رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داعش لا يزال فى الخدمة!


إلى الآن، لم يترتب على إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، اعتزامه سحب قواته من سوريا غير استقالة جيمس ماتيس، وزير دفاعه (السابق). والتأكيد على أن تنظيم «داعش» الإرهابى، لا يزال فى الخدمة: خدمة واشنطن. وبعد أن ظل «ترامب» يتعامل مع القرار بخطوة للأمام، وأخرى للخلف، قام بتثبيت قدميه الاثنتين عند شرطين: توفير الحماية للأكراد، وضمان عدم استعادة تنظيم «داعش» قواته.

الغريب هو أن تنظيم «داعش» قام بتكثيف هجماته على المناطق التى تسيطر عليها ما توصف بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، فور إعلان الرئيس الأمريكى، وكأنه أراد تأكيد مخاوف «مزاعم» البعض من أن الانسحاب الأمريكى سيتيح للتنظيم الإرهابى إعادة تنظيم صفوفه من جديد. وبالتالى، تظلم «الصدف»، محاسنها ومساوئها، لو وضعت ما تم إعلانه، الثلاثاء، عن مقتل عشرات الأشخاص فى هجمات شنها «داعش»، إلى جوار إعلان جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، الأحد، من تل أبيب، أن بلاده لن تسحب قواتها من سوريا حتى تتحقق هزيمة تنظيم «داعش»، وحتى تتمكن من توفير الحماية للأكراد.

قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، كرر «بولتون» ما سبق أن أعلنه الرئيس الأمريكى بأنه «لا يوجد حتى الآن جدول زمنى محدد لسحب القوات الأمريكية»، واشترط لحدوث ذلك «توفير الأمان للأكراد والتوقيع على اتفاق مع تركيا بهذا الشأن». وبمزيد من التوضيح قال إن الولايات المتحدة لن توافق على قيام تركيا بأى عملية عسكرية فى شمال سوريا، ما لم يتم ذلك بتنسيق كامل بين البلدين. مؤكدًا أن واشنطن تصر على حماية حلفائها الأكراد، وأنه سيؤكد ذلك للرئيس الرئيس التركى، خلال لقائهما المرتقب فى أنقرة.
بهذا الشكل، يمكننا استنتاج أن زيارات بولتون، إلى تل أبيب، ثم إلى أنقرة وشرق سوريا وروسيا، ستنتهى إلى لا شىء. وإلى اللا شىء نفسه ستنتهى، أيضًا، جولة الأستاذ مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، التى تبدأ بزيارة مصر، الثلاثاء، وتنتهى منتصف الشهر الجارى، بعد المرور على سبع (أو ثمانى) دول أخرى. وعليه، لا مانع من مواصلة الضحك على النكتة الأكبر، نكتة إعلان الرئيس الأمريكى أنه سيعتمد على تركيا فى محاربة تنظيم «داعش». وكنا قد ضحكنا على تلك النكتة، فى مقال سابق، وأوضحنا أن تركيا لم تتوقف عن دعم هذا التنظيم الإرهابى، وغيره، بالمال والسلاح، طوال السنوات الماضية، وأنها كانت الممر الأكبر لتدفق مسلحى التنظيم إلى سوريا، قبل أن تصبح ملجأ للفارين منها.
مثلًا، حين تمكنت القوات العراقية المشتركة، فى أغسطس الماضى، من إلقاء القبض على عصام الهنا، القيادى بتنظيم داعش، والمعروف باسم «أبومنصور المغربى»، اعترف أمام قاضى التحقيق، وفى حضور عدد من القضاة، أتيح لهم حضور الجلسات، بأنه قام بالتنسيق مع السلطات التركية لإدخال من وصفهم بـ«المهاجرين» عبر الحدود إلى العراق وسوريا، للقتال فى صفوف التنظيم. وقال إن عمله تضمن الرد على اتصالات القادمين من مختلف البلدان إلى تركيا لمساعدتهم فى الدخول إلى الأراضى السورية، عبر تزويدهم بأرقام تليفونات من يتكفلون بإيصالهم، على مراحل إلى المناطق التى يسيطر عليها التنظيم.
بالتنسيق مع الأتراك أيضًا، كان «المغربى» يقوم بنقل الإرهابيين المصابين لتلقى العلاج فى المستشفيات التركية. كما اعترف بأن السلطات القطرية قدمت دعمًا كبيرًا للتنظيم فى سوريا، وكانت ترسل، عبر الشيخ خالد سليمان، مليون دولار شهريًا. وأكد أن جهات إسرائيلية قامت أيضًا بإرسال أموال إلى المقاتلين، وأنه قام بالتنسيق معها لمعالجة المصابين داخل مستشفيات إسرائيلية. وقطعًا سأرى ابتسامة خبيثة على وجهك حين تعرف أن المصدر الرئيسى للأسلحة الحديثة التى حصل عليها تنظيم «داعش»، كانت قيادات ما يوصف بـ«الجيش السورى الحر»، الذى تصفه الإدارة الأمريكية بـ«المعارضة المعتدلة المسلحة»، والمعروف أنه يُدار بـ«الريموت كنترول» من المخابرات المركزية الأمريكية.
قد تتضح الصورة بدرجة أكبر، لو كنت قرأت أو سمعت أن الرئيس الأمريكى أمر، منذ سنة تقريبًا، بوقف البرنامج «السرى» الذى تديره الـ«CIA» لتدريب ما وصفها بـ«جماعات المعارضة السورية». وهو البرنامج الذى قيل إنه تم إطلاقه سنة ٢٠١٣ بقرار من الرئيس السابق، باراك أوباما، بينما تقول شواهد كثيرة إنه بدأ قبل سنتين، على الأقل، من هذا التاريخ. وهناك شواهد أكثر تقول (بل وتؤكد) أن الولايات المتحدة دعمت برامج شبيهة فى ليبيا، اليمن، ومصر، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة، والكيان الصهيونى.
.. ولا يبقى غير أن نكرر، مجددًا، أنك تكون واهمًا لو انتظرت غير مزيد من الإرهاب، دون مواجهة حقيقية مع تركيا، قطر، والكيان الصهيونى، وكل الدول التى قامت (وتقوم) بتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين ووفرت لهم (ولا تزال) الغطاء السياسى والأيديولوجى.