رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار «لقاءات الخيانة» بين أردوغان ومرسى بعد 25 يناير

جريدة الدستور

حرس «السلطان العثمانى» ألقى هشام قنديل خارج «حمام الاتحادية».. ثم طيب خاطره قائلًا: «عفوًا»

نحن الآن فى الرابع من مارس ٢٠١١.
الثورة المصرية لم تضع أوزارها بعد، أراد الرئيس التركى، آنذاك، عبدالله جول زيارة القاهرة، ليكون أول من يزور مصر من رؤساء الدول بعد خلع حسنى مبارك، خاصة أنه وجد تسابقًا من الأمريكيين والفرنسيين والإيطاليين لزيارة ميدان التحرير.
نقل السفير عبدالرحمن صلاح الدين رغبته، وجاءه الرد من القاهرة بالموافقة عن طريق اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع- آنذاك- وزير الإنتاج الحربى حاليًا، وليس عن طريق وزير الخارجية- وقتها- أحمد أبوالغيط، الذى كان لا يزال فى منصبه بوزارة أحمد شفيق، التى تمت إقالتها عبد هبوط طائرة «جول» فى مطار القاهرة.
انعقدت المباحثات بين الجانبين، المشير طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم بعد الثورة و«جول»، وتركزت، وفق السفير عبدالرحمن، على توجيه الرئيس التركى النصح للمشير بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين حتى لو خرجت الأمور عن النظام فى بعض الأحيان، وهو ما رد عليه «طنطاوى» بأن الجيش المصرى سوف يحترم إرادة الشعب واختياراته حول من يتولى أمور البلاد.
كانت مائدة «طنطاوى- جول» باردة، فاكتفى رئيس المجلس الأعلى بالتعبير عن تقديره للدعم السياسى الذى عبّر عنه القادة الأتراك إعلاميًا، لكنه أحال دراسة مقترحات ترجمة ذلك اقتصاديًا وعسكريًا إلى الجهات المختصة.
ما كان ملفتًا يومها- وفق الشهادة التى بين أيدينا- طلب أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية آنذاك، بإلحاح لقاء المستشار طارق البشرى، رئيس لجنة التعديلات الدستورية، وهو ما تم له.
وكان هذا هو الخيط الأول بين «مصر ما بعد ٢٥ يناير» وتركيا.
بعدها بستة أشهر، وبالتحديد فى سبتمبر ٢٠١١، حضر رجب طيب أردوغان، وكان يشغل وقتها منصب رئيس الوزراء، إلى القاهرة، واجتمع مع المشير طنطاوى.
كان «أردوغان» يعرف هدفه جيدًا، فاقترح على «طنطاوى» إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، برئاستهما، لكن المشير رفض.
يقول السفير عبدالرحمن: «حين وسّطنى داود أوغلو للاستفسار عن السبب نقل لى سامى عنان- رئيس الأركان وقتها- أن طنطاوى لا يرغب فى أن يلزم الرئيس المقبل بالتزام قد لا يوافق عليه».
لكن الدبلوماسى المخضرم لم تقنعه كلمات عنان: «لم أشك لحظة أن طنطاوى كان لا يثق فى أردوغان».
غير أن تركيا لم تيأس من المحاولة، فطلب «أوغلو» من السفير عبدالرحمن أن يطرح الموضوع على السفيرة فايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولى آنذاك، بعيدًا عن رئيس الوزراء وقتها، عصام شرف، أو وزير الخارجية، محمد كامل عمرو.
يفسر السفير تصرف «أوغلو»، الذى وصفه أكثر من مرة فى كتابه بالثعلب الماكر، بأن الوزير التركى قد لاحظ، خلال اجتماعات مشتركة مع «شرف» فى زيارتى «جول وأردوغان»، أن رئيس الوزراء يطلب استشارة وزيرة التعاون الدولى كثيرًا، وأنها كانت محل ثقة «طنطاوى» فأراد أن تتوسط لإقناعه بالتراجع عن رفضه المجلس الاستراتيجى بين القاهرة وأنقرة.
لكن السفير لم يفعل ذلك، نظرًا لما فى الأمر من خروج عن الإطار التنظيمى لعمله.
وللسيدة فايزة أبوالنجا نصيب أيضًا من شهادة السفير عبدالرحمن.
يقول: «فى أحد اجتماعات أردوغان ووفده مع رئيس الوزراء عصام شرف، منع حراس أردوغان الوزيرة فايزة أبوالنجا من دخول صالة الاجتماعات بمجلس الوزراء، حيث اشتبك الحرس المصرى مع الأتراك، وكان المجتمعون مع رئيس الوزراء يسمعون صوت العراك بين حراس الأمن قبل أن تدخل فايزة منكوشة الرأس وفائرة الغضب لكى تتوجه لأردوغان وبالإنجليزية التى لا يفقه منها حرفًا وتطلب منه الاعتذار، فما كان من أردوغان إلا أن طلب من المسئولين المصريين احتمال حراسه الذين يحرصون على حياته.. وبالطبع لم يعتذر ومر الموقف».
ويذكر السفير عبدالرحمن أن «أبوالنجا حتى مغادرتها منصبها لم توافق على أى برنامج تعاون مع تركيا، ليس فقط بسبب هذه الحادثة، ولكن لأنها تنتمى إلى آخر بقايا المدرسة المتحفظة على التعاون مع تركيا أردوغان».
لم تأخذ تركيا ما أرادت من زيارة «أردوغان»، فإلى جانب إجهاض فكرة المجلس الاستراتيجى، اعترضت المخابرات العامة على اقتراح رئيس الوزراء التركى الإعفاء من تأشيرات الدخول للمواطنين لأسباب أمنية ثبت صحتها بعد «٣٠ يونيو».
وكان لا بد من زيارة ثالثة وهذه المرة فى عهد محمد مرسى «نوفمبر ٢٠١٢».
حملت هذه الزيارة مجموعة من المشاهد تستحق التوقف أمامها.
يقول السفير عبدالرحمن: «حين زار أردوغان مصر، ورغم أنه كان رئيسًا للوزراء، فإن محمد مرسى قرر أن تتولى رئاسة الجمهورية كل ترتيبات الزيارة، بما فى ذلك استضافة أردوغان على عشاء فى قصر الاتحادية، وقد جرت المباحثات فى القصر، ورأس فيها مرسى الجانب المصرى، وشارك فيها رئيس الوزراء هشام قنديل مثله مثل بقية الوزراء، وناسب ذلك قنديل المسكين- استخدم السفير هذا الوصف مرتين عند الحديث عن رئيس الوزراء الأسبق- الذى قضى يوم الزيارة كله فى أسيوط بسبب حادث مؤسف لاصطدام قطار بأتوبيس مدارس، وعاد مباشرة لحضور الاجتماع فى الاتحادية وكان مشتت الفكر، وفوجئت بأنه لم يحضر اجتماع مرسى وأردوغان الذى حضره أعضاء سكرتارية الرئيس من جماعة الإخوان».
لنقترب من الصورة أكثر.
يقول السفير: «جلس قنديل معنا- أعضاء الوفدين من الوزراء والسفراء- ووجدته يهمس فى أذنى طالبًا منى أن أكتب له كلمته التى سوف يلقيها فى الاجتماع الموسع، فأجبته أن مكتبه لديه ملف كامل عن العلاقات المصرية التركية أعدته وزارة الخارجية بناء على تقارير سفارتى، ويتضمن مشروع كلمة لهذا الغرض، والطريف أن قنديل قال لى إنه لم يحمل معه أى ملف، وألح فى رجائى أن أكتب له كلمتين لإنقاذ الموقف، وبالفعل جلست فى جانب من الغرفة أكتب، وجاءنى عصام الحداد، مستشار الرئيس للشئون الخارجية، ليسألنى عما أفعل، فأجبته، فابتسم وقالى لى: (معلش إحنا لسه بنتعلم منكم)، وقد قرأ قنديل الصفحتين اللتين كتبتهما بخط يدى بالحرف دون أن يستشير أحدًا حولهما أو يغير حرفًا واحدًا فيهما، وجاءنى الحداد بعد الاجتماع وهنأنى على حرفية دبلوماسيى وزارة الخارجية، وأنى أحطت فى كلمة قصيرة بكل جوانب العلاقات، وخليت الراجل يظهر بصورة مشرفة، فأجبته بأسى أنه رئيس وزراء مصر».
هل من مزيد؟
يروى السفير عبدالرحمن: «بعد العشاء توجه قنديل لحمام قريب من القاعة وكنت فى طريقى لنفس الناحية، وفوجئت بحراس أردوغان يدفعونه خارج الحمام، وحين حاول مقاومتهم حمله اثنان منهم من ذراعيه ودفعاه خارجًا، وكان منظرًا، رغم قبحه وخروجه عن كل لياقة وأدب، مضحكًا، نظرًا لقلة حجم قنديل الجسمانية وضخامة حرس أردوغان، الذى خرج من الحمام مرتاحًا ومبتسمًا ثم توجه إلى قنديل واحتضنه وقال له بالعربية: (عفوًا)».
ويعلق السفير: «شككت للحظة أن قنديل الذى كان متأثرًا ربما كان يبكى».
كان هذا هو المشهد الأول الموحى بطبيعة العلاقة بين «مصر مرسى» و«تركيا أردوغان».
المشهد الثانى كان فى وداع رئيس الوزراء التركى.
يقول السفير عبدالرحمن: «الأغرب أن رئيس الوزراء أردوغان عند مغادرته للقاهرة فى نوفمبر ٢٠١٢، وكنت أنا ووزير الشباب الإخوانى أسامة ياسين فى وداعه، سأل سفيره بصوت عالٍ لكى نسمعه عما إذا كان قد وجد بيتًا جديدًا على ضفاف النيل ملائمًا ويصلح لأن ينقل إليه سفارته من المبنى المتواضع الذى تشغله فى باب اللوق، ولتكون مثل السفارة المصرية التى تشغل مساحة كبيرة على شارع أتاتورك، فلما أجاب السفير بالنفى نظر لى أردوغان ومن خلال مترجمه قال لى إن الصومال أهدت تركيا عشرين فدانًا فى أهم بقعة فى مقديشيو لتقيم عليها سفارتها هناك، وإن مصر يجب أن تحذو حذوها بإهداء تركيا قطعة أرض كبيرة على ضفاف النيل».
ويواصل: «نظرت إلى الوزير ياسين الذى ابتسم دون فهم للإهانة التى يوجهها لنا السلطان، فذكرت بأدب مصطنع وأنا أتميز غيظًا أن رئيس الوزراء التركى لا بد أن يدرك أن قيمة الأرض والعقار فى القاهرة تختلف اختلافًا كبيرًا عن مقديشيو، لأسباب تاريخية وسياسية واقتصادية، إلا أن الحكومة المصرية سوف يسعدها أن تمنح السفير التركى رخصة بناء على أى قطعة أرض يستطيع أن يشتريها من أصحابها مثلما فعلت مصر فى أنقرة قبل ٨٠ عامًا وقبل أكثر من ١٠٠ عام فى إسطنبول».
ويفسر السفير «جليطة» أردوغان بأنها لم تكن أكثر من تعبير عما يعتقده وغيره من «العثمانيين الجدد» من أن مصر والصومال فى ظل حكومات إسلامية يعتبرون إخوة كانوا يعيشون معنا فى ظل الدولة العثمانية لأكثر من خمسة قرون، ويجب أن يتصرفوا وفقًا لذلك.
وما بين الاعتداء على رئيس وزراء مصر من قِبل حرس «أردوغان» وتعامل السلطان مع مصر كولاية ورثها عن أجداده، مشهد ثالث يصفه السفير عبدالرحمن بأنه «كان بحق تتويج أردوغان لأحلام السلطنة فى المنطقة». تواكبت الزيارة، التى اصطحب فيها أردوغان معه غالبية أعضاء مجلس وزرائه و٢٠٠ من رجال الأعمال، مع مواجهات عسكرية بين «حماس» وإسرائيل فى غزة، وحضرت هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، إلى القاهرة، وأمر محمد مرسى بأن يتم تخصيص مكتب لها فى وزارة الخارجية يمكن لها منه متابعة الاتصالات المصرية مع إسرائيل و«حماس».
وعلى عجل استدعى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس وقتها، من قطر للاجتماع بالسلطان فى فندق الفورسيزون بضاحية جاردن سيتى، وأجرت المخابرات المصرية اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلى، وجرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
بهذه الطريقة أثبت أردوغان، وأوغلو الذى بقى فى القاهرة بعد سفر رئيس وزرائه للتأكد من إنهاء الاتفاق، أن تركيا قادرة على توجيه الإخوان المسلمين المصريين والفلسطينيين للتفاوض بشكل مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل.
ومما يرصده السفير عبدالرحمن فى مذكراته اصطفاف قيادات الفكر والسياسة والقانون فى الفورسيزون انتظارًا لمقابلة أردوغان. «كنت ترى حمدين صباحى وعمرو موسى والبرادعى وشباب ٦ أبريل وشباب الإخوان جنبًا إلى جنب مع فهمى هويدى وطارق البشرى فى صالونات الفندق المختلفة للاجتماع مع السلطان التركى وبعض أعوانه».
وهكذا سقطت مصر فى يد السلطان.


عصام الحداد يورط مصر فى «فضيحة المنحة التركية».. والدبلوماسى عبدالرحمن صلاح لوزير الخارجية: «يا دى المصيبة»

هل لى أن أعترف بشىء؟
كنت أقترب بحذر مع التقارير المتعلقة برجال جماعة الإخوان وقت حكم مرسى، لأنى أعرف أن الصحافة تتعامل، أحيانًا، فى معاركها بمنطق تضخيم دور الخصم بل شيطنته، إذا تطلب الأمر، حتى يسهل إبعاد الناس عنه ومن ثم تعريته وإسقاطه. ولأن المعركة مع جماعة الإخوان تستحق، كما أعتقد، التخلى عن أى معيار مهنى إذا كان سيقف حائلًا أمام فضح هؤلاء الذين اختفطوا حكم البلاد، فإننى لم أعتقد بصحة ما كنا ننشره بشكل كامل.
بقيت أسيرًا لهذه الصورة حتى قرأت ما كتبه السفير عبدالرحمن صلاح فى مذكراته عن دور عصام الحداد، مستشار مرسى للشئون الخارجية، أو وزير الخارجية الحقيقى إذا شئت الدقة، فتأكدت أننا لم نكن نقول إلا الحقيقة كاملة. يقول: «بعد تولى مرسى الرئاسة، فوجئت ببرقية من رئيس ديوان رئيس الجمهورية السفير محمد رفاعة الطهطاوى لإبلاغى بأن الدكتور عصام الحداد سوف يحضر لإسطنبول فى اليوم التالى للقاء رئيس الوزراء أردوغان، ووفقًا للعرف الدبلوماسى فسرت تلك البرقية بأنها تكليف لى لإعداد الزيارة والتحضير لها، سواء من الجانب التركى أو التحضير الموضوعى، واتصلت أولًا بوكيل الخارجية المسئول عن الشرق الأوسط فى أنقرة الذى أكد لى أن الموعد تحدد مساء اليوم التالى، وسوف يشارك فى اللقاء من الجانب التركى مع رئيس الوزراء نائبه للشئون الاقتصادية، ووزيرا الخارجية والمالية ومحافظ البنك المركزى، وأن الموضوع هو محاولة تلبية احتياجات مصر فى المجال الاقتصادى».
ويضيف: «اتصلت بوزير الخارجية محمد عمرو لإبلاغه بزيارة الحداد المعتزمة، وما أعددته للتحضير لها، وما أتوقعه منها، وفوجئت به يقول لى إن كل برقياتى ومذكراتى يتم إرسالها للرئاسة، ولعصام الحداد شخصيًا، ولكنه يرجونى ألا أتوجه إلى إسطنبول، وألا أحضر الاجتماعات، فشرحت للوزير المصرى أن الجانب التركى سوف يشمل كل المختصين من كل الوزارات، وأن الاجتماع ليس مغلقًا ولا يعقل أن يكون مستشار الرئيس، وهو أصلًا طبيب، منفردًا دون وجود السفير المصرى معه على الأقل لمتابعة ما سيتم الاتفاق عليه، فما كان من الوزير إلا أن أبلغنى بأن هذه هى التعليمات».
لم ييأس السفير عبدالرحمن.
يقول: «اتصلت بالطهطاوى الذى تربطنى به صلة مودة من فترة طويلة كسفير وزميل فى وزارة الخارجية، وكنت فى غاية الغضب وقلت له صراحة إنه يجب أن يشرح للجماعة قواعد العمل فى مجال السياسة الخارجية وإلا ستخسر بلادنا كثيرًا، فوعدنى بالتحدث للحداد والرد علىّ، وسرعان ما جاءنى رده بأن الحداد يُصر على أن يحضر الاجتماع وحده، وسوف يتصل بى لإبلاغى بما دار فيه قبل مغادرة إسطنبول، فاقترحت عليه أن يوفدوا معه وزير المالية على الأقل إذا كانوا لا يثقون بسفير مصر فى أنقرة».
ولعل المضحك المبكى أن السفير عبدالرحمن اتصل بالقنصل العام فى إسطنبول، السفيرة وفاء الحديدى، وطلب منها أن تكون فى انتظار «الحداد»، وأن توصله لمقر الاجتماع، وشرح لها أنه لا يرغب فى أن يحضر أحد الاجتماع، فامتثلت الدبلوماسية المحنكة، وقالت له: «ليه يا سعادة السفير؟.. هو إحنا ولاد البطة السودا». يقول: «ولكى تكتمل الكوميديا فوجئت باتصال مع الوزير عمر قبل وصول الحداد بساعة، فبادرته بأن الوقت متأخر الآن لكى انضم للاجتماع، فقال لى ضاحكًا إن سبب مكالمته هو أن يطلب منى ألا ينتظر الحداد أحد من القنصلية أيضًا، فاتصلت فورًا بوفاء التى كانت على مشارف المطار، وطلبت منها العودة من حيث أتت، وطبعًا انتهت الزيارة وغادر الحداد دون أن يتصل بى أو يطلعنى على ما دار فى الاجتماع حتى بعد عودته للقاهرة».
لم نصل إلى نقطة الجد فى هذه المهزلة حتى الآن.
يروى السفير عبدالرحمن: «فى اليوم التالى طلبت مقابلة وكلاء الوزارات التركية التى شارك وزراؤها فى الاجتماع، موحيًا لهم بأننى أعلم مضمون ما دار، وبأننى أقوم بمتابعة النتائج، فوجدت لدى كل منهم صورة كاملة مع محضر الاجتماع، الذى خلص إلى أن الجانب التركى قد نقل للحداد، عبر مترجم يتحدث العربية بطلاقة، استعداد تركيا لتقديم قروض ميسرة بقيمة إجمالية قدرها ٢ مليار دولار، منها مليار دولار فى صورة نقدية ويقسم على دفعتين، واحدة تصلنا قبل نهاية عام ٢٠١٢ والثانية فى مطلع عام ٢٠١٣، والمليار الآخر فى صورة تسهيلات ائتمانية تركية لتمويل شراء مصر معدات تركية، أو قيام الشركات التركية بمشروعات فى مصر». ويعلق السفير على هذا الموقف بقوله: «فسر المسئولون الأتراك اتصالاتى ومقابلاتى على أنها من سفير دولة لها مؤسسات محترمة يتابع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولم يدركوا طبعًا أن هذا السفير ووزارة خارجية بلده ومعظم مؤسساتها لم يكونوا يعلمون بما تم الاتفاق عليه، ولكن ما خفى كان أعظم».
قدم السفير عبد الرحمن تقريرًا للقاهرة بما حدث لكنه فوجئ باتصال من وزير الخارجية يستفسر عما إذا كان متأكدًا من دقة معلومات القرض. هنا كانت المفاجأة.
يقول: «اضطر الوزير لمكاشفتى بأن عصام الحداد أبلغ رئيس الجمهورية بأن الأتراك وعدوه فى إسطنبول بتقديم ٢ مليار دولار نقدًا كمساعدة لا ترد، منها مليار دولار يتم صرفه لنا فورًا دون قيد أو شرط ودون فوائد، ومليار آخر مطلع العام المقبل». ولم يجد السفير ردًا سوى «يا دى المصيبة».
لم يمر النهار حتى اتصل «الطهطاوى» بسفيرنا فى أنقرة يرجوه بأن يتعاون مع «الحداد» الذى سوف يرأس وفدًا تم تشكيله لبحث المسألة مرة أخرى. وصل الوفد بالفعل واجتمع مع الجانب التركى، وحاول «الحداد» إنقاذ الموقف بالقول إنه كان يعتقد أن هناك تفاهمًا بالفعل مع رئيس الوزراء التركى على تقديم قروض لنا قيمتها ٢ مليار دولار، وأنه كان يعتقد أن هناك تفاهمًا على مساعدة تركيا لمصر بمنحة لا ترد بهذه القيمة.
وهكذا كان رجال الإخوان.