رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من «ينى شفق» إلى «الجزيرة».. النحيب لا يزال مستمرًا


كلنا نعرف قناة الجزيرة.. بأكاذيبها وتقاريرها المفبركة وبتبنيها سياسة زرع الفتن وإشعال الحرائق فى كل أرض عربية، لكن قليلين من يعرفون صحيفة «ينى شفق» التركية التى أصبحت المرادف الموضوعى لهذه القناة فى الأكاذيب والتسريبات والتلفيقات.
«ينى شفق» جريدة يومية تركية توصف بأنها قريبة من حكومة حزب العدالة والتنمية فى تركيا الذى يتزعمه رجب طيب أردوغان، واسمها يعنى «الشفق الجديد»، والشفق كما نعلم هو الوقت الذى يلى الغروب، وهو اختيار غريب وعجيب فى عالم أسماء الصحف، حيث تطلق على الصحف الصباحية عادة أسماء توحى بالبكور كالصباح والنهار والفجر والشمس وغيرها، حتى الصحف المسائية تحدد اختيارها بدقة، لكن إطلاق اسم «ما بعد الغروب» على صحيفة صباحية فهو دليل جديد على عبقرية إخوان الأناضول، وهى بالفعل جريدة إخوانية بكل معانى الكلمة.
وقد كانت «ينى شفق» جريدة محدودة التأثير، حتى بعد أن أطلقت نهاية سنة ٢٠١٣ نسختها العربية على موقعها الإلكترونى، ولكن أحوال الجريدة تغيرت كثيرا منذ بداية أكتوبر الماضى، أى عقب اغتيال الصحفى «الإخوانى» جمال خاشقجى، حيث ركبت الصحيفة موجة الأكاذيب بصورة مذهلة، واستندت إلى تقارير أمنية ملفقة سربت إليها حول الحادث.
ولم تتوقف الجريدة الإخوانية منذ ثلاثة أشهر لتلقط أنفاسها، ولو فعلت لأدركت مدى التضارب والتناقض فى هذه التقارير، فأحدها يزعم أن السعوديين قطعوا جسده بالمنشار الكهربائى ونقلوه إلى بيت القنصل فى حقائب كبيرة، وآخر يدعى أنهم أذابوا جسمه فى حامض الأسيد، وهناك تقرير يتحدث عن تقطيع جسده على أنغام الموسيقى، لكن يبدو أنهم استعذبوا اللعبة التى تزيد أرقام توزيعهم، عن طريق نشر تقارير سربتها أو منحتها للجريدة أجهزة الأمن والاستخبارات التركية، لتستخدمها فى الحرب الإعلامية ضد المملكة العربية السعودية.
ومنذ بداية شهر أكتوبر الماضى- عقب حادث الاغتيال- أصبحت صحيفة الأكاذيب التركية «ينى شفق»، تنافس فى انتشارها قناة الأكاذيب التليفزيونية القطرية الجزيرة.. وفى زمن الاحتلال التركى الإيرانى لدويلة قطر، لا بد أن تتلاقى أبواق الأكاذيب الإخوانية مع بعضها البعض.
واللقاء هذه المرة كان من خلال وصلة نحيب تتبادلها الصحيفة التركية مع القناة القطرية، بعد الأنباء الأخيرة القادمة من سوريا التى تؤكد أن كل المليارات التى أهدرتها قطر لإشعال الحرائق هناك قد ضاعت سدى، وأن الرئيس بشار الأسد باق وأن عودة سفارتى الإمارات والبحرين للعمل فى دمشق هى خطوة سوف تليها خطوات أخرى، لعودة مزيد من السفارات العربية إلى هناك، وأن الأسد الذى راهنوا على سقوطه ورحيله ربما يكون حاضرا فى القمة العربية المقبلة التى ستعقد فى تونس فى الربيع المقبل.
لذلك لم يكن غريبا أن تنفرد صحيفة «ينى شفق» بنشر بيان لتنظيم الإخوان المسلمين يوم ٣٠ ديسمبر الماضى، يستنكر استئناف كل من مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة عمل سفارتيهما فى دمشق، وقد هاجم تنظيم الإخوان الدولتين الخليجيتين واعتبر أن خطوتهما هذه تعتبر دعمًا لنظام الأسد.
نفس النحيب بنفس الدرجة نراه فى قناة الجزيرة القطرية حول بقاء الأسد، واتجاه الأوضاع فى سوريا نحو تسوية، لم تعلن تفاصيلها حتى هذه اللحظة، لكن المؤكد أنه ليس لقطر أى رأى أو دور فيها رغم المليارات التى أهدرتها هناك.
والحقيقة أن هذا الاتفاق الذى يصل إلى حد التطابق، بين الصحيفة وقناة الجزيرة بخصوص قضيتى خاشقجى من ناحية، وأنباء التسوية فى سوريا وبقاء الأسد من ناحية أخرى، يقطع بأن تنظيم الإخوان الدولى كان له دور رئيسى فى شن الحرب الإعلامية على المملكة العربية السعودية من بعد حادثة خاشقجى.. وأن هذا التنظيم أيضا كان وراء كثير من الخراب الذى شهدته سوريا منذ ٢٠١١ وحتى الآن، وأنه ضد أى تسوية تنتهى ببقاء الأسد على كرسى الرئاسة.
والحقيقة أن الصراخ والنحيب ليس من الصحيفة التركية ولا من القناة القطرية، فكلتاهما أداة فى يد الدولة التى تصدر منها، فالنحيب هنا قطرى على مليارات أهدرت وسمعة تلطخت دون أى عائد، وهو أيضا نحيب تركى فلطالما راهن سلطانها الحائر على رحيل الأسد وعلى دور أكبر له فى سوريا، فى وقت يتخوف فيه كثير من المراقبين من أن التسوية «المجهولة حتى الآن» ربما تكون فخا قد نصب له فى سوريا، وأنه قد يبتلعه هو وكل أحلامه وأطماعه فى المنطقة.