أنيسة حسونة حصلت على درجة ٤٠ من ٤٠»، لترد عليها صديقتى: «إشمعنى أنيسة ما أنا كمان حليت كويس»، وترد فى دور المعلمة قائلة: «حطيتى خطوط وزينتى كراستك زى أنيسة؟!»، إذ كانت كراستى منظمة ومبهرة لجميع المعلمين.
كما كنت أعشق المدرسة والإذاعة المدرسية، وألتزم بجميع القواعد، وفى الثانوية العامة قسم الأدبى حصلت على مجموع ٨٨٪، وكنت من الأوائل حينها، والتحقت بكلية اقتصاد وعلوم سياسية، ولم أتجاهل أى محاضرة، وكان زملائى يسخرون منى عندما أرفض التنزه معهم، «عمرى ما زوغت من محاضرة أو سيكشن».
■ كيف كانت فترة المراهقة؟
- كنت أتحمس جدًا لحضور المباريات فى الاستاد، ولم أجرؤ على فعل شىء دون إذن من البيت، وحتى الآن لا أفعل شيئًا لا يوافق زوجى عليه، حتى بعدما أصبحت شخصية عامة، ولكن من الضرورى لى، أن يكون قلبى مرتاحًا والجميع حولى فى حالة رضا. وأتذكر من فترة المراهقة أيام المصيف الجميلة فى الإسكندرية، وكان أقصى ما نفعله هو الانبهار بالمصطافين على الشاطئ، دون تبادل الكلام مثل فيلم «البنات والصيف»، وكنا نحضر حفلات المنتزه الخاصة بابن توفيق الحكيم والفنان هانى شنودة.
■ كيف وجدتِ الحب؟
- تعرفت إلى زوجى شريف ناجى بالصدفة، خلال لقاء عمل جمعه بوالدى، إذ كان قائمًا على بناء عمارة نمتلكها بمصر الجديدة، وخلال مقابلة والدى لتوقيع عقد خاص بالعمارة، جاء إلى منزلنا بجاردن سيتى، وتبادلنا الحديث، وذات مرة كنت أتحدث معه عن أشعار أحمد فؤاد نجم، وفاجأنى بعدها بيوم وأتى لى بديوان «نجم»، وكانت هذه أول هدية بيننا، وظللنا لفترة نتقابل من أجل العمارة وإنهاء العمل بها.
وحكى لى أصدقاء زوجى ذات مرة، عن مواصفاته الخاصة لشريكة حياته، وهى أن تكون بيضاء ذات شعر أصفر ولا تعمل، إلا أنه تنازل عن هذه الشروط بعدما وقع فى حبى، وقبل الاعتراف بحبه لى، كان أخواتى البنات يضحكن معى كثيرًا خاصة أختى منال الصغيرة، ويقلن لى «ها.. صرح ولا مصرحش»، وبعد أن صرح بحبه لى تمت خطبتنا وتزوجنا بعدها بعام، وكان هذا الزواج نتيجة قصة حب، وكنت أقيم مع والدىّ حتى أنجبت «مها» و«سلمى»، لأنتقل بعدها إلى منزلى مع بداية التحاقهما بالمدرسة.
■ ما أصعب المواقف التى مررتِ بها فى حياتك؟
- «مفيش أصعب من وفاة والدى ووالدتى، مفيش حاجة كسرتنى مهما مر عليا ظروف صعبة قد وفاتهم»، ظللت مدة طويلة لا أصدق موتهما، وأيضًا إصابتى بمرض السرطان، إلا أننى ما زلت أفتقد والدىّ، وأحتاج نصائحهما.
أما عن أسعد مواقفى فهو زواج بناتى، ومكافأة نهاية الخدمة بأحفادى «على، وفريد، وداليدا، وشريف» وهم نعمة كبيرة جدًا وهدية من ربنا بغير مسئوليات، ومصدر سعادتى الخالصة، وأقوم بتأليف الحكايات لهم، وأحيانًا أستغل الموقف، أقول لهم إن «تيتا بطلة البحار تكلم السمك وتمنع عنهم الموج»، ليطلبوا منى الحكايات وكأننا فى برنامج ما يطلبه المستمعون، وأصبحوا يعاملوننى الآن كنقاد الأدب.
■ متى شعرتِ أنك «بتيجى على نفسك»؟
- «أنا باجى على نفسى معظم الأحيان»، فالتزاماتى تجاه من أحبهم تجعلنى أتحمل كثيرًا، حتى أيام الجامعة «كنت باجى على نفسى علشان خاطر أصحابى وأشرح لهم»، وعندما كبرت أدركت أن لجسدك عليك حقًا، ولكن إذا كانت النتيجة أن يرتاح شخص آخر فهذه مكافأة بالنسبة لى، والحياة قصيرة جدًا ولا بد من جبر الخواطر.
■ هل أنتِ أهلاوية أم زملكاوية؟
- أنا أهلاوية ولست متعصبة، أحب الأهلى، لكن لا أتعصب ضد الفرق الأخرى.
■ ما الأغانى المفضلة لأنيسة حسونة؟
- أنا عاشقة لأغانى عبدالحليم حافظ، ومحمد قنديل، وأحتفظ بسيديهات العندليب فى السيارة، وأتأثر بأغانيه الحزينة مثل «فى يوم.. فى شهر.. فى سنة» التى تجعلنى أبكى، وعندما كبرت أصبحت عاشقة لأم كلثوم، ومحمد فوزى العبقرى، الذى أحب مشاهدة أفلامه حتى الآن، كما أعشق شادية الجميلة وليلى مراد خاصة أغنيتها «الحبيب المجهول»، أما فى الجيل الجديد، فأحب سماع عمرو دياب، وراغب علامة ومحمد الحلو وعلى الحجار.
■ ماذا عن أكلاتك وعلاقتك بالمطبخ؟
- لى حكاية شهيرة مع المطبخ، فقد طلب عمى ذات مرة، أن أسلق له البيض، لأول مرة وكنت حينها فى الثانوية العامة، فدائمًا ما كان لدينا من يعمل فى البيت، ووضعت البيض فى الإناء مع كمية كبيرة جدًا من المياه، وعندما تأخر البيض، سأل عمى وقلت له «الميه مش راضية تغلى» لتنبهنى ابنته أن البيض لا يغلى إلا فى مياه قليلة.
وما جعلنى طباخة ماهرة فيما بعد هو تشجيع عائلة «شريف» زوجى، فقد كانت متخصصة فى كل الأكلات، وكأنك حصلتِ عليها من خارج المنزل، وبعدها بدأت الاهتمام بالمطبخ وكنت أتحدث مع أصدقائى فى العمل عن الوصفات والمقادير وكانت لدىّ «كراسة» أكتب فيها كل شىء بالتفصيل، وكنت أكتب اسم الصديقة صاحبة الوصفة حتى أرجع لها مرة أخرى.
وذات مرة قررت أن تكون أول عزومة لأهل زوجى مختلفة تمامًا، فقمت بإعداد «فريك» باللوز واللحمة المفرومة إلى جانب ديك كبير، وسى فود وجمبرى، وسبانخ بالزبادى، فضلًا عن الكنافة بالكريمة التى أعطتنى وصفتها إحدى صديقاتى، وحتى الآن تسميها أخواتى «كنافة أنيسة»، وأصبحت مشهورة بها وأحفادى يطلبونها منى حتى الآن، وأيضًا مشهورة بـ«كوكتيل الجمبرى».
■ ماذا عن أول راتب فى العمل؟
- أول راتب لى كان بعد عملى فى الجامعة العربية، وكنا نتقاضى بالدولار ما يوازى ٥٠ جنيهًا، وكان فى راتبى بركة، لأننى فى الأصل كنت أعيش مع أهلى، وكان هناك اختلاف فى الأسعار «أنا فاكرة لما اتخطبت، شريف عزمنى فى أحلى مطعم فى الهيلتون إحنا الاتنين إتعشينا وحلّينا بـ١٠ جنيهات»، وبعدها مرتبى تحسن عندما عملت فى بنك.
وقلبى مع كل الشباب الآن، فهم يحاربون حتى يبنوا بيتًا، ودائمًا أقول إننا عايزين مبادرة لرجال الأعمال لحفلات زواج جماعية، يعنى رجل أعمال يتبرع بمليون جنيه يوزعها على ٢٠ شابًا ليتزوجوا، فهذا عمل جليل، وأتمنى ممن يمتلك المال أن يشترى شقة ويعطيها هدية لمن يريد الزواج، وأتمنى تدشين مبادرات لمساعدة الشباب على الزواج، وأنا ضد المطالب المبالغ فيها من الأهل، لازم الناس تتعود إن مش كل حاجة نشتريها قبل الزواج، من الإبرة للصاروخ.